الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

وفي «اليوم السادس» لم يأتِ أحد

وفي «اليوم السادس» لم يأتِ أحد
9 مارس 2017 00:00
تقديم واختيار: رانيا حسن تعد الروائية والشاعرة أندرية شديد (20 مارس 1920-6 فبراير2011) مثالاً حياً على ازدواجية الهوية التي يعيشها بعض المثقفين، والتي انعكست على منتجهم الأدبي والإبداعي، فهي مولودة في القاهرة لأسرة لبنانية، والدها هو سليم صعب من بعبدا في لبنان، ووالدتها أليس خوري من دمشق في سوريا، هاجرت عائلاتهما إلى مصر في العام 1860، وتلقت تعليمها في القاهرة حيث تعلمت الإنجليزية والفرنسية في مدرسة داخلية (راهبات القلب المقدس)، ثم سافرت إلى أوروبا في سن الرابعة عشرة لتعود مرة أخرى إلى القاهرة للدراسة في الجامعة الأميركية. ومع زواجها من عالم الأحياء (لوي أنطوان شديد) واستقرارها في باريس تبدّت لديها هوية أخرى أو ثالثة، لتأتي مؤلفاتها محملة بالثقافة الشرقية، مسربلة بالآلام والمعاناة الإنسانية في مصر الحديثة، خاصة معاناة النساء الشرقيات والقهر الذي يقع عليهن كنتيجة حتمية لطغيان الثقافة الذكورية في هذه المجتمعات، معبرة عن ذلك من خلال روايتها (نوم الخلاص) التي حولتها سلسلة روايات دار الهلال إلى (النوم الخاطف) 1952، وروايتها عن الحرب الأهلية في لبنان وهما: (منزل بلا جذور) 1985، و(الطفل المتعدد) 1980. ولشديد ثلاثة عشر ديواناً وسبع روايات ومجموعتان قصصيتان، فضلاً عن ثلاث مسرحيات وبحثين عن لبنان، بالإضافة إلى ثلاثة سيناريوهات للأطفال. وحصلت على مجموعة من الجوائز الأدبية منها: جائزة لوي لابيه 1966، وجائزة النثر الذهبي للشعر 1972، والجائزة الكبرى للأدب الفرنسي التي تمنحها الأكاديمية الملكية في بلجيكا 1975، ثم جائزة أفريقيا البحر المتوسط 1975، وجائزة غونكور في القصة القصيرة 1979، ثم جائزة في الترجمة الأدبية 1992 ومن أهم أقوالها: «ليست لدى النية أن أقتلع جذوري، ومصر هي وطني الحقيقي». وتحكي روايتها (اليوم السادس) 1960 عن فترة وباء الكوليرا الذي أجتاح ريف مصر ثم المدينة 1947 وهي الرواية التي حولها المخرج يوسف شاهين إلى فيلم يحمل العنوان نفسه.. والمقتطفات التالية من هذه الرواية. كانت «أم حسن» وهي تعلق عينيها بالأفق تنتظر أن تلوح لها قريتها مع الفجر في لحظة واحدة. لقد حاول الرجل مرات عديدة أن يثنيها عن القيام بهذه الرحلة: - أنت في القاهرة آمنة مطمئنة، فلماذا تذهبين هناك؟... إن الكوليرا في الأرياف قد صالت وجالت... وإن ما ستشاهدينه لن يكون مثار بهجة بالنسبة لك. *** - أنت بعيدة جداً، ولا تعلمين عنا شيئاً. - أنا لا أعلم شيئاً، يا «صالح»؟! - لقد مات أحد عشر شخصاً من أسرتنا، وأما عن القرية، فلم أعد أدري عدد موتاها، ولكن أسوأ ما في الأمر هو المستشفى... فقد كانت سيارة الإسعاف تصل، ويدخل الممرضون المنازل بالقوة، فيخرجون أمتعتنا ويحرقونها، ويحملون مرضانا ويذهبون. - إلى أين؟ - لا يخبروننا بذلك مطلقاً. *** ولقد انتهى بي الأمر إلى التسلل داخل إحدى هذه الخيام، كان شيئاً مريعاً.. وجه واحد يتكرر في كل مكان: وجه أزرق، هزيل، يتدلى منه اللسان.. إن المرضى ينام بعضهم بجوار البعض الآخر فوق الرمال، يقيئون، اثنان منهم كانا قد فارقا الحياة، فتركوهما في مكانهما.. *** لقد أحرقوا ديارنا، بسبب العدوى، إن رجال الإسعاف يجيئون ويشعلون النيران... وأنت ألستِ بخائفة؟ ومرة واحدة اصطبغت السماء بالنور... ولم يبق أصبع من الظل على سطح القشرة الزرقاء «الشمس التي تخرج وردية تماماً من الجبل الوردي» لقد عاودها اللحن القديم، هذه المرة، كئيباً.. أكثر كآبة من أية مرثية. *** كانت سلمى وهي ملفوفة في ثيابها السوداء، وراقدة فوق الأرض، تبدو طويلة بطريقة خارقة، وكان وجهها الضيق المدبوغ يذكر صديقة بتلك المومياء التي لمحتها خلف واجهة زجاجية معفرة عند زيارتها للمتحف بصحبة حسن والمعلم الشاب، لم يكن هناك أي وجه للشبه بين هذا القناع وبين وجه شقيقتها الصغرى المتفتح المنبسط، إن الناظر إليها ليظن أن هناك خيوطاً خشنة جافة تتلاحم تحت الجلد لتبقى على أجزاء الوجه في مكانها. *** - حافظي على حفيدك جيدا وراقبيه فقد كنا معا خلال هذه الفترة الأخيرة في أغلب الأحيان... وأخرج من جيبه علبة سجائر، وحاول أن يرفع إحداهما إلى شفتيه، لكنه سرعان ما أعرض عن ذلك. بعد ستة أيام سأكون قد شفيت. لا تنسي ما أقوله لك: في اليوم السادس، إما أن نموت أو نبعث من جديد...«اليوم السادس» أضافها وهو يتذكر عبارات الصحيفة اليومية. وفي اليوم السادس كان حسن والعجوز جالسين متجاوين على آخر درجة من سلم المدرسة المهجورة. وظلا ينتظران حتى منتصف الليل. فلم يأت أحد. وملأت القدح حتى منتصفه، وحملته إليه، فغمس فيه شفتيه، وابتلع جرعة أو جرعتين سرعان ما تقيأها في الحال. وتوسل «حسن» قائلاً: - لأذهب إلى المستشفى... - أبدا! سنرحل. لا تخف.لا الناس، ولا الموت سيلحقون بنا.. إن الظل هو مرض الشمس، وتذكر أن الشمس تنتصر دائما. - إنك أنت شمسي. أنت حياتي. لا يمكن أن تموت. إن الحياة لا يمكن أن تموت. *** - إنه يشبه سعيداً. - هكذا كانت تحدث نفسها وهي تتطلع إلى وجه الطفل. الجبين نفسه الذي تحفره الخطوط الرفيعة، الخطوط العميقة نفسها على جانبي الفم.... كان الجلد يبدو عريضاً في كل مكان، وحاولت المرأة بأطراف أصابعها، أن تخفى كل تلك الخطوط. «كأنه برقوقة جافة زرقاء» كانت العينان فقط – في ومضات بارقة – تمارسان الحياة، مصدرتين نظرة حادة محزنة، وإذا به يقول: - سأموت. - لا تقل هذا. - فاستطرد قائلاً: - سأموت. - ليس هذا صحيحاً. - فاستطرد قائلا بصوت متكسر: - لقد مات معلمي، وأنا سأموت. - معلمك لم يكن معه من يسهر عليه.أما أنت، فإنني معك.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©