الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

معارك طاحنة على دنانير المماليك

معارك طاحنة على دنانير المماليك
1 أكتوبر 2007 22:41
عندما شرع الملك الأيوبي الصالح نجم الدين أيوب في شراء مماليكه الأتراك ليكونوا نواة جيشه لم يدر بخلده أن هؤلاء الأرقاء سيضعون بأيديهم نهاية مأساوية للدولة الأيوبية ويتحولون الى سادة مصر وبلاد الشام وشبه الجزيرة العربية· فعقب وفاة نجم الدين أيوب اغتال المماليك ابنه وولي عهده المعظم توران شاه في ميدان معركة المنصورة التي انتهت بأسر لويس التاسع ملك فرنسا وذلك في عام 648 هـ 1250 م وأجلس المماليك زوجة سيدهم على العرش وهي ايضا من جنس الترك لتكون أول سلاطين المماليك وهي شجرة الدر، ولكن اعتراض الخليفة العباسي المستعصم بالله أدى الى عزلها بعد ثمانين يوما من حكم البلاد وحل مكانها المعز أيبك اتابك العسكر بعد أن تزوجها· دنانير شجرة الدر وقد سكت شجرة الدر دنانير الذهب باسمها أو بلقبها بعد التحرج من ذكر اسمها وإن لم يفلح انتسابها الى المستعصم في حمل الخليفة على القبول بجلوسها على العرش· وجاء طراز دنانيرها شاملاً كتابات مركزية وهامشا كتابيا في كل وجه، فعلى مركز الوجه نقش اسم الخليفة الامام/ المستعصم/ بالله أبوأحمد عبد الله أمير المؤمنين، وسجلت عبارة الضرب بالهامش بسم الله الرحمن الرحيم ضرب هذا الدينار بالقاهرة سنة ثمان وأربعين وستمائة، أما على الظهر فقد سجلت شجرة الدر ألقابها مع لقب أمير يه/يه ''المؤمنين/ المستعصمية الصالحية/ ملكة المسلمين والدة/ الملك المنصور خليل/'' ويبدو جليا أن شجرة الدر حاولت قدر المستطاع تجنب غضبة الخليفة والرأي العام فنسبت نفسها للخليفة ولزوجها الصالح نجم الدين أيوب ونعتت نفسها بأنها والدة الملك المنصور خليل وهو ابنها الذي مات لاحقا وكأنها وصية على عرشه ولكن دون جدوى، وبهامش الظهر سجلت العبارة التقليدية لشهادة التوحيد كما استقرت صيغتها منذ العصر الأيوبي ونصها ''لا اله الا الله محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله''· الذهب نقد رئيسي ومن بعد شجرة الدر تتابع سلاطين المماليك على سك نقودهم والتي كانت الدنانير الذهبية بمثابة النقد الرئيسي للبلاد خلال عصرهم الذي شهد رخاء اقتصاديا كبيرا بفضل الموقع المتوسط لمصر وبلاد الشام في تجارة الشرق الآسيوي وأوروبا، وجنى المماليك أرباحا طائلة من الرسوم الباهظة التي كانت تفرض في موانئهم المتوسطية على أحمال الفلفل والبهار المتجهة الى اوروبا· وتعتبر نقود الملك الظاهر بيبرس من أهم العلامات في التاريخ السياسي والنقدي لسلطنة المماليك، فعقب سقوط بغداد في أيدي المغول عام 656هـ 1260م ونجاح المماليك بقيادة قطز في إيقاع الهزيمة بالمغول في موقعة عين جالوت عام 658 هـ قتل الظاهر بيبرس السلطان قطز وجلس مكانه على العرش وسط استياء مملوكي وشعبي من مسلكه المشين، وشرع بيبرس في البحث عن غطاء شرعي لسلطنته فلم يجد ما هو افضل وأنجح من إحياء الخلافة العباسية في مصر بعد سقوط بغداد· وحسب أقوال المؤرخين فإن بعضا من العرب قصدوا مصر قادمين من بغداد وكان معهم شخص يسمى أحمد شهدوا له بأنه ابن الظاهر محمد ابن الامام الناصر العباسي وهو بذلك عم الخليفة المستعصم الذي قتله المغول، وعندئذ قام بيبرس بعقد مجلس حضره كبار العلماء وأثبت القاضي نسب أحمد المذكور وبويع بالخلافة ولقب بالمستنصر بالله وصار بيبرس سلطانا سياسيا يحكم باسم الإمام الديني الرمزي المستنصر بالله، وقبع خلفاء العباسيين في القاهرة لا حول لهم ولا قوة ولا وظيفة لهم إلا منح الصبغة الشرعية لسلاطين المماليك· دينار الصالحي وبعد أن كان بيبرس يصدر دنانيره باسم ''بيبرس الصالحي/ الملك الظاهر/ ركن الدنيا والدين'' منتسباً للصالح نجم الدين أيوب كمناط لشرعية حكمه صار يلقب نفسه باسم قسيم أمير المؤمنين، أي مقتسم السلطة معه، وسجل ايضا ألقاب الخليفة معه قبل ان يوفده على رأس شرذمة من المتطوعة المتحمسين لتحرير بغداد من المغول ويلقى في هذه الغزوة الهزلية حتفه، واعتاد بيبرس ان ينقش على نقوده كما كان يفعل في عمائره رسماً لسبع او فهد كان فيما يبدو شعارا له من أيام الجندية في فرق المماليك البحرية· وتعتبر إصدارات السلاطين من أسرة قلاوون الأكثر شهرة والأغزر، حيث تعاقب هؤلاء على حكم دولة المماليك الى ان نجح المماليك الجراكسة في الاستيلاء على عرش البلاد واول هذه الدنانير تلك التي قام بضربها رأس الاسرة الملك المنصور قلاوون 78- 689 هـ/ 1290م وحذف منها اسم الخليفة العباسي وتلقب فقط بقسيم امير المؤمنين بالاضافة الى ألقابه المعتادة ''السلطان الملك/ المنصور سيف الدنيا والدين/ قلاوون الصالحي''· اما ابنه الاشرف خليل فاتح عكا فقد واصل ذات التقليد في إغفال ذكر اسم الخليفة العباسي وإن تلقب بالألقاب التالية السلطان الملك الاشرف/ صلاح الدين ناصر الملة المحمدية/ محيي الدولة العباسية''· وكثر استخدام لقب ناصر الملة المحمدية في نقود العادل زين الدين كتبغا 94- 696هـ وحسام الدين لاجين 96-698 هـ وكلاهما تعاقب على عرش المماليك بعد القبض على الملك الناصر محمد بن قلاوون وذلك في اشارة لحروبهم المظفرة ضد بقايا الصليبيين في بلاد الشام· أما الناصر محمد بن قلاوون فيعتبر اول سلطان مملوكي يلقب نفسه بأنه ابن الملك وجرى الأمر على نفس النسق مع اولاده وأحفاده من بعده فقد كانوا جميعا ملوكا اولاد ملوك وصلوا الى العرش بحق الإرث الذي تعرض لانتهاكات عدة من قبل امراء المماليك الى ان سقطت اسرة قلاوون ولقب الناصر محمد نفسه في دنانيره الذهبية بالسلطان الملك الناصر ناصر الدنيا والدين محمد بن الملك المنصور قلاوون واضاف الى كتابات هذه الدنانير العبارة التي ظلت تتردد على نقود المماليك فيما بعد وهي الاقتباس القرآني ''وما النصر إلا من عند الله'' ليس لانتصار أحرزه على الصليبيين او المغول ولكن لنجاحه في استعادة عرشه مرتين من ايدي المغتصبين من امراء المماليك·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©