السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بورما... منظومة الإيمان في وجه الطغاة

بورما... منظومة الإيمان في وجه الطغاة
30 سبتمبر 2007 23:39
لقد أصبح من الأمور المألوفة التي يراها بعضهم عصرية في بعض الدوائر المثقفة، أن يُنظر إلى الشخص الملحد على أنه لا بد أن يكون إنسانا متحضرا، مستنيرا، حاصلا على تعليم راق· وهذا الرأي عبرت عنه بعض الكتب الأخيرة التي حققت أعلى أرقام المبيعات والتي كتبها كتاب من شاكلة ''سام هاريس'' و''كريستوفر هتشن'' وغيرهما كثيرون ممن يرون أن الدين علامة من علامات التخلف، وأن المؤمنين هم قوم بدائيون، لا يزالون يعيشون في العصور المظلمة، ويفتقرون إلى المنطق والعلم· ليس هذا فحسب، بل إن هؤلاء يرون أيضا أن الدين هو المسؤول عن العنف والقهر والفقر وغير ذلك من العلل· ولكن·· ماذا لو افترضنا العكس، ألا يمكن للدين أن يكون قوة خير؟ و·· أليست هناك حالات يكون فيها الدين عونا على اجتياز المحن حتى بالنسبة لغير المؤمنين؟ إن المرء عندما يرى الرهبان البوذيين وهم ينزلون إلى الشوارع لتحدي قوات الأمن في دولة ميانمار التي يحكمها نظام يعتبر من أشد الأنظمة قمعا في العالم، فإنه لا يمكن أن تغيب عنه المزايا التي قد تكون متضمنة في الإيمان الديني· فمن المعروف أن شعب ميانمار-بورما سابقا- يتميز بالإيمان الديني العميق، وأن معظم أبنائه، سواء من الرجال والنساء يقضون فترة من الوقت في الأديرة البوذية كرهبان· وهؤلاء الرهبان يحظون بالاحترام والتبجيل في البلاد، بدليل أن المجلس العسكري الحاكم، تردد قبل أن يطلق يد قواته الأمنية ضد هؤلاء الرهبان الذين يرتدون الملابس المميزة ذات اللونين العنابي والأصفر البرتقالي· وعندما نزل الرهبان والراهبات إلى شوارع العاصمة ''رانجون'' انضم إليهم الطلاب والممثلون وغيرهم من الفئات، التي تريد التخلص من المجلس العسكري، غير أنها لم تكن تمتلك الجرأة على التعبير عن ذلك، في حين تمكن الرهبان البوذيون من النزول للشارع والتعبير عن آرائهم وإعلان تحديهم للنظام الحاكم وذلك بسبب قوة الإيمان الديني لديهم· قد يذهب بعضهم إلى أن البوذية ليست دينا بالمعنى المفهوم وإنما هي إلى الفلسفة أقرب، ولكن ذلك ليس حقيقيا، لأن البوذية قد تحولت إلى دين في العديد من مناطق آسيا منذ قرون عديدة· إن الأمر في الحقيقة لا يقتصر على البوذية على وجه التحديد؛ فمثلما خاطر الرهبان البوذيون بحياتهم من أجل المطالبة بالديمقراطية في ميانمار، كان الآلاف من الفلبينيين الكاثوليك قد خاطروا أيضا بحياتهم من أجل التصدي لدبابات نظام ''فرديناند ماركوس''- الذي كانت الكنيسة الكاثوليكية قد انقلبت عليه- في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي· وفي ذلك الوقت هدد ''ماركوس'' بسحق المظاهرات الشعبية بالقوة، ولكن وجود الراهبات والرهبان المسيحيين وسط المتظاهرين، كان هو الذي أعطى تلك المظاهرات قوتها المعنوية ومكنها في النهاية من إسقاط نظامه· علاوة على ذلك كان الإيمان الديني المسيحي هو الذي ألهم المنشقين السياسيين في كوريا الجنوبية، كما أن أحدا لا يستطيع أن ينكر أن السلطة الدينية التي كان يرمز إليها البابا السابق يوحنا بولس الثاني، كانت بمثابة القوة المحرضة لتمرد البولنديين ضد الديكتاتورية العسكرية الشيوعية في أواخر حقبة الثمانينيات من القرن الماضي· ليس من شك في أن المؤمنين الحقيقيين كانوا يرون أن يد الله هي التي كانت تحرك كل تلك الأحداث، وذلك كما يتبدى بوضوح مما قالته معارضة ماركوس الرئيسية وهي الرئيسة السابقة ''كورازون أكينو'' التي كانت تتباهى دوما بأن هناك خطا مباشرا بينها وبين السماء· علاوة على ذلك فإن القوة المعنوية للإيمان الديني لا تحتاج إلى تفسيرات من وراء الطبيعة، لأن قوتها تكمن في الإيمان بها في حد ذاته، أي في تلك المنظومة المعنوية التي تتحدى الطغاة سواء كانوا من غير المؤمنين أو حتى من المتظاهرين بالإيمان· علينا أن نتذكر في هذا السياق أن القوة المناوئة للنازية الهتلرية كانت تتكون في جزء كبير منها من المؤمنين المسيحيين المخلصين، الذين قام معظمهم بإيواء اليهود على الرغم من تعرضهم لمظالم على أيديهم، لأنهم كانوا يرون أن واجبهم الديني يحتم عليهم ذلك· كما يجب ألا ننسى أن المساجد كانت أيضا وفي حالات كثيرة تمثل مركزا للمقاومة ضد الديكتاتوريات القائمة في الشرق الأوسط، وهو ما يؤكد -إلى جانب الأدلة السابقة- أن القيم الدينية في هذا العالم الذي نعيشه والذي يتسم بالقهر والفساد الأخلاقي قادرة على تقديم بديل معنوي شامل· وعلى رغم أن هذا البديل قد لا يكون ديمقراطيا بالضرورة إلا أنه يمكنه أن يكون كذلك· علاوة على ذلك يمكن أن يكون للدين دور مهم في السياسة وخصوصا في الظروف الحالية التي تعاني منها القوى الليبرالية العلمانية من العجز· إن الحاجة لليبراليين تكون على أشدها عندما تكون هناك رغبة في التوصل إلى حل وسط أو تسوية، ولكن الليبراليين لا يكون لهم فائدة عندما يتعلق الأمر بالتصدي للقوة الغاشمة، لأن القادرين على التصدي لمثل هذه القوة هم الخياليون والرومانسيون، والمؤمنون الحقيقيون الذين يدفعهم إيمانهم إلى المخاطرة بحياتهم بطريقة قد يراها معظمنا ضربا من الحماقة· وعلى الرغم من أنه ليس من الأمور الطيبة أن يتم حكمنا بواسطة هذه النوعية من الأشخاص، إلا أن الأمر الذي لا شك فيه هو أنه من النافع لنا أن نجد هذه النوعية من البشر تحديدا حولنا، عندما تدلهم الخطوب وتشتد الحاجة إليهم· أستاذ بكلية بارد بولاية نيويورك ومؤلف كتاب اغتيال في أمستردام·· موت ثيو فان جوخ وحدود التسامح ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©