السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رواندا.. نسخة أفريقية من سنغافورة!

رواندا.. نسخة أفريقية من سنغافورة!
30 سبتمبر 2007 02:42
لسنوات عدة، ظلت رواندا واحدة ضمن 30 دولة تقريبا تشكل كتلة الدول الفرانكوفونية التي تستخدم اللغة الفرنسية في الأعمال التجارية، والمعاملات الرسمية، وكافة أوجه الحياة· وحتى فترة قريبة، كانت النخبة المتحدثة بالفرنسية في هذا البلد، تنظر إلى روابطها بباريس باعتبارها نقطة وصل مع العالم الخارجي المتحضر· هذا الوضع تغير الآن، كما يبدو من متابعة ما يحدث في الحرم الجامعي الفسيح لمعهد ''كيجالي'' للعلوم والتقنية، الذي يشهد تحولات اجتماعية جذرية· فهذا المعهد الذي تم تصميمه على غرار معهد ''ماساشوسيتس'' للتقنية في الولايات المتحدة، والذي يتم التدريس فيه باللغة الإنجليزية، يستخدم الآن لتخريج جيل جديد من العلماء والمهندسين والفنيين الذين سيساعدون عند تخرجهم في الجهود الرامية إلى تحويل رواندا إلى نسخة أفريقية من سنغافورة· بدأ هذا التغير عام 1994 أي بعد المذبحة الجماعية الرهيبة التي وقعت في رواندا في ذلك العام، حين قام ''الهوتو'' الذين كانوا يحكمون البلاد، ويشكلون أغلبية سكانها بذبح ما يقرب من 800 ألف من أقلية التوتسي· وفيما بعد قامت حركة تمرد توتسية تتحدث اللغة الإنجليزية -كانت تقيم في قواعد في أوغندا- باجتياح رواندا وطرد المتسببين في ارتكاب المذبحة الجماعية إلى خارج البلاد، أدى تحول رواندا بذلك إلى دولة ناطقة بالإنجليزية، كما سبقه قرار الحكومة الرواندية بقطع علاقاتها بفرنسا، إلى أصداء سياسية واقتصادية في مختلف أنحاء المنطقة· يراود بعضهم في رواندا الأمل في عودة العلاقات مع فرنسا التي كانت قد انهارت تماما في سنوات حكم شيراك إلى سابق عهدها، خصوصا بعد انتخاب رئيس فرنسي شاب هو ''نيكولا ساركوزي'' ولكن هذا الاحتمال قد لا يكون قابلا للتبلور كما يقول ''جريج ميلز'' مدير مؤسسة ''برنثيرست'' وهي من مراكز الأبحاث في جوهانسبرج'' إلا بعد أن تتغير بعض الأشياء أولا''· إن المتاعب الحالية التي تواجهها فرنسا في رواندا هي نتاج لسياسات فرنسا في دعم الأنظمة الأفريقية في الفترة ما بعد الكولونيالية مقابل مزايا تجارية وعلاقات عسكرية؛ وعلى الرغم من أن هذه السياسة قد جعلت تلك الأنظمة- في عهد شيراك- أقل تعرضا للانقلابات إلا أنها جعلتها أيضا أقل استجابة لمطالب السكان· هناك جوانب أخرى في السياسة الفرنسية لا زالت تزعج الروانديين وتسبب غضبهم، منها على سبيل المثال، أن المنظمة المعروفة باسم'' الفرنك الأفريقي المشترك'' التي أقامتها فرنسا، تسمح للدول الأفريقية الستة عشر الأعضاء فيها، بالتجارة فيما بينها والتجارة مع فرنسا، ولكنها تحظر عليها التعامل مع أي دولة أخرى· كما أنه منذ بدايات التسعينيات، وخصوصا بعد المذابح الرواندية بدأ الكثير من الأفارقة المتحدثين بالفرنسية ينظرون إلى علاقات بلادهم بفرنسا على أنها تمثل عبأً أكثر من كونها ميزة· ففرنسا تستفيد من علاقاتها التجارية مع تلك الدول أكثر من استفادة تلك الدول منها، كما أن 50 بالمائة من كميات اليورانيوم المستخرج من أفريقيا لا تزال تذهب إلى المفاعلات النووية الفرنسية، ومعظم البضائع الموجودة في محلات السوبر ماركت الأفريقية هي بضائع فرنسية· كل هذا يجري تغييره في رواندا في الوقت الراهن، فـ''الجمعية الثقافية الرواندية الفرنسية'' التي كانت تعتبر يوما القلب النابض لكافة الأنشطة الفرنسية في رواندا أُغلقت، وكذلك المدرسة الفرنسية الدولية، والسفارة الفرنسية، والعديد من المكاتب التابعة للشركات الفرنسية· وهناك أيضا اتجاه متزايد لدى الروانديين لتعلم اللغة الإنجليزية في معاهد وأكاديميات تتكاثر أعدادها في رواندا حاليا ومنها معهد ''كاليجالي'' للعلوم والتقنية الذي أشرنا إليه في بداية هذا المقال· إن الأسباب الدافعة لإقبال الروانديين على اللغة الإنجليزية، هي في جوهرها أسباب اقتصادية، خصوصا بعد تزايد أعداد المستثمرين الأجانب (معظمهم من العالم الأنجلوفوني)، وانضمام رواندا إلى التكتل التجاري لـ''مجتمع شرق أفريقيا'' والذي يمكن أن تستفيد منه في توثيق علاقاتها مع الدول المجاورة الناطقة بالإنجليزية، مع استبقاء العلاقات مع الدول المتحدثة بالفرنسية مثل بوروندي والكونغو· ويقول البروفسور ''كرايسولوج كارانجوا'' -رئيس معهد ''كاليجالي'' للتقنية- إن رواندا تريد أيضا أن تسمع لهجة أكثر اعتذارية من فرنسا قبل أن تقدم على إعادة العلاقات معها وأن ''ما تريده رواندا من فرنسا هو أن تقبل الأخيرة بحقيقة أنها في فترة معينة، ولحد معين، لعبت دورا في المذبحة التي جرت في رواندا''· تقول ''جيسكيا كاريرا'' وهي طالبة تدرس الهندسة المدنية، إنها تفضل الإنجليزية على الفرنسية لأسباب تصفها بأنها'' اقتصادية بحته''، ولأن الروانديين كان بمقدورهم أن يروا بعد مذبحة 1994 أن الدول التي كانت محتلة من قبل البريطانيين حققت نموا اقتصاديا أكبر بكثير من تلك التي كانت محتلة من قبل الفرنسيين، وأنها تأمل أن تسترد بلادها علاقاتها مع فرنسا بعد أن تولى ''ساركوزي'' الحكم، ولكن تلك العلاقات لن يكون لها معنى في رأيها إلا إذا قبلت فرنسا بالاعتراف بدورها في المذبحة الجماعية، ويمكن لهذا الاعتذار أن يأخذ شكل تقديم مساعدات اقتصادية لبلادها تبلغ 10 مليارات دولار، وأن كان هذا المبلغ في رأيها لن يعوض أرواح الضحايا الذين لقوا حتفهم في تلك المذبحة· مراسل كريستيان ساينس مونيتور في كيجالي- رواندا ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''كريستيان ساينس مونيتور''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©