السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تفتت الذاكرة العربية ينعكس في جسد القصيدة

تفتت الذاكرة العربية ينعكس في جسد القصيدة
27 مارس 2008 03:08
كيف تعامل المتخيل الانثوي مع جحيم اللحظة الراعفة التي تشهد اغتصـاب الامكنــة (فلسطــــين، بغــداد)؟! هل عاد الى عالم الانوثة ليعيد ترتيب تفاصيله من استقدام المعشوق والنشوة بحضوره والاغتراب بغيابه نائيا عن ثقافة الراهن بكل ثمارها المرة ليرسم فراديس مخضلة بالوجد الانثوي والهم الانثوي والوجع الانثوي؟! ام تحرك المتخيل الشعري لهتك قمقم الجسد صوب الوجع الجماعي والهم الرابض على الارض المشتركة المعبأ بالانكسار والمرارة ؟! كل هذه التساؤلات قفزت الى ذهني وانا اتأمل قصائد مجموعة ''صلاة لعينيك'' للشاعرة المصرية ايمان بكري، الصادرة عن دار قباء للطباعة والنشر، التي تصدرت صورتها غلاف المجموعة وهي ترنو الى مشاهد ممنتجة من مصر فثمة الاهرامات وثمة الشواهد الدينية الشامخة لتستشعر بأن الصلاة هي لعيني المكان الرامز للهوية والانتماء (مصر)· وحين تنتقل الى الغلاف الاخير فانك تجد ان المتخيل الشعري قد موضع القصيدة الموسومة (القول ما قالت حذام) على مساحته لكنها جاءت تحت ترويسة بعنوان (هذا الديوان) لتكون وجها لوجه منذ البدء مع توجهات المتخيل الشعري الذي أعلن انفلاته من الهم الفرداني الى الهم الجماعي ومن الانا الانثوية الحالمة المشغولة بمباهج الجسد الى النحن لتمنح المتون الشعرية منذ البدء بعدا انسانيا يضيء محنة الجماعية للانسان العربي الذي تناهبته الامكنة والاحداث الدامية لتكون قصائد المجموعة السبع والعشرين (لن اموت، مملكة الاصنام، التماس للغزو، عصفور النار، فجر البعث، على شرفات الريح، شهقة الزبد، وطن بلاعنوان، انسحاب، من يسعفه الوقت، صلاة لعينيك···) طقسا من طقوس الوجع الذي تطلقه الذات المحشورة غلبة وقهرا في خضم عارم من القرارات السياسية والمراهنات الخاسرة التي موضعتنا في راهن ملبد بالانكسار الجماعي، تأمل مثلا قصيدة ''القول ما قالت حذام'' التي ثبتتها ايمان بكري على الغلاف الاخير ولاحظ كيف نسج المتخيل الشعري متنا تراجيكوميديا يعري الراهن المعاش لمحاكمته وادانته: ''جيش تجيش، والذئاب تكالبوا والصيد مغر فالفريسة ارنب والباسطون على الصدور تقلبوا من كهفهم حكموا البلاد فاسهبوا وتصدعت اوجاعنا لم يرأبوا اودوا بكل قطيعهم وتذنبوا عصر نسائي الملامح قادم لاتعجبوا نصف الرجال تزوجوا وتحجبوا والنصف ينتظر السماح لينجبوا فتقدمي ياعبل مرحى زينب'' بالضرورة فان العنونة ''القول ماقالت حذام'' تستدعي في مكنونها المعرفي الصوت الشعري القائل: (اذا قالت حذام فصدقوها/ فان القول ماقالت حذام) لتكون قبالة وجه جديد لحذام وجه يتماهى مع وجه ايمان بكري ولتتماهى مصداقية خطابها الشعري مع مصداقية قول حذام ولتكون القصيدة برمتها نبوءة لزمن متخم بالهزائم، لاسيما واننا شهدنا سقوط بغداد عام 2003 لتتأكد طروحات النص (عصر نسائي الملامح قادم لاتعجبوا) بل ان المحنة التي تمحور حولها هي غياب الفروسية في زمن الصراع والصدام (جيش تجيش/ الفريسة ارنب) لذلك فانها تستقدم (الانثى/ الجسد) (فتقدمي ياعبل مرحى زينب) لتكون بديلا للفارس المقدام المفتقد والمرموز له بـ (نصف الرجال تزوجوا وتحجبوا/ والنصف ينتظر السماح لينجبوا)، وفي اطار بنية شعرية تتمفصل الى نسقين الاول كوميدي منطوق به يستدعي في مخزونه الثقافي دور الكوميديا في مهاجمة العتمة لتغيير الراهن بمحاربتها الخطأ بالضحكة والبسمة، ونسق تراجيدي مسكوت عنه يعكس وجه الراهن السياسي المرمد الملبد برائحة الخذلان والانكسار لتكون القصيدة برمتها صرخة احتجاج وادانة اللحظة الراعفة التي تنبىء بانكسارات متلاحقة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©