الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شوبنج

شوبنج
11 فبراير 2012
هذا نشاط بشري غريب يبدو أنه انتقل إلينا من الفضاء الخارجي يوماً ما.. في يوم من الأيام في زمن سحيق- ربما قبل التاريخ- هبط من السماء طبق طائر، وخرجت منه مجموعة من الكائنات الخضراء ذات الهوائي في الرأس، وإذ تراجع الناس في هلع، انطلقت هذه الكائنات إلى الأسواق وراحت تشتري كل شيء، سواء أرادته أو لم ترده.. بدا أن الشراء هدف في حد ذاته... فلما انتهت من شراء كل شيء أقلعت السفينة إلى الفضاء من جديد.. لكن التركة المثقلة ظلت هناك.. وصار التسوق من دأب الناس.. على أنهم أطلقوا على هذا النشاط العجيب اسم «شوبنج»... لفظة «شوبنج» لها إيحاءات أكثر بكثير من «التسوق»... إن الحاجة للشراء طبيعية والمرء يشتري ما يريده عندما يريده، لكن الشوبنج بالذات طريقة حياة.. يتحول الإنسان إلى ذلك الكائن الذي يمشي في المول حاملاً مجموعة من الأكياس البلاستيكية. لا يحتاج للطعام ولا الشراب.. فإذا عطش شرب العصير من شفاط ذلك الكوب العملاق ذي القبة البلاستيكية. هذه كائنات لا تتعب ولا ترهق. كنت في فرنسا أراقب مجموعة من هواة الشوبنج هؤلاء، فوجدت أنهم شديدو الحيوية والنشاط .. يقضون طوال اليوم في الشراء من متاجر الشانزليزيه، ثم يعودون للفندق لإفراغ الحقائب.. ثم ينطلقون من جديد للشراء.. يسمعون عن متاجر اسمها «إينلت» خارج المدينة، فيحزمون متاعهم لها. عندما تسأل أحدهم عن برج إيفل أو متحف اللوفر يسألك عن مكان هذين المتجرين، وما إذا كانا يبيعان منتجات A & R مثلاً.. ثم يعتذر لأنه لا وقت عنده لأنه مشغول بالشراء.. كلام فارغ أن تذهب لباريس فتضيع الوقت في زيارة اللوفر، بينما أي متحف في العالم يمكن أن يؤدي هذا الغرض. تذهب لأي متجر فتجد المجموعة نفسها من المشترين، يجربون كل شيء ويسألون عن كل القياسات.. ومن الواضح أنه لا شيء يروق لهم أبداً.. أذكر أننا كنا في رحلة بالحافلة مع مجموعة، وكان المرشد السياحي يتوقف عشرات المرات عند كل مول أو مصنع ممكن.. فكانوا ينزلون ليشتروا في نهم أي شيء.. وبرغم هذا ظلت هناك مشتريات معلقة.. وفي النهاية مع اقتراب الرحيل يبدو القلق في العيون.. لم يتم شراء كل شيء.. الشوبنج لم يكتمل. ثم يخبرهم ابن حلال أن المولات تفتح في السادسة صباحاً.. هكذا يهرعون جميعاً في غبشة الفجر والبرد للمول كفرصة أخيرة للتسوق قبل السفر. النقطة المهمة هنا هي أن هذا لا يتم بسرعة أبداً.. وهذا يضمهم لقائمة أخرى من البشر هي قائمة «المتأخرون» وهم الذين يتأخرون دوماً عن أي موعد ويعطلون انطلاق الحافلة أو إقلاع الطائرة.. وفي النهاية يظهرون محملين بالحقائب، مع عدوانية واضحة: ـ «ماذا هنالك ؟.. لا تقل إننا عطلنا الرحلة.. بضع دقائق فقط لن تحدث كل هذا التأثير» مع نظرة مرعبة تقول بوضوح: الويل لمن يعترض.. نعم.. أنا أكره هذا النشاط المسمى بالشوبنج ولا أتحمله. تقول لي زوجتي إن ستراتي صارت قديمة لأنني لم أبتع غيرها منذ 241 سنة، فأعتذر لها بشدة. ربما أنا الوحيد في التاريخ الذي ينزل من بيته عازمًا على شراء ثلاث سترات، ويعود بما اشتراه بعد ربع ساعة!.. ألقيها وأدخل غرفة نومي لأنام راضياً عن نفسي.. وإلى أن تصيبني العدوى أو أتعلم هذا الفن، لا تطلب مني أن أصحبك في جولة شوبنج أبداً من فضلك.. د. أحمد خالد توفيق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©