الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الفصحى نشأت في الشام على مدى 3 قرون بعد الميلاد

الفصحى نشأت في الشام على مدى 3 قرون بعد الميلاد
27 مارس 2008 03:06
كتاب ''النقوش العربية القديمة في المشرق والمغرب'' يعد أول مؤلف من نوعه في تاريخ اللغات القديمة بالمنطقة العربية، من زاوية اتفاق المشاركين في تأليفه على أن اللغات القديمة التي عرفتها البلدان العربية هي كلها صور محلية للغة واحدة اصطلحوا على تسميتها بالعروبية أو العروبيات القديمة· وعبر عدة مناهج بحثية سعى المؤلفون الى البرهنة على قناعاتهم المشتركة· وقد أصدر مجمع اللغة العربية في الجماهيرية الليبية هذا الكتاب بعد أن جرت مناقشة أبحاثه في إحدى الندوات عام ·2005 وينقسم الكتاب الى ثلاثة أبواب وزعت أبحاثها على اساس جغرافي، فالباب الأول كان عن بلاد الشام والرافدين، والثاني عن وادي النيل والاخير عن المغرب العربي· ومن أهم الأبحاث الاربعة التي ضمها الباب الأول بحث الدكتور محمد بهجت قبيسي عن النقش الآرامي الذي عثر عليه موزعا بين ثلاثة احجار بازالتية في ''جنوب شرق حلب'' عام ،1931 وفيما يحتفظ متحف دمشق بحجرين منها يقتني متحف بيروت الحجر الثالث· والنقش المكتوب بالخط الآرامي الكنعاني عبارة عن معاهدة بين ملكين قديمين هما ''برجاية'' ملك كتك أوكسك جنوب العراق الآن و''متاع آيل'' ملك أرفاد ''حلب''، وفيها يصب كل واحد منهما اللعنات على الآخر إن هو قام بنقض المعاهدة التي عقدت حسب رأي الدكتور قبيسي فيما بين عامي 1050 و1040 ق·م· ولاحظ قبيسي أن جغرافية المعاهدة تشمل بلادا تمتد من أضنة في تركيا واسمها ''ادانه'' في المعاهدة شمالا الى العراق شرقا ''عراقو'' حتى مكة جنوبا ''بكة'' والى مصر غربا والتي ذكرت في هذه المعاهدة بذات الاسم الذي عرفت به على الدوام في المصادر العربية· ولا جدال في أن استخدام لفظ ''عراقو'' ومسمى ''بكة'' و''مصر'' من الأدلة القاطعة على عروبة هذا النقش الموغل في القدم· ومما يتميز به هذا النقش استخدامه لكلمة ''حيل'' للاشارة الى الجيش وهي كلمة عربية مازالت تعني ''القوة'' علما بأن الآرامية الكنعانية استخدمت فيما بعد كلمة ''محنة'' للاشارة الى الجيش وهي الاخرى عربية صريحة· وقد سجل النقش بخط الجزم الذي يفضل تسجيل الحروف المتحركة ''كالواو والألف والياء'' ودون فواصل بين الكلمات وهو ما رجح نسبة النقش الى القرن الحادي عشر قبل الميلاد· ثنائية اللغة وجاء البحث الثاني في هذا الباب للدكتور نائل هنون عن بلاد الرافدين القديمة، وفيه يتناول ثنائية اللغة في النصوص المسمارية ووحدة السكان على الارض· وفند مقولة يهودية روج لها صموئيل كريمر وهو من اصل روسي هاجر الى اميركا في عام 1916 ثم حمل الجنسية الاسرائيلية· ومقولة كريمر كانت تروج لأن الخط المسماري الذي كتبت به لغتان هما السومرية والاكادية انما هو ابتكار للشعب السومري والذي رآه كريمر شعبا آخر غير الأكاديين العرب بل وحاول الربط بين العبرانيين والسومريين· وأوضح الباحث من خلال عدة ادلة لغوية انه لا براهين على وجود شعب سومري طارئ على التركيبة السكانية في بلاد الرافدين القديمة وهي تركيبة مستمرة من عصور ما قبل التاريخ وكانت تستوعب باستمرار جماعات عرقية ترد الى مواطن السكنى المستقرة على مر العصور، وكانت الغلبة دوما للأكاديين العرب العنصر البشري الفعال في نشوء تلك الحضارة وتطورها· وانتهى الى أن الثنائية اللغوية لا تعني وجود قوميتين وإنما تشير فقط الى درجات مختلفة من النضج في الكتابة للتعبير عن لغة واحدة· وفي بحث ثالث مهم يكشف الدكتور رفعت هزيم النقاب عن نشأة الفصحى العربية والتي كان يعتقد وفقا لآراء المؤرخين القدامى انها تمت فيما يعرف بالعصر الجاهلي أي قبيل البعثة النبوية وبالتحديد في مكة التي كانت مركزا دينيا وتجاريا رئيسيا في بلاد العرب· فطبقا للنقوش العربية الاولى التي عثر عليها في بادية الشام والتي تنطق بفصاحة لا شك فيها يؤكد الدكتور هزيم أن نشأة الفصحى وتكونها يعود الى القرون الثلاثة الأولى بعد الميلاد، أي قبل ظهور قريش وارثة جرهم في الحجاز· أما المكان فهو على الارجح بلاد الشام، حيث عاشت منذ مطلع الألف الأول قبل الميلاد القبائل العربية التي كانت تتحدث اللهجات العربية الشمالية كما يستنتج من نقوشها المنتشرة في شتى البقاع وأدى اختلاط لهجات القبائل العربية شمالية وجنوبية زمنا طويلا الى ان نشأت تلك اللغة المشتركة التي تسمى الفصحى· ويتناول الدكتور جاسر أبوصفية في البحث الاخير من هذا الباب الأرقام المشرقية والمغربية وصلتها بالحرف العربي القديم· ويحوي هذا البحث 27 لوحة وضح بها الباحث وجهة نظره في ان الارقام المشرقية التي يعتقد انها مشتقة من الشكريتية الهندية والغربية ''الاجنبية الآن'' هي من اصل واحد هو الحرف العربي وقد نقلها الهنود واليونانيون على حد سواء من الحروف العربية ولاسيما من صورتها الآرامية الاولى· وتؤكد احدى هذه اللوحات ان اليونانيين استعاروا ابجديتهم من الآرامية الفينيقية مع بعض التحوير في هيئاتها والكتابة من اليسار الى اليمين وهو ما استتبع تغيرا في اتجاهات الحروف باعد بينها وبين اشكالها الفينيقية الاولى· نقوش سيناء أما الباب الثاني ففيه بحث وحيد للدكتور محمد شريف علي عن النقوش السينائية التي عثر عليها في مصر وخاصة في منطقة سرابيط الخادم بشبه جزيرة سيناء وهو ينتهي الى انها نقوش قام بتسجيلها عمال المناجم من ذوي الاصول العربية القديمة بواسطة حروف أو هيئات تمثل مقاطع صوتية مشتقة من الكتابة الهيروغليفية· ويضم الباب الثالث خمسة أبحاث عن النقوش العروبية القديمة في المغرب العربي· يتحدث اولها وهو للدكتور عبدالحفيظ الميار عن النقوش الفينيقية البونية في ليبيا والتي عثر عليها في المدائن الثلاث القديمة ''لبدة ويات ومصراتة''· ووفقا لما اسفرت عنه هذه الدراسة فإن هذه المدن التي لعب الفينيقيون في قرطاج دورا مهما في تأسيسها استخدم سكانها الحروف الفينيقية ثم عدلوا في هيئاتها لتعرف بالحروف الفينيقية المتأخرة أو البونية بفرعيها القديم والجديد· وتشير النقوش الليبية بوضوح الى عبادة السكان لآلهة فينيقة مثل ''الإله ملك عشترت والإله الكون أرض'' وهو ما يبعث على الاعتقاد بأن المؤسسين الصوريين الاوائل هم من جلبوا هذه العبادة معهم· وثمة اشارات واضحة في هذه النقوش لأقوام من العرب عاشوا في المدن الثلاث قبل مقدم الرومان مثل ''زوط ابنة جاتيدان التغلبي'' و''ادينبعل بن حنبعل'' و''حانو بن أرشم''· وفي بحث شيق عن حجر ''مسنسن'' قام الدكتور على فهمي خشيم بدراسة مستفيضة لهذا الحجر الذي يحتوي على نقش مزدوج اللغة يحمل في اسطر خمسة منه نصا مكتوبا بالحرف واللغة القرطاجية ''البونيقية'' وفي اسطره السبعة المقابلة نص بالحرف واللغة الليبية ويحوي هذا النص ما يفيد قيام الملك ''مسنسن'' بتوسيع أحد المعابد المقدسة· وبعد مقارنات ومقاربات لألفاظ النصين البونيقي والليبي مع مثيلاتها في العربية القديمة، السبأية والشمالية واللغة المصرية القديمة والقبطية بل واللهجات البربرية ينتهي الدكتور خشيم الى ان القاسم المشترك الذي يوحد بين النصين ويجمع بينهما هو اللغة العروبية الاولى التي كانت معروفة في الاراضي العربية قديما وهي في الجد الأعلى للغتنا العربية السارية على الألسن اليوم· وأشار الى مرادفات عربية لاشك فيها وردت في نقوش هذا الحجر مثل ''السبط'' و''فشح'' اي فسح ووسع و''سلط'' اي صاحب السلطة و''مسكن'' التي هي بالعربية سكن وغير ذلك من الاشتقاقات اللفظية التي تتبع الدكتور خشيم بدقة ما دخلها من إبدال في الحروف أو حذف واضافة حتى يظن بعض الباحثين انها مقطوعة الصلة بالعربية·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©