عنترة بن شداد.. أسطورة الصراع من أجل الحرية

يحل الفارس والشاعر العربي عنترة بن شداد ضيفاً على شاشات ليالي رمضان الكريم، وسيطل عنترة بهيئة الكويتي فيصل العميري شاباً، ثم يطل رجلاً وكهلاً بصورة سلوم حداد القادم من بادية تدمر السورية، وعلامات عنترة لا تزال واضحة على محياه بتأثير أشعة الشمس، وتقمصه لدور الفارس العربي الذي شغل الخيال الشعبي طوال قرون· بولادة عنترة بن شداد العبسي في شمال نجد، شرقي المدينة المنورة، نشهد دراما صراع إنسانية عميقة وعنيفة، فعنترة ولد لأم حبشية، ولم يعترف أبوه شداد بأبوته له، وعامله كعبد من عبيده يرعى النوق، ويقوم بالحلب والصر، لكن عنترة الذي استشعر عروبته وحريته منذ أن وعى الدنيا، كان ينصرف إلى تعلم الفروسية والقتال، وكانت له قوة جسدية مميزة، وقلب حار جريء، ومخيلة شعرية قدمت للعرب أعذب الشعر· ولهذا كان يشعر في داخله أنه حر أكثر من كل الآخرين، وأن العبودية لا تعنيه، وإن كان ظل يجاهد حتى نال حريته، واعتراف أبيه بنسبه، وإقراره بزواجه من ابنة عمه عبلة التي أحبها· وتركز أحداث المسلسل على صراع عنترة للانعتاق من العبودية إلى الحرية، حتى أصبح البطل الذي ذاع صيته، وتناقلت الألسن قصائده الرائعة· كما يتطرق العمل إلى معارك عنترة ومواقفه، وحمايته لقومه ونصرته للمظلوم، وصراعه مع الملوك، لا سيما مع الملك زهير الذي وضع المكائد لعنترة· كما نشهد تصدي هذا البطل الفارس لغزوات بني فزارة على قومه، وكيف تصدى لهم، وقلب الموازين، ثم كيف تصدى لأحد ملوك اليمن وقاتله قتالاً مريراً· ''كر وأنت حر''·· إنها عبارة شهيرة قالها شداد والد عنترة، وكانت بداية الحرية للبطل عندما استجاب للنداء وحمى قومه وعشيرته· يقول الفنان سلوم حداد: كانت بداية دخول عنترة للتاريخ عندما أغار بعض العرب على عبس، وسلبوا إبلهم، فقال له أبوه الذي كان ينكر نسبه: ''كر يا عنترة''، فرد: ''العبد لا يحسن الكر وإنما يحسن الحلاب والصر''· فقال أبوه: ''كر وأنت حر''، وكأن البطل المظلوم كان ينتظر هذه الكلمة السحرية، ليثبت لكل أحياء العرب وقبائلهم أنه لم يخلق للعبودية والرعي، فقاتل قتالاً شديداً، وكان وحده جيشاً حتى هزم المغيرين، واستعاد إبل قومه· لتبدأ بعد ذلك حكاية حبه لابنة عمه عبلة التي شغلت العرب، واستهوت قلوبهم، من خلال قصائد عنترة التي تناقلتها نسمات الجزيرة العربية، ورددت أصداءها في كل مكان· وهنا ستكون قصة حب عنترة لابنة عمه ''عبلة'' العمود الأساسي لهذا العمل، وكذلك ستكون علاقته المميزة التي تربطه بأخيه شيبوب· يقول سلوم حداد: إنه بعد الأعمال التاريخية التي قدمها عن قامات كبيرة وفرسان شجعان ظل يحلم بأن يقدم عملاً كبيراً عن عنترة· وهو سعيد لأن فرصة تقديم هذا العمل قد أتيحت له، لذا فقد انهمك فيه بحب وعشق كبيرين، لأن هذا الفارس والشاعر العربي، ظل يحتل مساحة واهتماماً كبيرين في الخيال والوجدان الشعبي العربي· ويتحدث كاتب العمل غسان زكريا عن صعوبة استخدام السيرة الشعبية كمرجع تاريخي للحدث، فالسيرة الشعبية، لا سيما لعنترة بن شداد مكتوبة في مئات الكتب والنسخ والطبعات، ومحفوظة لدى رواة كثيرين، وهذه السيرة لا ينطبق عليها ما ينطبق على المخطوطات النادرة· ولا سيما أن المراجع الموثوقة لا تورد سوى شذرات قليلة تصف المرحلة أكثر مما تروي أحداثها· وهنا كانت الصعوبة في أن تقدم عنترة كحقيقة والأحداث كوقائع· ولهذا ربما يفاجأ المشاهد بقلة التشابه بين السيرة الشعبية التي سمعها من حكواتي المقهى أو من أبيه وجده، وبين الحكاية المقدمة في العمل، ذلك أننا رغبنا أنا والمخرج والفنان سلوم حداد في تقديم رؤية جديدة للحكاية والعصر الذي شهد وقائعها· ويشير غسان إلى الجهد الكبير الذي بذله المؤرخ الدكتور محمد محفل، في تقديم المعلومات التاريخية وتدقيقها، وفي مراجعة حلقات المسلسل حلقة حلقة للتأكد من الدقة التاريخية للعمل· وعقب الفنان سلوم على ما قاله كاتب العمل، فقال: لقد حاولنا أن نقدم قراءة مختلفة للتاريخ وللسيرة الشعبية، لتقديم صورة جيدة وبسوية مغايرة عما هو متداول أو معروف بين الناس عن سيرة عنترة الشعبية· ويضيف مخرج العمل رامي حنا إلى قول سلوم: لقد حاولنا قراءة قصة عنترة بذهنية فنية تحاكي العصر، وسيكون الفرق بين عنترة الذي يعرفه الناس، وبين عنترة الذي نقدمه لهم هو الزمن· مشاركة عربية واسعة يقع المسلسل في ثلاثين حلقة، وقد تم تصويره في بادية تدمر السورية، ويشارك فيه نخبة من الفنانين العرب من سوريا والأردن والمغرب والكويت، وفي مقدمتهم الفنان الكويتي فيصل العميري الذي يجسد شخصية عنترة في بداية شبابه، وسلوم حداد الذي سيلعب الشخصية بعد أن تبلغ مبلغ الرجال، وستلعب كندة حنا شخصية عبلة في فترة صباها، وكذلك الأردنية صبا مبارك· كما يجسد محمد حداقي شخصية شيبوب، وقد تم اختيار المطرب الإماراتي حسين الجسمي لغناء ''تتر'' المسلسل، الذي اختيرت كلماته من شعر عنترة ولحنها طاهر ماملي، وقد وقع الاختيار على الجسمي لأن طبقة صوته مناسبة بشكل كبير لشعر عنترة· كما تشارك في العمل أيضاً كل من سلاف فواخرجي ولورا أبو أسعد ووفاء موصللي ورضوان عقيلي وقاسم ملحو، ومن مصر أحمد راتب، ومن المغرب محمد مفتاح· وقد وصفت سلاف فواخرجي قبولها بدور صغير في المسلسل، بأنه أغراها، وأضافت: لا يضرني أبداً أن أشارك كضيفة شرف في مسلسل ''عنترة''، طالما أنه دور أغراني كممثلة لتأديته، وقد شعرت أنه جميل جداً وأقرب إلي من دور عبلة· اهتمام شعبي منذ أن أعلن عن العمل بإنتاج مسلسل ''عنترة بن شداد'' حفلت الأوساط الثقافية والفنية بتعليقات عبرت عن اهتمام كبير بهذا الحدث الفني· لكن ما شهدته بادية تدمر، كان تعبيراً حياً وساخناً عن اهتمام الجمهور بالسيرة الشعبية، وبحكاية عنترة بن شداد، فقد تابع جمهور كبير تصوير حلقات المسلسل، وكان بعضهم يحضر منذ الصباح الباكر ليتابع التصوير بشغف· وقد أحدث موت عنترة حزناً كبيراً لدى الجمهور الحاضر، وشوهدت دموع بعضهم، وكأن هذا الفارس الشاعر قد مات اليوم· وفي المسلسل قاتل عنترة أحد ملوك اليمن، وبعد إصابته إصابة مميتة دافع عن أهله حتى ينقذهم، فاتكأ على رمحه، وهو فوق صهوة جواده· وبموته بكته الصحراء وبكاه العرب· لذا لا عجب أن يبكيه جمهور المتفرجين اليوم، فهو حاضر في الخيال الشعبي العربي بطلاً وشاعراً وعربياً أصيلاً تعرض لظلم كبير· يتوقع سلوم حداد أن يحقق عمله نجاحاً كبيراً، ولا سيما أنه يجمع بين التاريخ المحقق والخيال الشعبي· كما يتناول الوضع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي ساد شبه الجزيرة العربية عامة، وفي نجد خاصة، في الفترة التي عاش فيها عنترة· كما يقدم العمل صورة للشعراء الصعاليك الذين ظهروا في عصر عنترة، ومنهم عروة بن الورد والشنفرى والسليك بن السلكة· لكن نجمه المطلق سيكون عنترة نفسه فروسية وقتالاً وشعراً وإنسانية·