الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الذكاء الاصطناعي يغير تعليمنا

1 يناير 2018 00:31
إنها ليست موجة، بل تسونامي.. ففي أقل من خمس سنوات، انتقل الذكاء الاصطناعي من كونه شيئاً من الخيال العلمي إلى واجهة الأخبار، ومن الدوريات العلمية إلى الخطط الاستراتيجية لكبريات الشركات العالمية. وبالنسبة للورانت ألكسندر، وهو طبيب جراح، وخريج «المدرسة الوطنية للإدارة» في باريس، ورائد أعمال، وعالم مستقبليات، ومؤلف كتاب صدر حديثاً بعنوان «حرب الذكاءات»، فإن الأمر لا يتعلق باتجاه جديد أو موضة، وإنما بتحول جذري مقبل، تحول سيؤثّر على أجزاء كاملة من حيواتنا من خلال التنافس مع ما كان ينظر إليه، حتى الآن، باعتباره خاصية بشرية بالأساس، ألا وهو ذكاؤنا. وفي الوقت نفسه، يعترف ألكسندر بأن الذكاء الاصطناعي – في الوقت الراهن على الأقل- «ما زال غير ذكي كلياً». فمما لا شك فيه أن التعرف على قطة في صورة، أو إملاء جملة على هاتف ذكي، أو حتى ورم في صور جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي، يُعد إنجازاً باهراً، لكنه ما زال مقتصراً على استعمالات جد خاصة ومحددة، كما يقول. أما الجديد الحقيقي الذي كان «التعلم العميق» يَعِد به، يضيف عالم المستقبليات، فهو أن الآلات بدأت الآن تتعلم. وفي هذا الصدد، كتب ألكسندر في كتابه يقول: «من الآن فصاعداً، ستعلّم الحواسيب نفسها أكثر مما تقوم ببرمجة نفسها، وهذا سيجعل الطلبة المجتهدين والملتزمين يبدون أغبياء مقارنة بها». والواقع أن الأمر سيستغرق سنوات، وربما عقوداً، قبل أن يقترب الذكاء الاصطناعي من مستوى أدمغتنا في ما يتعلق بتعدد الاستعمالات، لكن الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي أنفسهم منقسمون بخصوص متى سيصبح ذلك ممكناً. وعلى سبيل المثال، فألكسندر لا يتوقع حدوث هذا قبل 2030. وإلى ذلك الحين، يتوقع أن «يتنافس (الذكاء الاصطناعي) بسرعة مع اختصاصيي الأشعة، لكن المفارقة أنه لن يكون قادراً على التنافس مع طبيب عام». وإذا كان هذا الأمر قد يبعث على الاطمئنان قليلاً، فإنه لن يدوم طويلاً. جوهر كتاب ألكسندر يركز على المرحلة التالية، المرحلة التي سيصبح فيها ذكاء الآلات قادراً على التنافس مع ذكائنا. فالتأثيرات ستكون كبيرة جداً على الطب والعمل والاقتصاد، لكن أيضاً على سيادة بلداننا الأوروبية القديمة، التي تبدو ساذجة على نحو كبير جداً أمام عمالقة التكنولوجيا القادمين من الصين والولايات المتحدة. وفي هذا السياق، يكتب المؤلف قائلاً: «لديهم الغافا، في إشارة إلى العمالقة التكنولوجيين غوغل وآبل وفايسبوك وأمازون، بينما لدينا نحن (في فرنسا) (الهيئة الوطنية للمعلوميات والحريات)». وإلى ذلك، يندِّد بالمخططات المحوِّلة للبشر التي يعدّها المليارديرات الذين يعيشون في كاليفورنيا، ويرى أننا بحاجة ماسة وعاجلة لتكييف رؤيتنا للتعليم مع العالم الذي يهيِّئه لنا هؤلاء الأشخاص. فالمدرسة، يقول ألكسندر، «آلة بشرية» لصنع الذكاء. لكنها خلال القرن الماضي لم تتطور، أو على الأقل لم تتطور كثيراً. صحيح أن الحواسيب اللوحية والتشفير دخلا الأقسام الدراسية بشكل محتشم، لكن النموذج بشكل عام لم يتغير، إذ يقول: «إن التعليم يبدو مثل الطب في الخمسينيات: فهو يستند إلى حدس المشتغلين في مجال التربية من دون أي نوع من التأكيد أو التحقق العلمي». التهمة كبيرة، وخاصة ضد النظام الفرنسي، الذي أثبت عدم قدرته على تقليص التفاوت الفكري. لكنها مشكلة ستطال كل البلدان في نهاية المطاف. ذلك أن «العمالقة الحاسوبيين سيُنتجون أدمغة اصطناعية ستكون أرخص من تلك التي تصنع بطريقة تقليدية من قبل وزارات التعليم. ولعل الأهم من ذلك أن هذه الأدمغة البيولوجية لا تتطور كثيراً، في حين تنمو قوة الذكاء الاصطناعي على نحو دائم ومستمر». ولهذا، يجب أن يكمن ردنا في تكييف منهجيات التعليم بناءً على التقدم الذي يحقِّقه علم الأعصاب. وهذا لا يتعلق بكيفية البرمجة، وهي فكرة أصبحت رائجة ومنتشرة، لكن ألكسندر يعتبرها «لا معقولة»، وما يعادل تخيل المرء في 1895 أن كل الطلبة سيصبحون كهربائيين، كما يقول في الكتاب. وبدلاً من ذلك، ينبغي علينا استخدام علم الوراثة والذكاء الاصطناعي لشخصنة التعليم، بالطريقة نفسها التي يساعدان بها في إيجاد علاجات «وفق المقاس» لمرضى السرطان، يقول عالم المستقبليات الفرنسي. ويختتم المؤلف كتابه بخاتمة توجيهية على شكل «رسالة إلى أطفالي»، وفيها يحث أطفالََه على ألا يصبحوا جراحين أو من خريجي المدرسة الوطنية للإدارة، ويترك لهم الحرية لكتابة نهاية القصة، إذ يقول: «إن جيلكم هو الجيل الذي سيشكّل ملامح هذه النسخة المتطورة من البشر القوي والخالد تقريباً، الذي تتطلع إليه شركات التكنولوجيا في وادي السيلكون، وخاصة مديري غوغل»، مضيفاً: «كونوا أقوياء بما يكفي حتى لا تنخدعوا بأشياء جذابة مميتة، مهما بدت جميلة!». *كاتب مختص بالشؤون العلمية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©