الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الجوائز الثقافية العربية·· إلى أين تمضي؟

الجوائز الثقافية العربية·· إلى أين تمضي؟
27 مارس 2008 03:04
حال واحد، كان استثنائياً، مع أن محرّك المشهد فيه، وهو الروائي صنع الله إبراهيم، بدا، عندما أعتلى منصة محفل جائزة الرواية العربية في القاهرة ليعلن رفضه الجائزة، كأنه ينهي الفقرة الأخيرة في فصل من إحدى رواياته، التي تنحو في اتجاه توثيق الوقائع الاجتماعية والسياسية· فالكاتب لم يعترض، مسبقاً، على ترشيحه للجائزة، أو على هيئة الجائزة ومحفلها الذي حضر إليه· إلاّ أنه، إذ أراد أن يكون رفضه علناً، بكلمة أعدّها من قبل لمشهد كهذا، كان كمن يبحث عن مجد معنوي أكبر من قيمة الجائزة، حيث هي، على الأرجح، لا تستطيع توفيره أو تحقيقه، على نحو ما حصل إثر رفضها· ليس هذا انتقاصاً من موقف صنع الله وحقّه في إعلانه، بالطريقة التي تناسب هواه؛ وإنما معاينة لمشهد، ربما، تخصص به الأديب العربي، كما في هذه الحال، عندما أخرجه على نحو يختلف عن أساليب آخرين، في بلدان متعددة، قاموا برفض جوائز مماثلة، وحفلات وهبات تكريم· لا يجد الأديب العربي، والفنان عامة، الفرص التي تتيح له العيش الاجتماعي والاستقرار المالي، إلاّ ما ندر· مهما بلغ مستوى منجزه في الجودة والإتقان، فإنه، لأسباب شتى، لن يلقى التسويق والإقبال اللذين يحققان له عائداً يستطيع به التفرغ لمواصلة الإنجاز· هكذا، يكون السعي نحو الحصول على جائزة ما، بعض حل، إذ لم يكن، في الأخير، هو الحل المرجو، عزاء لمكابدات في أعمال همّشت؛ أو، على الأقل، لم يتم تقديرها، كما يبغي· ما الجائزة؟ تنقسم الجوائز في الدول العربية، إلى جوائز تكريم وتقدير، وجوائز تخصصية مكافئة· في شكلها الأول، وهو الغالب، تمنح الجائزة على هيئة أوسمة، وجوائز بأسماء تقديرية وتكريمية· كما حصل في منح الرئيس التونسي، قبل شهرين، وسام الاستحقاق للشاعر الفلسطيني محمود درويش، أو في منح الرئيس اليمني، منذ سنوات، وسام الآداب والفنون لعدد من الأدباء والفنانين، ووسام الوحدة للشاعر السوري سليمان العيسى· ومثلها الأوسمة التي منحها الرئيس السوري لعدد من الأدباء والفنانين· هذه الأوسمة، يجدها المتابع لمجرياتها، غير دورية، فهي تمنح، على حسب ما يقتضيه الحال، وتستدعيه المصالح السياسية المرعية لمكانة الأديب والفنان وشهرته، حيث يصبح التكريم فعل دعاية للمؤسسة الرسمية وتكريم لها من قبل الشاعر والفنان وليس العكس· ما يؤكد هذا القول إن ليس هناك أنظمة ولوائح تحدد مجالات منحها، والمزايا المصاحبة لها، وإن وجدت فهي غير منفذة وليست منتظمة، فالمخصص المالي يعود مقداره لمزاج المانح وكرمه، وليس هناك دواما للمنح، كما وسام ''فارس'' الفرنسي· أما الجوائز التقديرية الممنوحة من المؤسسات الحكومية، فلا تعطى على أسس تنظيمية تقليدية، باستثناء جائزة الدولة التقديرية في مصر، والتي رغم عراقتها، تمنح بمعيارية غير فنية، فتذهب لأسماء أدبية ونقدية وفنية، لا تتميز، معظمها، في منجزها، إلاّ من ناحية الكم أو التقادم العمري للمنوح· هناك جوائز تقديرية شبه حكومية، تجمع بين التكريم ومكافأة التخصص، كجائزة الملك فيصل العالمية، فهي إذ تبدو عالمية ومتخصصة في مجالاتها العلمية والممنوحة، في أحايين كثيرة، لعلماء ومكتشفين غير عرب؛ نجد أنها في المجالات الأدبية والفكرية بقيت على نهج محافظ، محلي وغير عالمي، فلا تمنح إلاّ لأدباء وباحثين عرب قاموا بإنجاز أعمال تقليدية في إطار الموروث الأدبي والفكري، وهو ما نجده في تخصيص أحد مجالاتها لموضوع الإسلام وخدمته· ومن الجوائز التخصصية التي تمنح كمكافأة على إنجاز ما، نجد جائزة في مصر تمنح سنويا باسم الرئيس مبارك، تمثل، في كثير من أوجه منحها، رديفاً لجائزة الدولة التقديرية· فيما تمنح في اليمن جائزة سنوية مخصصة للناشئة، بصفة الرئيس ''جائزة رئيس الجمهورية للشباب''· وهناك جوائز مماثلة في الكثير من البلدان العربية الأخرى، كجائزة أبي القاسم الشابي في تونس· تمنح جائزة للكِتاب، أيضاً، في معرض الكويت الدولي للكتاب، وكذلك في معرض دبي للكتاب، وهو ما لا نجده في المعارض العربية الأخرى، مع أن الجائزتين تمنحان للكتاب المحلي· في الكويت، تمنح جائزة الدولة للتقدم العلمي، وجائزة من الشاعرة سعاد الصباح مخصصة لإبداعات الشباب· جائزة البابطين للإبداع الشعري تعتبر مساهمة ملفتة للرأسمال التجاري في الكويت، وإن خصصت الجائزة للشعراء التقليديين الذين يكتبون الشكل العمودي الكلاسيكي· وتبدو جائزة باشراحيل غير واضحة المعالم، حيث في الوقت الذي يهاجم صاحبها الشعر الحديث، ممثلا بمحمود درويش، يقوم بمنح الجائزة لشاعر حداثي آخر هو أدونيس· وكانت قد برزت في الأردن مؤسسة شومان في تكريمها لعدد من الأدباء· وفي اليمن تمنح جائزة محلية، في مختلف المجالات، باسم هائل سعيد، وهو مؤسس لبيت تجاري شهير، لكن ما يصرف على حفل الجائزة يبدو أكثر من إجمالي المبالغ التي تذهب للفائزين، حيث عادة ما يتم حجب الجائزة، لعدم توفر الشروط العلمية، كما يعلن· جوائز الإمارات صارت الإمارات مركزاً مهما للكثير من الجوائز· وبدأ هذا المنحى مع إنشاء جائزة العويس التي تجمع بين التكريم ومكافأة التخصص· وشكلت جائزة الشارقة للإبداع (الإصدار الأول) مرحلة جديدة في الاتجاه نحو أدباء الشباب· وجاءت فيما بعد جائزة ''أمير الشعراء''، وجائزة مجلة ''دبي الثقافية''· وأخيراً أعلنت الإمارات إنشاء جائزتين مهمّتين، هما جائزة الشيخ زايد للكتاب، والجائزة العالمية للرواية العربية، التي صارت تعرف باسم ''البوكر العربية''، لتعاون مؤسسة الإمارات المانحة للجائزة مع جائزة بوكر البريطانية· يلاحظ أن جوائز الإمارات تنحو في اتجاه التخصص، مع أنها لا تغفل جانب التكريم، كما في جائزة الشيخ زايد للكتاب التي خصصت أحد مجالاتها لـ ''شخصية العام الثقافية''، وهو موضوع تكريمي، ضمن جائزة متخصصة، في مجال محدد، وهو الكتاب· وبدا منح جائزة الشيخ زايد للكتاب، في أحد فروعها، لرواية الليبي إبراهيم الكوني، وكذا منح جائزة البوكر العربية للروائي بهاء طاهر، بمثابة التكريم للكاتبين، في تجربتهما الأدبية الغنية، وإن كانا قد حصلا عليهما من خلال منجزهما الروائي التخصصي· اشتراطات ومعايير باستثناء الجوائز الممنوحة للشباب، تبدو معظم الجوائز العربية، كأنها تكريمية· فهي حتى في منحاها التخصصي لا تكشف عن اشتراطات الترشيح والفوز كاملاً· يمكن الإشارة، مثلا، إلى جائزة البوكر العربية، فهي إذ ذهبت إلى روائي مخضرم ومتميز هو بهاء طاهر، فإنها تثير الكثير من التساؤلات حول إذا كانت ستغلب المنحى التكريمي للفائز بها، على الجانب التخصصي· أم أن فوز بهاء طاهر، الذي تجاوز السبعين من عمره، كان استجابة لمنطلقات شروط الجائزة ومعايير حكامها· يبدو، في حال كهذا، أن المشاكل التي قد تواجه بوكر العربية، تتطلب الإعلان بشفافية أكثر عن معايير الجائزة واشتراطاتها الفنية، وهل هي اشتراطات مجلس الأمناء أم لجنة التحكيم، أم الممول والمانح، أم المنظم، أم جميعهم· وما حدود مهامهم؟ فإذا كانت هناك جوائز في أوروبا وأميركا، مثلا، تهتم بالرومانسية أو بالمخيلة، أو الواقعية القذرة، أو بالرواية البوليسية، أو بالرواية السوداء، فعلى بوكر العربية أن تعلن عن مواضيعها المتطلبة، وعن أساليب السرد المأمول تحققها في الروايات الفائزة· هل هو سرد تأصيلي يقدم بعض جماليات السرد في اللغة العربية، أم سرد يتكئ على التقنيات الحديثة المكرّسة في الرواية الحديثة، أو ما بعد حديثة، في البلدان الأخرى· أم أن السرد المكافأ هو ذلك الذي يجمع بين تأصيل السرديات ذات المرجعية العربية، إن وجدت، ولو على الصعيد الصوتي، وبناء الفقرة وتركيب الجملة واستخدام المفردة، وبين السرديات الحديثة المكرسة؟ من خلال هذه المعايير، وعبرها، يكون تشكيل لجان التحكيم، وتحديد مهامها· إلى ذلك، هناك جوائز كثيرة تمنح في مجال المسرح والسينما، في مصر وتونس والإمارات، وهي تعكس مستوى الإنتاج العربي في هذه المجالات إيجابا وسلبا· وتمنح سويا جوائز للإنتاج التلفزيوني والإذاعي، إلاّ أن ذلك يتم عبر تقاسم الجوائز بين الدول العربية بشكل رسمي، حسب مجمل الإنتاج المشارك ونوعه، دون مراعاة للمستويات الفنية· ما يمكن قوله، أخيراً، في قراءة حال الجوائز العربية أن مؤسساتها لا تهتم كثيرا بالجانب الإعلامي، خاصة وقت إعلانها الذي قد لا يتوافق مع مواعيد إصدار الصحف، وكذلك في تنظيمها الإخباري، فتكاد جائزة، مثل جائزة الشعر في مصر، غير منتشرة إعلاميا، ولم تحقق جائزة الرواية العربية في القاهرة، الجانب المعنوي للفائز بها، إلاّ في حال صنع الله إبراهيم الذي أصبح فائزاً إعلاميا برفضه لها·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©