الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الجرأة تطبع العروض واللهجة المحكية تتسيد الحوارات

الجرأة تطبع العروض واللهجة المحكية تتسيد الحوارات
27 مارس 2008 02:56
وكانت هذه العروض الجريئة هي الأكثر استقطاباً لانتباه الجمهور والنقاد معاً، مع ملاحظة جديرة بالتوقف أمامها وهي أن أغلب عروض النصف الأول من المهرجان اتكأت على اللهجة المحلية أو المحكي اليومي لتشكيل حواراتها ومفرداتها النصية، وبالتالي فهي ناورت في منطقة تخصها، وقامت بتشريح قضايا بالمكان من خلال لغة لصيقة وتعبير مفعم بالصدق والصدمة معا· والتالي عرض مكثف لثلاثة أعمال من المهرجان تميزت بإيقاعها العالي ولغتها الفنية المتمكنة والمتجاوزة للسائد والمكرر في المشهد المسرحي المحلي· في عرض ''صرخة'' المقتبس عن قصة قصيرة للأديب الإماراتي (ناصر جبران) يعالج الكاتب المسرحي المخضرم إسماعيل عبدالله النص القصصي مسرحياً، ويهبه للمخرج إبراهيم سالم كي يعبر بجرأة كبيرة ووضوح شديد عن التهديدات المحيطة بالهوية الوطنية من خلال تصوير وترجمة هذا التوجس الداخلي وإسقاطه على أحد أكثر الأماكن ازدحاما بالوجود الآسيوي وهو ساحة الرولة المحاذية لشارع العروبة في الشارقة، حيث نكتشف في سياق المسرحية قصة المواطن الذي يفقد (عقاله) وسط زحمة الغرباء في ساحة الرولة، والعقال هنا هو إسقاط وإشارة ورمز دال على ضياع الهوية المحلية وسط فوضى الهويات واختلاط الأعراق، وفي سياق آخر للقصة نكتشف قصة الفتاة المواطنة التي تفاوض شاباً آسيوياً يعيش قصة حب مع شقيقة الفتاة ويصر على الزواج منها، في إشارة أخرى إلى إمكانية تغلل الآخر إلى عمق النسيج الاجتماعي والخصوصيات الداخلية لأهل الدار! يشبه العرض هذا الوجود الآسيوي المكثف بالجراد، وهو تشبيه يصيب مغزاه بدقة، ولم يحتج لاجتهادات كثيرة في الإخراج كي يصل للجمهور ويدق في أذهانهم أجراس الخطر القادم هذه المرة من الداخل· وجاء إختيار النص القصصي ''صرخة'' لجبران ومعه نص آخر لنفس الكاتب بعنوان ''ميادير'' ـ لم يعرض العمل وقت كتابة المقال ـ من قبل الكاتب المسرحي المخضرم (إسماعيل عبدالله) كبادرة أولى ومهمة في سياق الاستفادة المسرحية من النصوص الأدبية المحلية، وهي خطوة من شأنها أن تنقذ كتاب المسرح والمخرجين من ندرة الأفكار، وقادرة أيضا على انتشالهم من ورطة البحث عن نصوص قوية وملائمة للاقتباس والمشاركة في الفعل المسرحي المحلي، كما أن ميراث الأدب القصصي والروائي في الإمارات قادر وفي اتجاه آخر أن يثري الأفكار السينمائية أيضا، خصوصا بعد القفزة الكمية والنوعية التي شهدتها المناسبات والمهرجانات السينمائية في الدولة خلال الخمس سنوات السابقة· وعن سر اختياره لنصي ''صرخة'' و''ميادير'' اللذين كتبهما ناصر جبران قبل سنوات من الآن، قال إسماعيل عبدالله في تصريح لـ''ملحق الثقافة'' : إن السبب يعود إلى أن ناصر جبران من الكتاب المبدعين في الساحة المحلية، وأنا متابع قديم لنصوصه القصصية ومقالاته وإسهاماته في الساحة الأدبية، ويتميز جبران بأنه قارئ جيد للواقع المحلي، كما أن كتاباته تستشرف وتطل على المستقبل، ولذلك فإن اختياري لنصي ''صرخة'' و''ميادير'' رغم بعد المسافة الزمنية، جاء بسبب ديمومة هذين النصين وقدرتهما على محاورة الحاضر بكل إشكالياته وأزماته الظاهرة والخفية''· ويضيف إسماعيل عبدالله: ''قصص ناصر جبران على تماس مباشر مع الواقع الاجتماعي، وهي تحلل الظواهر والمتغيرات المختلفة التي طرأت على المكان، وذلك من منطلق حب وغيرة جبران على هذا المكان وعلى مستقبله'' ويؤكد إسماعيل عبدالله في هذا السياق على ضرورة مد الجسور بين الفنون المختلفة والاستفادة بالتالي من المخزون القصصي والروائي الكبير، كي يقدم محتوى هذا المخزون للجمهور، ويتم الاتكاء عليه لبناء دراما مختلفة ومتجددة من خلال وسائط مسرحية وتلفزيونية وسينمائية· ''وهبص'': مختبر المسرح في عرض ''وهبص'' يقدم المؤلف والمخرج محمد العامري من خلال مختبره المسرحي الخاص والمتميز، قصة المهمشين في قاع السلم الاجتماعي، من خلال قصة المحفظة التي تقع من إمرأة ثرية وسط السوق وبالقرب من سكان الرصيف، وهي المحفظة التي تحول حياة ثلاثة من سكان هذا الرصيف إلى جحيم بسبب بحثهم عن صاحبة المحفظة، واكتشافهم لعالم جديد ومختلف وقاس من خلال احتكاكهم بأصحاب البطاقات الموجودة في المحفظة· اعتمدت السينوغرافيا التي ابتكرها العامري على الكثير من الإشارات والدلالات التي تعبر عن الطبقات الثلاث الرئيسية في المجتمع (المهمشة والوسطى والراقية)، وذلك من خلال التكوينات البنائية للديكور الذي وصلت قمته إلى سقف الخشبة، وتناوب الممثلون على الصعود والنزول من وعلى هذه المستويات الثلاث، كي يتحول العرض في النهاية إلى سؤال مفتوح عن معنى كلمة ''وهبص'' التي يمكن اسقاطها على الكثير من التقلبات الاجتماعية والاقتصادية التي طرأت على المكان، ووضعت المثقفين والمهمشين وأصحاب المهن المتواضعة في نهاية سلم القيم، ومارست معهم أشد حالات الإقصاء والنبذ، لأنهم لا يملكون الحيل والمفاتيح التي تعينهم على التسلق وتصدر الواجهات اللامعة وحيازة الوسائل الميكيافيلية التي تبرر هذه الوسائل من أجل الاستحواذ على الغاية، مهما كانت هذه الغاية مفروشة بالدهاء والألاعيب والآثام الاجتماعية المستترة· ''خلخال'' يرن في الذاكرة ومن العروض التي لفتت أنظار المتابعين للمهرجان، عرض ''خلخال'' للمؤلف سالم الحتاوي، ومن إخراج سالم باليوحة، وهو عرض تميز بجرأته على صعيد الطرح الاجتماعي، وإلقاء الضوء على الشخوص المتأزمين بحالاتهم الخاصة والمسكوت عنها خوف الترويج لنماذج مقلقة للسائد ومثيرة لأسئلة لا يمكن طرحها إلا في النطاق الضيق والمعتم· اقتصر التمثيل في عرض ''خلخال'' على ممثلين فقط هما جاسم الخراز في دور الشاعر سهيل بن علي ، وإلهام محمد في دور غاية، واستطاعا من خلال أداء مكثف ومتواصل إلا من حالات فصل مشهدية بسيطة أن يغطيا مساحة العرض بأداء حافل بالمشاعر المتناوبة والحالات الداخلية الموزعة بين الصعود والإنكسار وبين العشق والألم· واستطاع الخراز أن يمسك تماما بخيوط هذه الشخصية المعذبة والممزقة داخليا، كما استطاع أن يجذب المشاهد إلى منطقته من خلال تقمصه وترجمته للجو الشعبي الحافل بالقصائد الدافئة وبالزمن الحنيني الجامع بين اللذة الروحية والفقدان الجسدي، والمتشابك بحالات الهدوء والغضب، والنشوة والعذاب، والبراءة والقسوة· وكان للديكور الموحي والمختصر في مكوناته دور في منح جسد الممثلين مرونة وديناميكية متناغمة مع أحداث القصة وتقلباتها، وهو ديكور تأويلي، أكثر منه واقعي ومكون من سرير أرضي بسيط يمثل الحاضر المتهاوي، وسرير آخر مرتفع وأنيق يمثل ويجسد الذكريات المنتشية في ذهن العاشقين· وسهيل بن علي شاعر شعبي مدمن على الشراب، وخسر كل شيء في الحياة من أجل محبوبته المنبوذة من المجتمع كونها راقصة في الأعراس الشعبية والمناسبات الخاصة، ومن هنا يتوالد الصراع الدرامي بين العاشقين طوال العرض، وهو صراع دونه الكثير من التضحيات والخسارات ومشاعر الغيرة والحب المرضي والحس الضاري والمتطرف· يشعر (سهيل) بأن ضوء موهبته بدأ يخفت، وأن السنوات التي كان يكتب فيها كلمات الأغاني الشعبية أخذت تبتعد في ضباب العمر ومستجدات الزمن، وأنها على وشك الإنهيار الكلي وسط مخاوفة من فقدان الحبيبة، وعزلته المدمرة داخل قوقعة الإدمان· أما الراقصة غاية فإنها مشتته بين رغبتها في الحرية وبين إنجذابها للعاشق والزوج الذي ضحى بأصدقائه وأهله ومجتمعه من أجل الإخلاص لهذا الطوق الأخير الذي يربطه بقيمة الحياة· المسرحية عموما جاءت زاخرة بالحنين الشعبي لفترة السبعينات والثمانينات من خلال أغان موزعة بحب وشغف على مناطق العرض من خلال أغان شهيرة لعلي بن روغة وميحد حمد والمعززة بقصائد شفافة وموحية لشعراء شعبيين معروفين مثل سالم الجمري وفتاة الخليج·
المصدر: الشارقة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©