الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فاس·· نسيج التاريخ والناس

فاس·· نسيج التاريخ والناس
27 مارس 2008 02:37
تعتبر فاس أول عاصمة في المغرب وثالث أقدم العواصم في شمال أفريقيا بعد الاسكندرية بمصر والقيروان بتونس، وشيدت مدينة فاس في القرن التاسع الميلادي وتعاقبت عدة عائلات ملكية على حكمها، إلا أن عصرها الذهبي كان في القرن 14 تحت حكم السلطة المرينية، ثم خلال القرن الـ17 إبان ظهور الدولة العلوية· ولم يقتصر دور مدينة فاس على الجانب السياسي، فقد شهدت هذه المدينة ولادة عدد كبير من العلماء والمفكرين، وكانت قبلة للعديد من الأعلام البارزة في مختلف أنحاء المعمور ومنهم من اتخذها مقراً لهم، ومنهم من انطلق منها ليجوب أصقاع العالم بعلوم نهلوها من مدارس المدينة التي تجمع بين كونها مقصداً لطلاب العلم والثقافة، ومقصداً روحياً لأتباع الطرق الصوفية· ورغم انحصار دورها السياسي بعد أن اختارت فرنسا مدينة الرباط عاصمة للمغرب سنة ،1912 حافظت فاس على دوريها الديني والثقافي وظلت وفية للقب الذي أطلقه عليها المغاربة ''العاصمة العلمية للمملكة''· قرر المغاربة أن يحيطوا هذا الحدث التاريخي الفريد والحامل لقيم كونية، ما يليق به، حيث تم إحداث لجنة للإشراف على برامج مختلف التظاهرات التي ستنظم بهذه المناسبة· وتقوم فكرة تخليد ذكرى تأسيس فاس على تنظيم سلسلة من التظاهرات الثقافية والفنية على مدار العام الحالي بمدينة فاس وبباقي المدن العتيقة الثلاث مراكش ومكناس والرباط، بالإضافة إلى بلدان عربية وأوربية· ويكتسي الاحتفال بمرور 1200 سنة على تأسيس مدينة فاس أهمية كبيرة، فهذا الحدث حافل بالقيم الإنسانية والتاريخية، حيث إن بناء المدينة تزامن مع تأسيس الملكية بالمغرب على يد إدريس الثاني وبداية تاريخ الحضارة العربية الإسلامية في المغرب، مما يفرض على القائمين على هذا الاحتفال تخليد الحدث بما يليق به وبدلالاته· كما أن عطاء المدينة لم ينبض يوماً، حيث ظلت فاس على غرار مثيلاتها من المدن التاريخية تضفي إشعاعاً حضارياً ومعرفياً على العالم بأسره، فبينما كانت الجيوش تخرج منها للغزو والفتح وبسط سيطرة الدول كان الفقهاء يخرجون منها لينتشروا الإسلام والحضارة العربية· ويتضمن برنامج الاحتفال بذكرى تأسيس فاس تنظيم ندوات عالمية حول التاريخ العريق لهذه الحاضرة العلمية، وعروضاً موسيقية مغربية ومعارض لمنتجات الصناعة التقليدية، وجائزة للبحوث حول تاريخ المغرب، ومباراة دولية مفتوحة أمام جميع الرسامين والنحاتين لإنجاز عمل فني يخلد الذكرى، وتنظيم كأس الاثني عشر لكرة القدم تشارك فيها فرق عالمية· حكاية مدينة يرجع تاريخ مدينة فاس إلى نهاية القرن الثامن الميلادي إبان مجيء المولى إدريس الأول إلى المغرب سنة 789م (172هـ)، حيث بنى النواة الأولى للمدينة على الضفة اليمنى لوادي فاس بحي الأندلسيين، إلا أن التأسيس الفعلي للمدينة تم سنة 808م (192هـ) على يد ابنه إدريس الثاني مؤسس دولة الأدارسة، حيث بنى مدينة جديدة على الضفة اليسرى لوادي فاس بحي القيروانيين نسبة إلى أصل ساكنته المنحدرة من القيروان بتونس، واتخذها عاصمة لدولته· وظلت فاس على حالها مقسمة إلى عدْوَتين إلى أن دخلها المرابطون فأمر يوسف بن تاشفين بتوحيدهما وجعلهما مدينة واحدة· وشهدت مدينة فاس فترات مد وجزر ففي عهد الأدارسة عرفت فاس انتعاشاً اقتصادياً وعمرانياً منقطع النظير واستغل بناة المدينة منطقة سهل سايس الخصبة التي تتوافر على موارد أولية متعددة، لتأسيس أول عاصمة بالمغرب، وحتى بعد سقوط الدولة الإدريسية صارت فاس القاعدة الحربية الرئيسية في شمال المغرب للدول المتتالية التي حكمت المنطقة، بالإضافة لكونها مركزاً دينياً وعلمياً مهماً في شمال أفريقيا· وبعد سقوط الأدارسة تصارع الأمويين في الأندلس والفاطميين في شمال أفريقيا على فاس، لكن المدينة ظلت تحت سيطرة الأمويين حتى سقوط الخلافة الأموية بقرطبة، وتمتعت خلال عهد الأمويين بازدهار كبير، ثم سيطر على فاس أمراء زناته الذين حكموا المغرب لفترة قصيرة إلى أن ظهور المرابطون الذين انطلقوا من الجنوب وسيطروا على كل أنحاء المغرب، وشهدت المدينة في عهدهم طفرة عمرانية مهمة، وبعد انحصار نفوذهم وقيام الدولة الموحدية شكلت فاس إحدى ركائز الصراع بين المرابطين والموحدين الذين حاصروا المدينة تسعة أشهر ودخلوها عام 1143م، وقام أبويوسف يعقوب المنصور ثالث الخلفاء الموحدين ببناء فاس الجديدة سنة 1276م وحصنها بسور وخصها بمسجد كبير وبأحياء سكنية وقصور وحدائق· ثم سيطر بنو مرين على فاس بعد سقوط دولة الموحدين، وتحت حكم الدولة المرينية عرفت المدينة فاس عصرها الذهبي، حيث اتخذها بنو مرين مركزاً لهم، وبعد فترة طويلة من التدهور والتراجع بسبب القلاقل التي عرفها المغرب، احتل السعديون المدينة سنة 1554م، وبالرغم من انتقال عاصمة الحكم إلى مراكش خص السعديون مدينة فاس ببعض المنجزات الضخمة كتشييدهم لأروقة جامع القرويين وعدد من القصور وترميم أسوار المدينة وبناء برجين كبيرين في الجهتين الشمالية والجنوبية لمدينة فاس· ونتيجة للاضطرابات التي عرفتها الدولة السعدية، انقسمت فاس إلى مدينتين: فاس الجديد وفاس البالي· وفي سنة 1667م، تمكن العلويون من الاستيلاء عليها، وظلوا مسيطرين عليها إلى أن وقع المغرب تحت سيطرة الاحتلال الفرنسي، حيث جردت فاس من مكانتها كعاصمة عام 1912م وتم تحويل العاصمة إلى الرباط· مآثر تاريخية صنفت ''اليونسكو'' مدينة فاس سنة 1981 تراثاً عالمياً، اعترافاً منها بمكانة هذه المدينة التي تضم أكبر مآثر الحضارة الإسلامية في المغرب من مدارس ومساجد وأبراج وأسوار وقصور· ويسكن المدينة خليط من أمازيغ الأطلس المتوسط والقيروانيين واليهود والأندلسيين الذين أرغموا على الهجرة من الأندلس بعد سقوط قرطبة، وساهم هذا الخليط في تطور المدينة عمرانياً واقتصادياً وثقافياً، إلا أن الفترات التي انعدم فيها الاستقرار السياسي تسببت في هجر العديد من سكان فاس إلى المدن الأخرى خاصة يهود المدينة، إذ أفرغ حي الملاح تماماً من ساكنيه، وكان لهجرة السكان من المدينة أثر اقتصادي سيئ على المدينة· وتنقسم فاس اليوم إلى ثلاثة أقسام، فاس البالي وهي المدينة القديمة، وفاس الجديد وقد بنيت في القرن الثالث عشر الميلادي، والمدينة الجديدة التي بناها المستعمر الفرنسي في الفترة ما بين 1912 و·1956 وتخترق أسوار فاس القديمة مجموعة من الأبواب تحمل أغلبها أسماء تعود إلى فترة حكم الأدارسة وأشهرها أبواب الفتوح والجيزة والمحروق والصمارين· ومن أهم المعالم الأثرية التي تدل على تطور الحضارة الإسلامية عبر العصور بفاس، القصور التي شيدها المرينيون على التلال التي تطل على فاس من جهة الشمال، وتمت في الفترات اللاحقة إضافة أسوار وبوابات بأقواس رائعة ونقوش وزخارف· وإضافة إلى المساجد والأبراج والمنازل، تنتشر بفاس مدارس تاريخية مثل البوعنانية والمصباحية والعطارين والصفارين· ويوجد بمدينة فاس أحد أعرق وأقدم المؤسسات العلمية في العالم وهو جامع القرويين الذي أسسته فاطمة بنت محمد الفهري عام 859م (245هـ) وتم تجديده في عهد السلطانين أبويوسف يعقوب المريني، ويوسف بن تاشفين المرابطي، وكان مقصداً لطلاب العلم من جميع أنحاء العالم الإسلامي وأوروبا· وانتشرت في مدينة فاس العديد من الزوايا والمدارس القرآنية التي لعبت دوراً رئيسياً في نشر الإسلام ببلاد المغرب، مثل الزاوية التيجانية والدرقاوية والوزانية والقادرية، وتميزت هذه الزوايا بتعددها الفكري الذي ولد نهضة علمية بين أهل فاس، وذلك بظهور أسماء في تاريخ التصوف كان لها التأثير الكبير على المسار الفكري بالمغرب· ويحج المريدون من غرب أفريقيا سنوياً لزيارة هذه الزوايا وأشهر الزاوية التيجانية (نسبة لمؤسسها سيدي أحمد التيجاني)·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©