الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

موجابي ··· وانتخابات الرئاسة في زيمبابوي

موجابي ··· وانتخابات الرئاسة في زيمبابوي
27 مارس 2008 02:35
كانت فيما مضى بلداً أفريقياً متألقاً، ومنارة مشعة للازدهار والنمو الاقتصادي، بينما باقي القارة يلفها الفقر والبؤس، فبعد خروجها في العام 1980 من حرب أهلية دامت سبع سنوات ضد حكم المعمر الأبيض، اعتنقت ''زيمبابوي'' -الدولة الفتية والمستقلة حديثاً- سياسة المصالحة العرقية فاستبقت سكانها البيض وطلبت منهم المساهمة في بناء الأمة الجديدة، وفي هذا السياق كنت أحد الذين قرروا عن طيب خاطر التخلي عن ''روديسيا'' السابقة مقابل دولة زيمبابوي الواعدة، وفي تلك الفترة نجح ''روبرت موجابي'' -أول قائد أسود للبلاد- في بناء نظام صحي وتعليمي كان بمثابة مفخرة لأفريقيا، وأصبحت ''زيمبابوي'' البلد الأول أفريقيا من حيث معدلات القراءة والكتابة، وبات مواطنوها الأعلى من حيث دخلهم الفردي، وتمكنت ''زيمبابوي'' من تأمين احتياجاتها الغذائية، بل وتوفير فائض غذائي كان يصدر إلى جيرانها الأقل حظاً· ومازلت أذكر رحلاتي المتعددة إلى الدول الأفريقية كمراسل لبعض الصحف البريطانية، إذ في كل مرة أرجع فيها إلى العاصمة، هراري، أقارنها مع العواصم الأخرى لأخلص إلى أن زيمبابوي كانت بالفعل بمثابة سويسرا القارة الأفريقية، لكن وبإلقاء نظرة على الحاضر تبدو ''زيمبابوي'' بلدا آخر مختلفا، حيث انحدر الاقتصاد وبات الأقل نموا في العالم، وتراجع دولار زيمبابوي خلال هذا الأسبوع ليصل سعر الصرف مقارنة مع الدولار الأميركي إلى 55 مليونا، وبسبب معدل التضخم المفرط في ارتفاعه الذي بلغ 100 ألف في المائة· أما الزراعة التجارية التي كانت أساس الاقتصاد في ''زيمبابوي'' فقد لامست الحضيض وتراجعت قدراتها على الإنتاج بعدما طرد نظام ''موجابي'' ما يقرب عن خمسة آلاف مزارع أغلبهم من البيض، ومن بلد غني بموارده ومصدر للمواد الغذائية باتت ''زيمبابوي'' تعيش على مساعدات الأمم المتحدة التي لولا أعمال الإغاثة التي تقوم بها لعانى الشعب من المجاعة، كما انهار النظامان الصحي والتعليمي في البلاد، وتراجع أمد الحياة من 60 إلى 35 عاماً بسبب انتشار مرض الإيدز، كما أصبحت نسبة اليتامى من مجموع السكان تفوق أية نسبة أخرى في العالم، وقد امتد التراجع العام إلى المياه التي لم تعد صالحة للشرب وإلى الكهرباء المنقطعة دوماً، فضلا عن الحالة المزرية للطرق التي غزتها الحفر وشح الوقود، ثم تفشي الفساد على نطاق واسع· لكن لماذا هذا التداعي الكبير الذي يمتد إلى جميع مناحي الحياة في زيمبابوي؟ الجواب يكمن في رجل واحد: ''روبرت موجابي'' الذي يقضي سنته الثامنة والعشرين على رأس السلطة ومايزال يرفض الرحيل، ويبدو أنه يفضل الانهيار التام لكل ما يدور حوله على أن يغادر الرئاسة· لقد بدأ مسلسل الانحدار والسقوط ودخلت البلاد مرحلة الدول الفاشلة في العام 2000 عندما قرر الناخبون، الذين سئموا من أسلوب ''موجابي'' في الحكم وسيطرة الحزب الواحد، التصويت ضد محاولته التخلص من قيود الترشح لولاية أخرى كرئيس، لكن موجابي الذي كان أحد زعماء المتمردين ضد حكم البيض اعتبر نفسه محرراً للبلاد وجاءت ردة فعله قاسية للغاية، فقد انقلب على المعارضة السوداء وقام بملاحقة رموزها وإدخالهم السجن، كما انتزع الأراضي من ملاكها البيض الذين طلب منهم البقاء عام 1980 ووزعت على رجاله، وهو ما عجل بالكارثة الاقتصادية التي حلت بالبلاد لأن القليل منهم كانت لديه الرغبة، أو المعرفة التقنية للزراعة الحديثة، وهكذا تحول ''موجابي'' إلى شخصية ''أهاب'' في رواية الأديب الأميركي ''ميلفيل'' كرمز للعناد المدمر بعد أن قاد سفينته إلى الهاوية بحثاً عن حوته الأبيض وجرياً وراء سراب العظمة والمجد، ومع ذلك رفض ''موجابي'' مواجهة الواقع والاعتراف بأخطائه، بل رد المسؤولية الى العقوبات الرمزية التي يفرضها عليه الغرب، كما أصر على إقصاء المعارضة ورفض التفاوض معها بعدما اعتبرهم مجرد دمى تحركها القوى الاستعمارية السابقة· فلماذا إذن يتحمل الشعب ''موجابي؟ الواقع أنهم لا يتحملونه، لكنه يقوم بتزوير الانتخابات كلما نُظمت على غرار ما حصل في الانتخابات الرئاسية للعام ،2000 كما أن نسبة الذين غادروا البلد للعيش والعمل في الخارج ما بين 18 و60 عاماً تصل إلى 70 بالمائة، وهي هجرة شبيهة بتلك التي شهدتها أيرلندا باتجاه أميركا والمعروفة باسم مجاعة البطاطس، ولعل هذه الهجرة إلى الخارج هي التي تضمن استمرار البلاد على قيد الحياة بفضل تحويلات الزيمبابويين في الشتات، واليوم وفيما تستعد البلاد لتنظيم انتخابات رئاسية يوم السبت المقبل، يبقى الأمل ضعيفاً في أن تجري الاستحقاقات الرئاسية في جو من النزاهة والشفافية بعد أن رفض ''موجابي'' بعض الإصلاحات الدستورية التي تساندها أفريقيا الجنوبية، فمكاتب الاقتراع غالباً ما يملؤها ناخبون مزيفون، كما أن رجال الشرطة يُسمح لهم بدخول مراكز الاقتراع بدعوى ''مساعدة الناخبين الأميين''، ناهيك عن أن الأصوات لا تفرز في مكان مستقل، بل في مركز القيادة الذي يسيطر عليه كبار ضباط الجيش· بالطبع لا تبعث هذه الإجراءات على التفاؤل بالنسبة للمنافسين الرئيسيين وهما، ''مورجان تسافانجيري'' من حركة التغيير الديمقراطي، و''سيمبا ماكوني'' -الوزير السابق في حكومة موجابي الذي أقيل مؤخراً بسبب تجرئه على الترشح للرئاسة-، ويبقى الأمل الوحيد في أن يفقد رجال ''موجابي'' المكلفون بتزوير الانتخابات، وهم الشرطة السرية وأفراد الجيش، الثقة بقائدهم ويرفضوا الانخراط في لعبته· بيتر جودوين مؤلف كتاب ''عندما يأكل التمساح الشمس-ذكريات من أفريقيا'' عن قصة انهيار زيمبابوي ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست'' --------
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©