الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

أزمة الرهن العقاري تؤدي إلى انهيار أسعار المنازل الأميركية

أزمة الرهن العقاري تؤدي إلى انهيار أسعار المنازل الأميركية
27 سبتمبر 2007 23:22
لطالما ظل الخبراء الاقتصاديون ولسنوات طويلة يحذرون من أن الولايات المتحدة الأميركية لن يصبح بإمكانها تحمل دفع الرسوم الى ما لا نهاية على بطاقات الائتمان المحلية من أجل تغطية الشهية المنفتحة باستمرار على النفط والسيارات والأجهزة الإلكترونية وجميع أنواع السلع الأخرى المستوردة· وأشاروا اكثر من مرة الى أن الفاتورة لا محالة ستصبح مستحقة الدفع وباهظة التكلفة في يوم من الأيام· وبعد فترة امتدت لستة عشر عاماً ظلت فيها الولايات المتحدة بشكل أساسي تستدين وتشتري بينما استمر معظم بقية أنحاء العالم يقرض ويبيع حتى بدا الاقتصاد العالمي وكأنه على أعتاب تحول جوهري غير مسبوق· فالمصدرون الأميركان بدأوا يجدون أسواقاً في ما وراء البحار أكثر حرصاً على شراء منتجاتهم بفضل ضعف الدولار بينما بدأت جموع المستهلكين الأميركان تتخلى شيئاً فشيئاً عن سلوكياتها في الإنفاق والتبذير بمجرد أن تحول الازدهار المتعاظم في مجال الإسكان الى ركود مفاجئ· وفي نفس هذه الأثناء أخذت مناطق مثل الصين والشرق الأوسط ووسط أوروبا بالإضافة الى أفريقيا تستقبل وتمتص المزيد من الواردات العالمية· لذا فقد تمخضت جميع هذه العوامل عن نتيجة واحدة تتمثل في أن الاقتصاد العالمي أصبح بإمكانه أن يكتسب المزيد من التوازن عوضاً عن اعتماده بكثافة على الولايات المتحدة الأميركية في تلبية الطلب، كما استمر يفعل ذلك طوال فترة العقود الماضية من الزمان· وكما ورد في صحيفة الوول ستريت جورنال مؤخراً فعلى خلفية هذه المقدمة ظل الدولار أيضاً يمضي من ضعف الى ضعف مقابل اليورو والجنيه البريطاني وجميع أنواع العملات الأخرى· ومرة أخرى فإن جميع هذه العوامل يمكن أيضاً من ناحية أخرى أن تؤدي الى إعادة ضبط العجز التجاري الأميركي الذي بدأ في الاتساع منذ عام 1991 وانتفخ الى مستوى لم يكن من الممكن تخيله قبل فترة ليست طويلة· فالمقياس الأكثر اتساعاً لتحديد الفجوة التجارية والذي يعرف باسم ''العجز في الحساب الجاري'' اخترق في عام 2005 الحاجز القياسي لجميع الأوقات لإطلاق بمعدل 6,8 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، أي قيمة جميع البضائع والسلع والخدمات المنتجة في داخل الولايات المتحدة الأميركية، وفي أثناء الربع الثاني من هذا العام انخفضت هذه النسبة الى مستوى 5,5 في المائة وهو الأمر الذي يشير الى أن هذا المستوى الجديد ربما يشكل الخطوة الأولى في مسيرة إعادة التوازن المنشود· وكما يقول كينيث روجوف أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد والخبير الاقتصادي السابق في صندوق النقد الدولي ''إننا بالطبع نتطلع الى تحول كبير وعودة هائلة فيما يختص بالتوازن التجاري''· ويتوقع هذا الخبير أن يتضاءل مستوى العجز في الحساب الجاري ''بمقدار نصف نقطة مئوية من إجمالي الناتج المحلي خلال فترة الاثنى عشر شهراً القادمة''· كما أشار قبل عام من الآن ولكنه يرى الآن ''أن من المرجح أن تنخفض هذه النسبة بمقدار أكبر من ذلك وبمستوى 1,5 نقطة مئوية'' متوقعاً أيضاً أن تشهد انخفاضاً أكثر سرعة من العجز التجاري الأميركي· على أن هذا الانخفاض ''الأكثر سرعة'' يمكن أن يتمخض عن آثار جانبية سالبة ومؤلمة · ففي الوقت الذي اعتاد فيه الأميركيون على تمويل رفاهيتم ورغد عيشهم من الأموال المستدانة فإن التخلي عن هذا السلوك يعني فترة من العيش أقل وفرة وأدعى الى ربط الأحزمة فوق البطون· وفي حال إن أصبحت الأموال الأجنبية عزيزة ونادرة وتضاءل العجز التجاري فجأة فإن الأميركان سيصبحون في مواجهة دولار ضعيف وتراجع أسعار فائدة مرتفعة ومتصاعدة بالإضافة الى ركود اقتصادي، وهو الأمر الذي يمكن حينها أن يبعث بارتدادات موجات الصدمة مرة أخرى الى أوروبا واسيا وبخاصة إذا كان المستهلك في هاتين المنطقتين لم يتهيأ ويستعد بعد لتعويض الطلب المفقود من الولايات المتحدة الاقتصاد الأكبر من نوعه في العالم· وإذا ما حدث هذا الأمر بصورة تدريجية أكثر فإن مسيرة الرفاهية الأميركية الحالية ربما تتواصل ولكن بطريقة خافتة وهادئة· إذ أن الأمر في معظمه يعتمد على الطريقة التي سيلجأ إليها الاحتياطي الفيدرالي والبنوك المركزية الأخرى في تخفيف قبضتها على أسواق الائتمان دون إعادة إشعال التضخم· وعلى أي حال، وكما يقول جوزيف· ي· كونيلان كبير الاستراتيجيين ابلسوق في بانك أوف أميركا ''لم يعد يتعين علينا فقط بيع المزيد من السلع والخدمات الى بقية أنحاء العالم، بل اصبح يتوجب علينا أيضاً ربط أحزمتنا هنا في الداخل''· ويبقى أن السؤال لا يزال مفتوحاً عن مدى إمكانية أن تتضاءل الفجوة التجارية الأميركية أو عما إذا كانت ستستجد تطورات جديدة تؤدي بها مرة أخرى للاتساع والتضخم· وكما تقول كاترين إل· مان الاقتصادية في كلية برانديس انترناشيونال لإدارة الأعمال ''إن المفتاح الحقيقي يكمن في تفهم عما إذا كان التغيير الذي سيحدث تغييراً جوهرياً أو مجرد تغيير مواقف في المسار''· وهي تعلم تماماً مدى صعوبة الإجابة على هذا السؤال حيث كانت قد تنبأت في عام 1999 بأن العجز التجاري سوف يصل الى ذروته في مستوى 4 في المائة من إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2002 قبل أن يبدأ في التضاؤل والانخفاض· وفي حال أن استمر هذا السيناريو فإن النتائج سوف تصبح وخيمة على الولايات المتحدة حيث سيجعل الدولار الضعيف الواردات أكثر غلاءاً من ذي قبل· ويرفع كذلك من مخاطر التضخم كذلك فإن أسعار الفائدة سوف تصبح أكثر ميلاً الى الارتفاع والصعود حيث سيتعين على الأميركان توفير عائدات أعلى من أجل إغراء الأجانب لوضع أموالهم في الولايات المتحدة الأميركية· وكما يقول الأستاذ روجوف من جامعة هارفارد ''سوف نشعر بآثار حقيقية عندما يتضاءل العجز في الحساب الجاري· وسوف يشهد الفرد العادي هذا الأمر كجزء من انخفاض عام في التضخم يترجم في مكاسب في الراتب وفي مستويات المعيشة''· وتشير حساباته الى أن انخفاضاً بمعدل 20 في المائة من قيمة صرف الدولار سوف يؤدي بالضرورة الى انخفاض في دخل الأميركيين بمعدل 3 في المائة قياساً بمعدل التضخم· ومن جهة أخرى فإن عدم التوازن أو الخلل الكبير في التجارة الأميركية إنما هو نتيجة لعدد كبير من الأسباب والمؤثرات نجمت معظمها من معدلات أسعار الصرف والجاذبية التي تتمتع بها أسواق المال الأميركية والإسراف والتبذير الذي عرف عن المستهلك الأميركي مقابل ميل المستهلكين في المناطق الأخرى للاقتصاد وربط الأحزمة بالإضافة الى الاختلافات والفروقات المستمرة بين الدول في معدلات النمو الاقتصادي· ففي الفترة ما بين العامين 1999 و 2006 نما الاقتصاد الأميركي في المتوسط بمعدل 2,9 في المائة في كل عام بينما لم تشهد كل من اليابان وألمانيا متوسط نمو بأكثر من 1,4 في المائة وفقاً لأرقام صندوق النقد الدولي في هذه الفترة، فالنمو الأسرع وتيرة يعني بالضرورة المزيد من الواردات· فكلما شعر الأميركيون بالغنى والثراء كلما أنفقوا أموالاً في شراء لعب الأطفال الصينية والدراجات البخارية الألمانية والأقمصة المورشيسية أو السيارات اليابانية، بل إن الازدهار الذي شهده قطاع المساكن منح المستهلك الأميركي شعوراً بالدفء والطمأنينة دفعه لإنفاق المزيد من الأموال وبحرية أكثر من ذي قبل· وفي هذه الأثناء فإن الاختلاف في معدلات النمو بين الدول استمر يساعد على إغراء المستثمرين الأجانب، فمن الأسهل بشكل عام أن تحقق أرباحاً من الاستثمار في الأسهم عما يمكن تحقيقه في استثمار آخر أبطأ وأطول مدى· وسوف يصبح هذا الإغراء قوياً بشكل خاص عندما تكون أسواق الأسهم أكثر عمقاً وأغزر سيولة كتلك التي تتواجد في الولايات المتحدة الأميركية· ولكن الحكومة الأميركية فاقمت من هذه الآثار عبر الإفراط في الإنفاق في ميزانيتها وعبر إصدار سندات الخزينة من أجل تغطية ديونها· ولقد سارعت البنوك المركزية في الصين واليابان ضمن بنوك أخرى الى شراء أوراق أميركية بتريليونات الدولارات· ولكن الأمر بدا وكأن المزيد من العملات الأجنبية تطارد أعداداً قليلة من الدولارات وبشكل زاد من قيمة العملة الخضراء، وهو الأمر الذي أدى بدوره لأن ينتعش الدولار في داخل الاقتصاد مرة أخرى لكي يجعل الواردات أقل غلاء والصادرات الأميركية أكثر غلاء نسبياً، بل إن الدولار القوي جعل الأسهم والسندات وجميع الاستثمارات الأميركية الأخرى أكثر جاذبية للأجانب لأنها أصبحت أكثر قيمة باليورو والين والجنيهات أو أي عملات أخرى بالنسبة لجموع المستثمرين· ولسنوات عديدة أدت هذه العوامل المشتركة بالولايات المتحدة لأن تشتري بكميات أكبر بكثير من وراء البحار مما تبيعه في الخارج· أما الآن فإن الظروف قد تغيرت بشكل دراماتيكي حيث أصبح النمو الأميركي متخلفاً بمراحل من ذلك الذي يحققه معظم شركائها التجاريين في وراء البحار· إذ يتنبأ صندوق النقد الدولي بنمو بمعدل 2 في المائة فقط للولايات المتحدة في عام ،2007 بينما يتوقع نمواً بمعدل 2,6 في المائة لكل من ألمانيا واليابان· أما الدول الـ 13 التي تتشارك في استخدام اليورو فمن المتوقع أن تشهد نمواً بمعدل 2,5 في المائة في هذا العام وفقاً لإحصائيات بانك أوف أميركا· والأهم من ذلك فإن ثقة المستهلك الأميركي اللانهائية والتي لا يمكن كبح شهيتها أمام المولات أو محال السوبر ماركت الكبرى فقد تأثر فيما يبدو وتراجعت بسبب الانخفاض المفاجئ في أسعار المساكن الأميركية والظروف القاسية والصارمة التي ارتبطت بالائتمان مؤخراً''· وكما يقول ستيفن روش رئيس مجلس إدارة مصرف مورجان ستانلي آسيا في هونج كونج ''إن العوامل والقوى التي استمرت تدعم الاستهلاك المفرط لعقد من الزمان قد أصبحت تتجه الى مسار آخر ولم يعد بإمكان المستهلك الأميركي المضي قدماً في إشباع نزواته بعد أن ارتفع العجز في الحساب الجاري الأميركي الى مستويات غير مسبوقة''· ويضيف روش هذا الأمر قائلاً ''إنه أحد الظروف الجوهرية التي يمكن أن تصبح حاسمة في إحداث إعادة التوازن للاقتصاد العالمي''· وبالطبع فإن التباطؤ في الاقتصاد المحلي أصبح يعمل أصلاً على كبح النمو في الطلب الأميركي على السلع الأجنبية· فالحصة الأميركية في الواردات العالمية قد تراجعت الى معدل 14,3 في المائة، أي الى أقل مستوى لها منذ الركود الذي شهدته في عام 1991 - 1992 وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي قبل أن ترتفع هذه النسبة الى 18,8 في المائة في عام ·2000 وعلى العكس من ذلك فإن دول البرازيل وجنوب أفريقيا والهند وبعض الدول النامية الأخرى أصبحت الآن تساهم بمعدل 40,1 في المائة من حجم الواردات العالمية مقارنة بمعدل 28,4 في المائة في عام ··1991 بيد أن الدولار الضعيف المتزامن مع اليورو القوي قد أخذ بخناق الشركات الأوروبية التي تحاول الانتشار والتوسع في الأسواق الأميركية مثل شركة فولكسفاجن ايه جي التي تتخذ من وولفسبورج في ألمانيا مقراً لها، والتي تكبدت خسائر أكثر من 2,5 مليار يورو أو حوالى 3,5 مليار دولار في أميركا الشمالية أثناء فترة السنوات الخمس الماضية كنتيجة مباشرة للضعف الذي استمر يعتري الدولار· ثم جاء الانخفاض والتراجع المفاجئ في أسعار المنازل الأميركية ليزيد من قوة الذعر في سوق الرهان الأميركي وأدى الى تراجع الثقة العالمية في ضاحية وول ستريت· أما الأرقام التي أفرجت عنها الخزانة في هذا الأسبوع فقد كشفت عن أن صافي التدفقات الرأسمالية الطويلة الأجل في الولايات المتحدة الأميركية لم تزد على مقدار 19 مليار دولار في الشهر الأسبق حيث اختار المستثمرون عوضاً عن ذلك وضع أموالهم في سندات قصيرة المدى· أما الأخطر من ذلك فإن تباطؤ الاقتصاد وحالة الغموض التي أخذت تحيط بأسواق المال الأميركية سوف تستمر بدورها تؤثر سلباً على أسواق العملة حيث يتنبأ آلان بلايندر الاقتصادي في جامعة برينستون ونائب رئيس مجلس الإدارة الأسبق للاحتياطي الفيدرالي قائلاً ''إنني أتوقع رؤية المزيد من الضعف من قيمة الدولار خلال فترة الأشهر والسنوات القادمة''· ولكن الدولار المتراجع سوف يجعل من السهل أيضاً على الشركات الأميركية منافسة الشركات فيما وراء البحار وهو الأمر الذي سيصبح بالغ الأهمية في تقليل حجم العجز التجاري· إلا أنه ما زال هنالك العديد من العوائق التي تقف أمام إعادة التوازنات العالمية وسلاسة التدفقات التجارية العالمية وأكبر هذه المعوقات يتمثل في دولة الصين· فقد ظلت بكين متعنتة في السماح لعملتها الوطنية بأن ترتفع أمام الدولار برغم الضغوط الشرسة من مشرعي القوانين والتنفيذيين من رجال الأعمال الأميركان الذين أشاروا الى أن هذه العملة الضعيفة عن ترصد وعمد أصبحت تمنح الشركات الصينية مميزات غير عادلة على حساب الشركات الأميركية وتوفر ملعباً غير مستوٍ من أجل ممارسة التنافسية· وفي الوقت الذي أصبحت فيه الصين والهند تعتبران السوقين الأكير للشركات الأميركية مما كان عليه الحال في أي وقت مضى ''فهنالك حوالى مليار عامل في آسيا يكسب يومياً أقل من دولارين'' كما يقول كونيلان في بانك أوف أميركا والذي يضيف قائلاً ''إن بإمكانهم تحمل شراء زجاجة كوكاكولا ولكن والى أن يصبح باستطاعتهم تملك السيارة وجهاز الكمبيوتر فإن إعادة التوازن للاقتصاد العالمي سوف تمضي قدماً ولو بخطوات بطيئة ·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©