الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

طفل الحرب

27 سبتمبر 2007 00:51
الحرب دائماً مأساة بشرية صعبة الاحتمال·· أشد صعوبة ليس على المتقاتلين الذين يحملون السلاح ويقتلون بعضهم بعضا بلا عقل ولا رحمة فحسب، بل هي أشد وأكثر صعوبة على أولئك الذين يعيشونها ويشهدون الهلع والخوف، وساعات انهيار الإنسان أمام ضراوتها من غير حملة السلاح، الذين وضعتهم الظروف أو ربما اختاروا طواعية أن يكونوا شهوداً عليها، وأن يتقدموا الصفوف تحت ''الراية البيضاء'' لمعالجة آثارها البشعة التي تخلفها لحظات الجنون الإنساني على الضحايا وبخاصة الأطفال، حتى أولئك الذين لا يعرفون -بحكم صغر سنهم- ما هي الحرب وما معناها، ناهيك عن أسبابها ومسبباتها التي تعجز عقولهم الصغيرة عن مجرد إدراك معنى كلمات مثل أسباب ومسببات· بتلك الكلمات افتتحت البروفيسورة ''سامانثا نيوت'' -أستاذة طب الأطفال المساعد في كلية الطب بجامعة تورنتو، ورئيسة الجمعية الطوعية ''طفل الحرب-كندا'' لقاءها الصحفي المطول الذي أجرته معها ونشرته مجلة ''جامعة تورنتو''· والأستاذة ''سامانثا'' بدأت تجربتها بالحرب منذ اثني عشر عاماً ولاتزال طبيبة حديثة التخرج، وقتما سافرت لأول مرة ضمن فريق طبي بعثت به ''اليونسيف'' إلى الصومال· في مدينة ''بيداوا'' الصومالية واجهت الطبيبة الشابة أول حالة آثار جنون الحرب وما تخلفه على أجساد وأرواح الأطفال، والذي سيصبح فيما بعد، مجال تخصصها المهني، فمنحته كل وقتها وجهدها وتفكيرها، حتى أسست وجماعة من ''الإنسانيين'' أمثالها، جمعية ''طفل الحرب-كندا'' التي تعتبر الآن إحدى أكثر المنظمات غير الحكومية الكندية احتراماً وثقة بين المانحين· من الصومال امتد نشاطها الإنساني وشمل الكنغو وشمال يوغندا وأثيوبيا والعراق وسريلانكا، والآن دارفور· وتوسعت دائرة الجمعية التي بدأت بعضويتها وزوجها الطبيب أيضاً، لينضم إليها جمع كبير من المثقفين، الكتاب والصحفيين والفنانين والمحسنين بلا منٍ ولا أذى من خاصة وعامة الكنديين· وتميزت مشروعات الجمعية في أفريقيا بأنها ليست مشروعات اللحظة الراهنة، بل إن رعايتها للأطفال الذين يسعدهم الحظ ستظل تشملهم حتى يقفوا على أرجلهم ليعودوا ويصبحوا أعضاء فاعلين في مجتمعهم· والحرب التي تبدو بعيدة عن أميركا الشمالية والتي ظل الكثير من مواطنيها يجهلون -وما زالوا فيما أظن- أين هي الكنغو تلك ودارفور، خلقت في السنوات الأخيرة رأياً عاماً تجاوز تلك الأنانية السطحية التي تحصر الإنسان في هموم حياته الشخصية المباشرة، وبدأت تشكل رأياً عاماً يرى أن المسؤولية الأخلاقية والمبدئية الإنسانية تلزم البشر أن يتضامنوا من أجل حماية المدنيين الضعفاء الذين هم دائماً ضحايا الصراعات المسلحة المسيسة عقائدياً أو عرقياً أو اقتصادياً· في هذا المعنى تقول البروفيسورة ''سامانثا نيوت'': إننا لا نستطيع أن نقول فقط لسنا طرفاً في هذه الصراعات الوحشية التي تدور بين الأفارقة بعضهم بعضا، فنحن مشتركون ومشاركون فيها شئناً أم أبينا، ليس فقط بالنوايا المضمرة، إنما بإمدادات السلاح وبالسياسات السيئة التي تشجعها وتغذيها، والحديث عن المسؤولية الدولية لحماية المدنيين يصبح بلا معنى إذا لم يصحبه عمل على الأرض لتأكيده وتحقيقه، وبين كل الضحايا المتعددين للحروب الأهلية المدمرة، فإن الأطفال هم الأحق بالرعاية والاهتمام والعمل الجاد لتوفير أسباب الأمن والحياة والمستقبل لهم· وعندما تُسأل عن خلاصة تجربتها والحكمة التي تعلمتها من حروب أفريقيا، تجيب: إن أي إنسان عاش وكان شاهداً حياً على تلك الحروب، ولمس بنفسه آثارها المادية والنفسية على ضحاياها، لن يعود بإمكانه أن يستمر في حياته التي كانت عادية قبل دخوله تلك التجربة المرة المذاق·· ستظل دائماً ملازمة له، وستدفعه دائماً إلى السؤال كإنسان: ماذا كان وسيكون دوره في إنهاء هذه المأساة البشرية الدامية والقاسية؟ ولن تعود الحياة بالنسبة له كما كانت بالأمس، إن لم يفعل شيئاً ولو بسيطاً من أجل أطفال الحرب ضحايا جنون الكبار!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©