الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بورما.. القنبلة البوذية على وشك الانفجار

بورما.. القنبلة البوذية على وشك الانفجار
27 سبتمبر 2007 00:50
خلافا للصورة التقليدية التي تظهر البوذية كديانة تتعفف عن التدخل في الشأن العام، تشير الأحداث الأخيرة في بورما، إلى أن تلك الصورة تنطوي على مغالطة كبيرة· فهناك حيث يدين ثلثا السكان بالبوذية، تلعب تلك الديانة دوراً مستمرا على الساحة السياسية، وهو ما يجعل من المظاهرات التي يقودها الرهبان البوذيون في شوارع بورما أمراً بالغ الأهمية· الواقع أن البوذية كانت دائماً أحد المكونات الأساسية للقومية البورمية، لذا استخدمها القادة السياسيون من جميع ألوان الطيف لاكتساب الشرعية وتعزيز مكانتهم· وأصبح تقلد المناصب العليا سواء في الجيش، أو في الحكومة يتطلب اعترافا علنيا بالعقيدة البوذية، ليظل الرهبان والطلبة الشريحتين الأكثر أهمية في المجتمع البورمي والأكثر احتراماً من قبل الحكومة بالنظر إلى القوة الأخلاقية التي يمتلكانها، وإذا ما قررت الحكومة في وقت من الأوقات قمع تحركاتهم فهي تغامر بدفع الثمن غالياً· يدرك النظام العسكري الحاكم في بورما -يطلق عليها النظام اسم ميانمار- قوة الرهبان والمكانة الكبيرة التي تحتلها البوذية في الحياة العامة ومدى تأثيرها في الأوساط الشعبية· لذا جاء رد فعل النظام على المظاهرات الاحتجاجية التي شارك فيها رجال الدين بكثافة محسوباً إلى أبعد درجة، تفادياً لتدهور الوضع والمس بصورة المؤسسة العسكرية· وكانت المظاهرات قد بدأت في 19 من شهر أغسطس الماضي، بعدما أقدمت الحكومة على رفع أسعار الوقود، وتلا ذلك مظاهرات كبرى جرت يوم الأحد الماضي، شارك فيها ما يقرب من 10 آلاف راهب، جابوا خلالها شوارع مدينة ''يانجون'' بالإضافة إلى مدن أخرى، مبدين تضامنهم مع الناشطة الديمقراطية المعتقلة ''أونج سان سوكي'' وملوحين بلافتات كتب على أحدها ''الحب والطيبة سينتصران على ما سواهما''· مع أن البلاد لم تشهد طيلة العقد ونصف العقد الأخير مظاهرات للرهبان البوذيين، إلا أن احتجاجاتهم قبل ذلك ضد الحكومات المتعاقبة تعود إلى الفترة الاستعمارية، فعندما احتل البريطانيون بورما في الحرب الإنجليزية البورمية الثالثة (1885-1886)، ألغوا الدور الذي كان يضطلع به نظام التراتبية البوذية في بورما، وهو ما أدى إلى نسف التماسك التنظيمي للبوذية· لكن مع ذلك لم يستطع البريطانيون القضاء عليها كدين، وحتى من دون ترابية تنظيمية على غرار الكنيسة ظلت البوذية حاضرة بقوة في المجتمع· ومع دخول المسيحية إلى إدارة الدولة بسبب التواجد البريطاني، انتفض البوذيون واعتبروا أنفسهم شهداء للدفاع عن هويتهم، مؤثرين الموت في السجون التي أقامتها السلطات البريطانية في بورما· ومنذ ذلك الحين والبوذية توظف في الحياة السياسية والعسكرية، حيث لجأ رئيس الوزراء المدني ''يو نو''، وهو بوذي متدين، إلى توظيف البوذية للفوز في انتخابات 1960 بعد تعهده بجعلها الدين الرسمي للدولة، ليصبح تقليداً لدى السياسيين والعسكريين -فيما بعد- بناء المعابد البوذية كرمز لتدينهم وحفاظهم على الهوية الدينية التي يتمسك بها البورميون· وهكذا أقام رئيس الوزراء الأسبق ''يو نو'' معبد السلام في أوائل الخمسينات، كما شيد الجنرال ''ني وين'' معبداً آخر في السنوات التالية مثلما فعل بعده العديد من الضباط العسكريين· وليس هذا الاهتمام الكبير بتشييد المعابــد مجــرد تدين شخصي، بل هــو أيضــا محاولـــة مــن قبــل الفاعلين السياسيين لاكتساب المزيد من الشرعية· ويمكن الإشارة أيضا في سياق الحديث عن تأثير البوذية في الحياة السياسية ببورما إلى الحضور الكثيف للمسؤولين في صور تبرز تدينهم· فتقريباً تظهر كل يوم في الصحيفة الرسمية صور القادة السياسيين وهم يعبرون عن احترامهم للرهبان ويبدون تقديرهم للبوذية، كما تحرص المؤسسة العسكرية على إظهار الاحترام اللائق بالبوذية وتعلن دعمها غير المنقطع لها· ولا شك أن جزءا من ذلك يعزى إلى الإيمان الشخصي، لكن يبقى الخوف من قدرة الرهبان على إثارة الناس والتحريض على العصيان عاملا آخر إضافياً· ورغم المراقبة التي يخضع لها النظام الديني البوذي من قبل الدولة وتنظيم المواد التي تدرس في المعاهد الدينية، تبقى الرقابة عاجزة عن الوصول إلى المعاهد الدينية الخاصة، أو إلى الرهبان الشباب الذين شارك العديد منهم في المظاهرات الأخيرة· وإدراكاً من النظام العسكري للخطورة التي يمثلها الرهبان في إثارة الرأي العام لا يتردد في استخدام العنف لقمع المظاهرات على غرار التدخل القاسي للنظام في العام ،1990 بعدما تظاهر مجموعة من الرهبان في شوارع مدينة ''ماندلاي''، ما أدى إلى اعتقال العديد منهم وهدم بعض المعابد· بيد أن ردة فعل النظام العسكري جاءت مختلفة هذه المرة، حيث أحجمت الحكومة عن استخدام القوة العسكرية مباشرة لقمع المتظاهرين· صحيح أن النظام العسكري الحاكم قادر على إخماد المظاهرات ووقفها نهائياً، لكنه متخوف من الضرر الذي سيطال صورة الجيش سواء في الداخل، أو على الساحة الدولية، إضافة إلى إدراكها أنه من غير المرجح أن تؤدي المظاهرات الحالية إلى إسقاط النظام، إلا في حالة تصرف الحكومة بتهور· والواقع أن التغيير في بورما آت لا محالة، لكنه عندما يأتي سيكون على يد عناصر من داخل الجيش تهمها صورة الجيش ويقلقها ما قد يلحقه من ضرر وسمعة سيئة· أستاذ في كلية العلاقات الخارجية بجامعة جورج تاون الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©