في مطلع القرن السابع الهجري ''13م'' كانت خلافة الموحدين التي حكمت الغرب الاسلامي بأسره آخذة في الضعف وهو ما أتاح الفرصة للأمراء المستقلين للانفراد بحكم ما تبقى من مدن الاندلس، أما في الشمال الافريقي فقد أخذت القبائل التي كانت تدين بالولاء للموحدين في الاستقلال بما تحت ايديها من مناطق ونشبت النزاعات بين القبائل وهي تسعى لتوسيع ممتلكاتها·
وفي خضم الحروب القبلية التي رافقت تدهور دولة الموحدين برزت قبيلة ''هنتانة'' وكان شيخ هذه القبيلة الشيخ أبوحفص عمر أحد التابعين والمريدين البارزين للمهدي محمد بن تومرت الزعيم الديني ومؤسس الدولة الموحدية· وظل بنوحفص يحكمون افريقية ''تونس'' كنواب عن خلفاء الموحدين الى أن أعلن أبوزكريا يحيى الحفصي استقلاله عن الموحدين في عام 627هـ ''1230م''·
وعندما تولى أبوعبدالله محمد المستنصر بالله حكم الدولة الحفصية بعد وفاة مؤسسها يحيى أحدث تطورا سياسيا مهما، إذ أعلن نفسه خليفة للمسلمين وتلقب بأمير المؤمنين وأرسل له أهل مكة بيعتهم بالخلافة واعترف جيرانه من بني مرين بخلافته، بيد أن الخلافات العائلية اخذت تدب في أوساط الأسرة الحفصية على ايام الخليفة الواثق بالله، إذ أرغم على التنازل عن الخلافة لعمه أبي اسحاق ولكن الأخير طرد من تونس بعد ثلاث سنوات على يد مغتصب جديد للحكم هو ابن أبي عمارة·
وما لبث أمير حفصي أن استعاد السيطرة على ممتلكات أسرته وهو أبوحفص عمر ومن ثم عادت الخلافات الأسرية الى الاشتعال، وزاد الطين بلة اعتداء الدولة المرينية على ممتلكاتها في بجاية وتونس وقسنطينة الى أن نجح الأمير أبوالعباس ومن بعده ابنه ''أبوالفوارس'' في الاستيلاء على كل مدن الجزائر وتونس وضمها لحكم الخلافة الحفصية·
وفي أواخر أيام الحفصيين ابتلي المغرب بالمجاعة والطاعون واستولت اسبانيا على بجاية وطرابلس الغرب وطرد محمد الحسن من تونس على يد خير الدين برباروسا باشا الجزائر العثماني في عام 941هـ·
طراز الموحدين
أما النقود التي ضربها الحفصيون فقد اشتملت على كل الوحدات النقدية التي اعتاد الموحدون ضربها وهي الدينار المضاعف والدينار العادي وأجزاء الدنانير فضلا عن النقود الفضية التي لم يصلنا منها إلا النزر اليسير· وأشار ابن خلدون الى قيام المستنصر بالله الاول بضرب نقود نحاسية عرفت باسم المندوس وإن لم يصل الينا أي من قطعها·
واتخذت النقود الذهبية الحفصية ذات الطراز الموحدي ولكن تميزت بأن كتابات مركزي الوجه والظهر كانت محصورة داخل ثلاث مربعات تحيط بها بينما تحيط بالوجه والظهر من الخارج دائرتان متوازيتان·
وتفصح دنانير يحيى الاول عن اعترافه بالسلطان السياسي للموحدين حتى انه لم يسجل عليها اسمه مكتفيا بتسجيل اسم المؤسس الاول للدولة الموحدية ''عبدالمؤمن بن علي'' مع الاشارة الى ايمانه بعقيدة الامام المهدي· فعلى مركز الوجه ''الواحد الله/ محمد رسول الله/ المهدي خليفة الله'' وعلى هامشه ''بسم الله الرحمن الرحيم/ صلى الله على محمد/ والهكم إله واحد/ لا إله إلا هو الرحمن الرحيم''·
أما الظهر ففي مركزه ''أبومحمد عبدالمؤمن/ أمير المؤمنين/ الحمدلله رب العالمين'' وفي الهامش ''وما من إله إلا الله/ وما بكم من نعمة فمن الله/ وما توفيقي إلا بالله/ وأفوض أمري الى الله''·
وفي اواخر ايام يحيى أخذ يسجل اسمه على النقود مع ألقاب المهدي وإن اكتفى بلقب الامير الآجل، وجاء اختفاء اسم عبدالمؤمن بن علي ليؤكد الاستقلال السياسي للحفصيين·
وضرب أبوعبدالله محمد بن يحيى الدنانير الذهبية بين عامي 647هـ و650هـ على نفس طراز دنانير والده، ناعتا نفسه بالامير الآجل، ولكنه غير هذا الطراز فور اعلانه الخلافة وتسميته المستنصر بالله، فعلى مركز الوجه ثلاثة أسطر ''المهدي/ خليفة الله/ الشكر لله'' وفي الهامش ''بسم الله الرحمن الرحيم/ صلى الله على سيدنا محمد/ لا إله إلا الله/ محمد رسول الله''·
أما الظهر ففي مركزه ''ابوعبدالله/ بن الامراء/ الراشدين'' وفي الهامش ''المستنصر/ بالله المنصور/ بفضل الله/ أمير المؤمنين''·
وأحدث خليفته أبوزكريا يحيى الثاني بعض التعديلات الطفيفة، إذ أضاف عبارة ''الحول والقوة بالله'' في كتابات الوجه مع اضافة اسمه وألقابه في هامش الظهر ''الواثق بالله/ المؤيد بفضل الله/ أمير المؤمنين''·
وظل هذا الطراز متبعا في نقود الحفصيين بعد ذلك مع التغييرات الضرورية في اسماء الخلفاء وألقابهم وبعض التعديلات الطفيفة·
وقام أبواسحاق ابراهيم بإضافة لقب ''المجاهد في سبيل الله'' مع اكتفائه بلقب الأمير الآجل عوضا عن التسمي بإمرة المؤمنين·
وعلى هذا المنوال واصل الحفصيون إصدار نقودهم الذهبية مع عناية الأمراء والخلفاء بتسجيل اهتمامهم بأمر الجهاد نظرا لكثرة حروبهم ضد اساطيل الدولة الاوروبية في حوض البحر المتوسط·
والنقود الفضية على ندرتها سلكت في البداية الطريق نفسه فجاءت شبيهة بنقود الموحدين الفضية من حيث اشتمالها على عبارات دينية مع الاشارة للامام المهدي ولكنها أخذت بعد ذلك في تسجيل اسماء الحكام وسنوات وأماكن الضرب مع استخدام الارقام عوضا عن تسجيل ارقام السنوات بالحروف العربية، وأغلب العملات الفضية من ضرب تونس في القرن العاشر الهجري ''16م''·
نقود محمد السادس
تعتبر نقود محمد السادس ''أبوعبدالله محمد الحسن'' خاتمة السكة الحفصية· إذ بعد وفاته عام 948هـ لم تترك أحداث الهجمات الحربية للاوروبيين والأتراك العثمانيين الفرصة لأي أمير حفصي للقيام بسك عملات خاصة·
وسجل محمد السادس اسمه في مركز الظهر على هذا النحو ''أبوعبدالله محمد/ الحسن أمير المؤمنين/ ابن أبي عبدالله محم
عدد اليوم
