الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فضاء الوقف

26 سبتمبر 2007 22:07
تُقاس قوة الحضارة، أي حضارة، بمدى احترامها للإنسان وكرامته، مهما كان مركزه· وهذا المعيار واحد من معالم الحضارة الإسلامية التي ترعى الإنسان لمجرد كونه بشراً، حتى لو كان خادماً، فهو عضو في المجتمع الإسلامي، يجب أن يعيش مكرماً ويُضمن له حد الكفاية· ونظام الوقف واحد من أعمدة الحضارة الإسلامية، بل إنه شكّل جانباً من الطاقة المادية لاستمرارها، وهو ابتكار إسلامي أصيل، يقوم على فكرة الصدقة الجارية التي تضمنها الحديث النبوي ''إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له''· أخرجه مسلم· وقد تفنن المسلمون على مدى التاريخ في المجالات التي يخصصون لها أوقافهم، فقد غطت ميادين التعليم، والصحة، وبناء المساجد، ورعاية الأيتام، وتحفيظ القرآن، وتوفير الطعام والماء للمحرومين، وإنشاء الأسبلة والتكيات لعابري السبيل· وشملت أوقاف المسلمين مجالات لا تخطر علي بال أحد، وأعجب ما سجله تاريخ الوقف المجيد، أن أحد الأغنياء قد خصص وقفاً لمنع الأذى عن الخدم، حيث كان بعضهم يلاقي عقابا شديدا إذا تسبب في كسر الأطباق أو أواني الطعام الخاصة بمخدوميهم، فخصص هذا الثري مالاً يوقف للتعويض عن الأطباق والأواني التي يكسرها الخدم في البيوت التي يعملون بها، فما على الخادم إلا إحضار الطبق المكسور، ليأخذ آخر سليما بدلا منه، وبذلك يفلت من عقاب سيده· حدث ذلك في وقت لم تكن فيه الدول تسن قوانين لحماية حقوق الخدم، كما فعلت دولة الإمارات· وإذا استثنينا دولتنا التي سنت هذا القانون، فلا أدري كم من المجالات التي تحتاج من الأثرياء في منطقتنا، وقف أموالهم عليها، لحماية الخدم، أو بالأحرى الخادمات من ألوان العقاب المستحق وغير المستحق الذي يتعرضن له؟ بل امتدت مجالات الوقف لتشمل الحيوانات مثل رعاية الدواب وإنشاء أسبلة خاصة بها توفر لها الماء على الطرق، والأكثر من ذلك أن أحد الأثرياء خصص وقفاً لرعاية الحيوانات المتقدمة في العمر وخاصة الخيول، فقد كان المعهود أن الخيول عندما يتقدم بها العمر تُقتل، مما دعا أحد أهل الخير الى أن يوقف مالاً لرعاية الخيول التي لم تعد تصلح لأداء مهامها· إلى هذا الحد اتسع فضاء الوقف وساهم في بناء الحضارة الإسلامية·· ومن هذا المنطلق نحيي ونقدر المبادرة المباركة التي أطلقتها الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف لإحياء هذه السنة الحميدة، والتي تتمثل في حملة الوقف التي يرعاها الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة تحت شعار ''نبَتَ في الأرض وأثمَرَ في السماء''· وندعو الجميع في هذه الأيام الفاضلة التي يتضاعف فيها الأجر، إلى تفعيل هذه الحملة من خلال المشاركة فيها، كل على قدر استطاعته، خاصة وأنها تتضمن العديد من المجالات التي تستوعب مختلف الإسهامات كثرت أو قلت، بما يتيح لكل أفراد المجتمع أن يسهموا في تنمية أوقافهم، سواء ما كان منها لرعاية الأيتام أو لمساعدة الطلاب على الدراسة أو لطباعة القرآن الكريم أو وقف الأب أو وقف الأم، أو مصرف المساجد، فلا شك أن أفضل استثمار هو أن نستثمر دنيانا لآخرتنا· تُضاف هذه المبادرة إلى رصيد المبادرات العديدة التي انطلقت من هذه الأرض الطيبة لتعيد تفعيل الكثير من قيمنا الأصيلة التي توارت في مجتمعاتنا الإسلامية المعاصرة، تحت بريق الغريب والمستورد· وربما لتعوضنا عن الكثير من الأطباق المعنوية التي انكسرت منا في غفلة من الزمن، أو اختفت في زحمة الأطباق اللاقطة التي تعلو أسطح المنازل· Ayounis99@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©