الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شركات الأمن الخاصة: السلامة بأي ثمن ... للأميركيين

شركات الأمن الخاصة: السلامة بأي ثمن ... للأميركيين
25 سبتمبر 2007 23:43
''بلاكووتر''·· اسمها يدل عليها· حين نذكر اسم هذه الشركة التي تعني ''المياه السوداء''، تقفز فورا إلى أذهاننا صور الخطر المحدق، والجوارح المتربصة، والرعب الليلي· كما عُرفت شركة الأمن الخاصة هذه منذ قدومها إلى العراق لحماية ''ائتلاف السلطة المؤقتة'' في عهد ''بول بريمر''، وذلك حين قتل موظفوها 11 عراقيا، وأصابوا 13 آخرين بجراح أثناء مرافقتهم لموكب دبلوماسي عبر بغداد· عندما وصلت إلى العراق في سبتمبر 2004 كمسؤول إعلامي مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، التقى بي في المطار حراسٌ شخصيون من شركة ''كرول''، ممن يبدو أن شعارهم هو ''في الخطر توجد الفرص''، وكانوا بريطانيين وإيرلنديين ممن شاركوا في الحرب الأهلية في إيرلندا الشمالية، وبعد وصولنا إلى المنطقة الخضراء، بدا لي واضحا أن حماية المدنيين الأميركيين تشكل جزءا من تعليمات سامية؛ إذ يسود الاقتناع بأن الجيش القائم على أساس التطوع يستطيع تحمل الإصابات، ولكن الكونجرس لن يقبل أبدا رؤية مدنيين أميركيين تُبث صور قطــع رؤوسهم على القنوات التلفزيونية العربية· في الأوضاع التي تعقب النزاعات، يعمل هؤلاء الموظفون الأمنيون عادة مع حرس البحرية والشرطة المحلية التابعين للسفارة الأميركية، والحال أن وجود الشرطة في العراق حين زرته بالكاد كان يلاحَظ؛ أما الوحدات العسكرية الأميركية، فقد كانت منهكة ومجهدة إلى حد الانهيار· والواقع أن الشركات التي تمتلك عقودا حكومية في العراق لا تجد مشقة في توظيف أشخاص لديهم تجربة عسكرية أو تجربة في فرض القانون، فمعظم الموظفين الأمنيين -يعتقد أن عددهم في العراق عشرين ألفا- ينتمون إلى الريف الأميركي، حيث يحصل نائب الـ''شيريف'' الأكثر حظا على راتب 40000 دولار سنويا، في حين يستطيع الحراس الشخصيون الغربيون كسب ما بين 2000 و4000 دولار في الأسبوع عبر العمل مع واحدة من شركات الأمن الخاصة السبع والثلاثين المسجلة لدى وزارة الداخلية· أما العمل مع ''بلاكووتر'' -التي تدفع للحراس الشخصيين المكلفين بحماية السفير الأميركي 1000 دولار في اليوم- يعد بالنسبة للكثيرين فرصة العمر· وعليه، فإن الهدف الرئيسي الوحيد للحراس الشخصيين المكلفين بحماية المدنيين الأميركيين هو: ''اسهروا على عودتهم أحيــاء''؛ أما العراقيون الأبرياء الذين قد يأتــــون في طريقهـــم، فإنمــا يجازفون بأنفسهم· في عام 2005 عندما خسرت ''كرول'' العقد الأمني لصالح ''داين-كورب'' -شركة عسكرية خاصة يوجد مقرها بفرجينيا تبلغ عائداتها السنوية 2,3 مليار دولار- تحولت تكتيكات الحماية خارج المنطقة الخضراء إلى ما هو أشبه بالمناورات العسكرية· فخلال زيارة لي إلى محطة للطاقة جنوب بغداد في شهر مارس مثلا، رافقت طائرةٌ مروحية قافلتنا المكونة من ثلاث سيارات· ولكن حين كنا في طريق العودة، دهست إحدى السيارات الثلاث مواطنا عراقيا كان يعبر الشارع ما بين سيارتين متوقفتين، ولم تتوقف· وعند عودتنا إلى المنطقة الخضراء، أخبرت عددا من الزملاء بما حدث، وسألتهم ما إن كان ينبغي عليّ أن أبلغ السفارة الأميركية بتصرف ''داين-كورب''، فكان الجواب: ''عدت سالما، أليس كذلك؟ فما هي مشكلتك إذن؟''· ولأن الحراس الشخصيين يتقاضون رواتبهم سواء غادروا المنطقة الخضراء أو لا، فإنهم لا يدخرون جهدا لجعل المغادرة مستعصية وشاقة؛ إذ لا يستطيع أي موظف بالسفارة الأميركية الذهاب إلى بغداد من دون إحداثيات خرائطية محددة حول الوجهة، والحال أن الحصول على هذه المعلومات صعب وعسير على اعتبار أن شبكتي الهاتف الخاصتين بالسفارة والجيش غير متطابقتين· أما الهواتف المتحركة والبريد الإلكتروني، فلم تكن تعتبر آمنة· والواقع أن الضحية الحقيقية لسياسة ''السلامة بأي ثمن'' هو برنامج التنمية الأميركي في العراق، فنظرا لأن رواتب الحراس الأمنيين الضخمة مرهونة بعدم تعرض المدنيين الأميركيين للأذى، فإن الحراس الشخصيين الذين يسهرون على أمن المدنيين الأميركيين كانوا يوقفون العمل لدى أدنى وأبسط مؤشر على الخطر· ونظريا، كانت مليارات الدولارات تُنفق شهريا على الطرق الجديدة وشبكة الصرف الصحي والمستشفيات والمدارس، غير أن معظم هذه الأشغال والمشاريع لم تكن تخضع للمراقبة خلال الحملات الانتخابية والعطلات -الأميركية والعراقية- ووقت ارتفاع مستوى التهديد· زعمت ''بلاكووتر'' الأسبوع الماضي بأن موظفيها كانوا يردون على نيران معادية؛ والواقع أن تحقيقا أوسع في هذه المأساة قد يبرئ المتورطين في القضية؛ غير أن غضب العراقيين بسبب وفيات الأسبوع الماضي من المرجح أن يبقى، لأن الكثير منهم مازالوا يتذكرون أن موظفي ''بلاكووتر'' أطلقوا النار في مايو 2004 على سائق سيارة أجرة وقتلوا الراكب الذي معه من دون سابق إنذار· في ،2003 كان يُنظر إلى الموظفين الأمنيين باعتبارهم فعالين وناجحين، غير أن العواقب غير المقصودة لهذا الافتراض تزداد وتتكدس بسرعة؛ ولذلك، فإنه حتى في حال لم تقم الحكومة العراقية بطرد ''بلاكووتر''، فإنه جدير بهذه الشركة الأمنية أن تستعد لمغادرة العراق· رئيس تحرير وكالة إيست-ويست للأنباء، قضى ستة أشهر في العراق مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©