السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إرادة الله

إرادة الله
25 سبتمبر 2007 23:08
قيل: إن رجلاً كان من شيوخ الكتاب يدعى الهبيري تعطل عن العمل، فتوجه إلى أحمد بن خالد وزير المأمون، باعتباره كان كاتبا في أول أمره ويعرف قدر الهبيري في الكتابة، وكان أحمد يستثقله، فتغافل عنه فصار الهبيري يلازم الوزير حتى أمر الوزير بحجبه، فصار يقف بدابته على باب بيت الوزير كل صباح حتى برم به الوزير، فدعا كاتبه وأمره أن يقابل الهبيري وأن يخبره أنه لا عمل له عند الوزير وأن الوزير لا يحب أن يراه، وعليه أن يمتنع عن المجيء إليه، بيد أن كاتب الوزير -لعلمه بقدر الهبيري- استحيا أن يبلغه الرسالة، فحمل معه خمسة آلاف درهم من ماله الخاص وتوجه اليه فقال له: إن الوزير يعرف قدرك ويبحث لك عما يناسبك من عمل ويرسل اليك هذه النفقة، فلا تتعب نفسك بالتردد عليه وسوف يبعث لك عندما يتيسر لك العمل· فلما سمع الهبيري ذلك استشاط غضباً وقال: جعلني أحمد بن خالد من الشحاذين والمستميحين؟ والله لا قبلت منه شيئاً، فتغيظ الكاتب وقال للهبيري: اسمع والله إن هذه النفقة ما بعث بها الوزير وإنما هي من مالي الخاص، جئت بها صيانة لك وله، أما الوزير فيبلغك كذا وكذا، وقص عليه أمر الوزير كاملا· فقال الهبيري: أما أنت فأحسن الله جزاءك، ولا أقبل مالاً منك ولا منه ولو مصصت الثماد، ولكنني أنشدك الله كما بلغتني رسالته تامة ان تبلغه رسالتي تامة، قال الكاتب: أفعل إن شاء الله· قال الهبيري: قل له: إنما أنت رجل قد صرت بابا لأرزاقنا إذ كنا لا نحسن صناعة إلا الكتابة، ولا بلوغ لنا لأعمالها إلا عن طريقك أنت ومن أراد دخول بيت أتاه من بابه· وعلى الإنسان ان يتعرض للرزق ويأتي بابه· وليس يمنعني استثقالك لي فإن قسم الله شيئاً من جهتك أو على يدك أخذته على رغمك، وإلا فلا أقل من ان أؤذيك برؤيتي كما تؤذيني بتعطلي! بيد أن الكاتب تحرج ان يبلغ الوزير هذا الرد· وفي الصباح -وإذا الوزير في سبيله للخروج من منزله والكاتب معه- فإذا الهبيري واقف على دابته، فغضب الوزير غضباً شديداً وتوجه لكاتبه، وقال له: اما أمرت ان تتوجه الى هذا الرجل ليمتنع عن المجيء؟ قال: بلى ولكن حدث أمر سأخبرك به عندما تستقر في ديوان الوزارة· ولما دخل مكتبه سرد عليه الأمر كاملاً فكاد يتميز من الغيظ، ثم توجه الى دار الخلافة وهو لا يفكر الا فيما قاله الهبيري، وكيف يؤدبه على ذلك، فوقف بين يدي الخليفة الذي ابتدره بأن عامل مصر قد خان الأموال، وأمره ان يختار رجلاً شهماً ليكون مشرفاً عليه، وكان من أصدقاء أحمد بن خالد رجل يدعى الزبيري فأراد ان يذكر اسمه مرشحاً لهذا الأمر، فأخطأ وقال إني أرشح الهبيري، وذلك لانشغال ذهنه بالهبيري، فقال الخليفة وهل الهبيري لم يزل على قيد الحياة؟ قال ابن خالد: يا أمير المؤمنين لم أرد الهبيري وإنما أردت فلان بن فلان الزبيري، قال الخليفة: يجوز ان تكون أردت ذلك، ولكن هل الهبيري لم يزل حياً؟ فقد كانت لي به حرمة في حياة أبي الرشيد، قال أحمد: نعم هو يعيش· قال: فأنفذه الى مصر في هذه الوظيفة· قال إنه لا يصلح· قال: ولم؟ قال: لأنه اختل· قال: أحضرنيه حتى أشاهده، فإن كان قد اختل أمرت له بصلة وراتب، وإن كان صالحا بعثناه في ذلك العمل· قال: يا أمير المؤمنين انه متعطل منذ أمد ولا يصلح لهذا العمل· ثم قال: إن حاله لا ينهضه لهذا الأمر· قال: يطلق له من مالنا مائة ألف درهم لإصلاح حاله ويحمل اليه من الخيل ما يعينه· فأخذ أحمد يجادل، فقال له المأمون: أرى فيك تحاملا عليه فلتصدقني عن أمره وما زال به حتى قص عليه قصته كاملة· فقال له المأمون: قد والله أجرى الله عز وجل رزقه على يديك بالرغم منك كما قال، واكتب له عهد العمل الآن وأوصل له جميع ما أمرت له به· فخرج أحمد فوجد الرجل فقال له: يا هذا قد جاء رزقك والله على يدي بالرغم مني وسلمه العهد وما أمر به الخليفة له·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©