آخر علامات الانتصار وأول مؤشرات الاندحار جاءت مع دولة الموحدين التي تعد آخر دولة مغربية كبرى تفرض سيطرتها على الشاطئ المغربي والشاطئ الاندلسي، ونشأت هذه الدولة بالمغرب في القرن السادس الهجري 12م على خلفية دينية محورها محمد بن تومرت الذي اعلن نفسه اماماً، وتلقب بالمهدي تحت الزعم بأنه مرسل من الله لتحطيم البدع ونصرة الايمان الصحيح، ولذا اطلق على تلاميذه اسم ''الطلبة'' وعلى اتباعه اسم الموحدين، وبعدما ذاعت دعوته وكثر أتباعه دخل المهدي لمناهضة المرابطين والنضال ضدهم، وأباح للناس اموالهم ودماءهم لمروق أمراء المرابطين عن جادة الدين، وتوفي المهدي قبل أن يفلح الموحدون في الحاق هزيمة حاسمة بالامير المرابطي العنيد علي بن يوسف، ولكن خليفته عبدالمؤمن علي نجح في القضاء على دولة المرابطين سنة 541هـ 1147م، وبسط نفوذه على المغرب بأسره حتى حدود برقة، كما استولى على الاندلس ايضاً، وصارت له الخطبة على منابر المساجد·
ويعتبر أبويعقوب يوسف بن عبدالمؤمن آخر حكام الموحدين الاقوياء، وقد نجح في انزال آخر هزيمة بملوك قشتالة بالاندلس عندما انتصر على ألفونس الثامن في موقعة الارك الشهيرة عام 591هـ 1194م، وتلقب بعدها بالمنصور بالله، ولكن لقب ابنه محمد الناصر لم يجد نفعاً عندما واجه القشتاليين في موقعة العقاب سنة 609هـ 1212م، فلحقت بالموحدين هزيمة موجعة كانت ايذاناً بنهاية قوة المسلمين بالمغرب والاندلس، وظلت من بعدها دولة الموحدين تتداعى حتى انهارت كلياً في سنة 668هـ 1299م·
مرونة نقدية
وضرب الموحدون نقودهم من معدني الذهب والفضة، واتسمت سياستهم النقدية بمرونة واضحة حيث تعددت فئات الإصدارات النقدية لتلبية جميع احتياجات التداول بالاسواق، فمن النقود الذهبية ضرب حكام الموحدين اربعة أنواع، وهي: الدينار المضاعف، وكان يزن حوالي 4,70 جرام، والدينار كان يزن 2,48 جرام، ونصف الدينار 1,66 جرام، وربع الدينار·
وتميزت النقود الذهبية للموحدين بتصميم مبتكر طفق يتكرر في نقود دول المغرب بعد زوال دولتهم بل امتد تأثيره ايضاً الى الشرق الاسلامي، ففي نقودهم تلك اصبحت كتابات المركز المرتبة في أسطر افقية متوازية محاطة بمربع أو أكثر، ويحيط بالمربع من الخارج دائرة أو اكثر، وتلامس الدائرة المربع في أركانه مكونة اربع مناطق نقشت بداخلها كتابات الهامش·
ومن أوائل الدنانير التي اصدرها عبدالمؤمن بن علي قطعة جاءت خالية من تاريخ سكها، كما ظل متبعاً في دنانير الموحدين بعد ذلك، ولم يذكر فيها اسم دار الضرب التي سكت بها·
وسجل في مركز الوجه ثلاثة اسطر ''لا اله الا الله/ محمد/ رسول الله''، ونقش في الهامش ''بسم الله الرحمن الرحيم/صلى الله على محمد/ وآله الطيبين/ الطاهرين''·
أما الظهر فقد سجل في مركزه ''المهدي امام/الامة القائم/بامر الله''، وكانت هذه الاسطر الثلاثة بمثابة عقيدة وشعار الموحدين، بينما نقش بالهامش ''ابومحمد عبد/المؤمن بن علي/ امير المؤمنين/الحمدلله رب العالمين''، وفي ذلك ما يوضح ان حكام الموحدين اتخذوا لانفسهم ألقاب الخلافة ولم يعتبروا أنفسهم تابعين لخليفة بغداد، كما فعل المرابطون من قبلهم·
ولكن أولاد عبدالمؤمن تحرجوا من انتحال صفة امير المؤمنين سواء في حياته أو بعد وفاته فنرى أبا يعقوب يوسف ''580هـ ' يستخدم لقب الامير الاجل/ابويعقوب/ابويوسف بن امير المؤمنين·
الدينار المضاعف
وعندما جاء السلطان أبويوسف يعقوب صاحب الانتصار في موقعة الارك أصدر الدينار المضاعف، فجاء ذلك- حسب المؤرخ ابن عفاري- جامعاً بين الفخامة والنماء والطيب وشرف الانتماء، وقد اتسع قطر الدنانير المضاعفة الى تغييرات في كتاباتها، فأصبح الوجه مزدحماً بكتابات مركزية من خمسة اسطر ''بسم الله الرحمن الرحيم/ والحمدلله وحده/ لا إله الا الله/محمد رسول الله/ المهدي إمام الأمة''، وتغيرت كتابات الهامش لتصبح ''وإلهكم إله واحد/لا إله إلا هو الرحمن الرحيم/ وما بكم من نعمة فمن الله/ وما توفيقي الا بالله''·
بينما سجل بمركز الظهر ''القائم بامر الله الخليفة/ ابومحمد عبدالمؤمن بن علي امير المؤمنين/ امير المؤمنين/ابويعقوب/ يوسف بن امير المؤمنين''، وعلى الهامش ''امير المؤمنين/ ابويوسف يعقوب/ بن امير المؤمنين/ بن امير المؤمنين''·
والحقيقة أن وجه الدنانير الموحدية منذ عهد أبي يوسف يعقوب اصبح اشبه ما يكون بسرد لنسب كل خليفة وصولاً الى عبدالمؤمن مع تكرار مثير للقب امير المؤمنين وكأنه تشديد على أحقية حكام الموحدين بالخلافة، وعندما ضاقت كتابات الظهر بالانساب المتزايدة تم تسجيل اسم الخليفة محمد الناصر بالوجه عوضاً عن الاقتباس القرآني وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، على الرغم من حيوية هذا الاقتباس في التدليل على مبدأ التوحيد الذي عرف الموحدون به عند اطلاق دعوة محمد بن تومرت·
وإلى جانب النقود الذهبية بفئاتها المختلفة قد أصدر خلفاء الموحدين النقود الفضية التي اتخذت هيئة مربعة وصدرت بفئات الدرهم والنصف والربع والثمن، وتوزعت دور ضربها على خريطة الدولة من تونس شرقاً وحتى مدن إشبيلية وقرطبة وملقا وبلنسية بالاندلس·
اسماء الحكام
جاءت كتابات النقود الفضية أكثر اختصاراً قياساً بما كان يسجل على المسكوكات الذهبية، وحمل بعضها اسم المهدي محمد بن تومرت فقط حتى بعد وفاته، مثلما نرى في درهم فضي سجل على وجهه كتابة مركزية من ثلاثة اسطر متوازية 'لا اله الا الله/الامر كله لله/لا قوة الا بالله''، ويقابلها على الوجه الثاني ثلاثة اسطر ''الله ربنا/محمد رسولنا/المهدي امامنا''، وحملت أغلب الدراهم اسماء الحكام أو ولاة العهد دون الحاجة الى الاسترسال في ذكر بقية نسب الاسرة الموحدية·
عدد اليوم
