الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشريعة والفكرة الجماعية

الشريعة والفكرة الجماعية
25 سبتمبر 2007 00:14
من الأموال التي لا يمكن إنشاء ملكية فردية عليها ما آلَ ملكيته للدولة من الأفراد، فهذه تبقى مملوكة ملكاً جماعياً ولا يجوز إقطاعها لأحد حسب أرجح الآراء· وقد ورد عن أبي داود قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ''الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار''، وقيس على ما لا يتملك فردياً مصادر الطاقة كالكهرباء، والنبات يستوي فيه الرطب مع اليابس، والنار يستضاء بها وينتفع بلهبها· وألحق الإمام الشافعي -كما ذكر في كتابه ''الأم'' وغيره من العلماء- ما يبدو نافعاً من ثروات عامة توجد في الأرض وطلبه ممكن دون جهد ولا يحتاج إلى مؤنة مثل الكلأ في الصحراء· والحاكم لا يجوز له نزع ملكية فردية إلا لمصلحة عامة محددة وبتعويض عادل، وكل الأفكار السياسية التي تبعها ما يسمى بـ''التأميم'' وطبقت هي أفكار غريبة عن مبادئ الشريعة الإسلامية· وحقوق الأفراد عندما تنشأ الملكية الجماعية ليست صورية، فليس صحيحاً شرعاً أن يكون الفرد هو المالك الاسمي وأن ينعم الحاكم وبطانته بعوائد هذه الملكية، والفقهاء بحثوا وقالوا إن الأموال الموجودة في بيت المال مشاعة للأفراد وليست للدولة· وذكر الطبري قول سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه: ما أحد من المسلمين إلا وله في هذا المال حق أعطيه أو منعه· ومن هنا فإني أخلص -مع من خلص قبلي من مسلمين ومنصفين وغيرهم، مثل دوجي صاحب النظريات التكافلية المشهورة- إلى أن الفكرة الإسلامية الجماعية ما زالت متناثرة في الفتاوى والآراء ولم تظهر حتى الآن الظهور المصقول، فهي تكافل اجتماعي وتضامن متشابه، فالأفراد لهم حاجيات لا يمكن لهم أن يشبعوها إلا بالتواد والتراحم وتبادل الخدمات، فالحقوق لا تستند إلى إرادة الدولة بل إلى روابط التضامن وهى روابط أساسية تتبع ضمير الأمة، وهذه الروابط الاجتماعية متطورة ومتغيرة ومرنة، فالملكية وظيفة اجتماعية وليست حقاً مطلقاً، فهي وإن أعطت الفرد مزية التصرف فقد فرضت عليه الالتزام بالعمل· والأحاديث كثيرة في وصفها للمجتمع وقد قدمت بعضها، وبحمد الله نحن ننتسب إلى دين شريعته هي بالنسبة إلينا وازع نفسي يكسبنا قوة الالتزام الداخلي مع بعضنا البعض· إن الملكية الفردية في الإسلام نموذج للفكرة الجماعية الإسلامية والتي تطلق للفرد عنانه ثم توجهه لمصلحة جماعته· وليست الملكية الفردية هي الأنموذج الوحيد، فالعبادات صبغتها جماعية مثل الصلاة التي تمنع الفرد من الجرائم الاجتماعية والفحشاء والمنكر، ومن لم تمنعه صلاته عن ذلك فلا صلاة له، وصلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد، وكذلك الصوم يعلم الفرد كيف يحس بألم الجوع ويخلق فيه حاسة التآلف والتكاتف مع مجتمعه، والحج كذلك اجتماع سنوي عالمي ومما يتم فيه بحث مشاكل الشعوب الإسلامية، وهكذا الزكاة فيها تكليف اجتماعي في مال الفرد· والفكرة الجماعية أيضا تتجلى في تفريق الإسلام بين الذنب الذي يكون مجرد معصية لأمر الله دون أن يصيب أفراد المجتمع بأذى، ويجعل غفران الذنب الذي يضار الفرد منه المجتمع أشد صعوبة لتعلقه بحق عباد الله إلى جانب حق الله، والجرائم تتزايد عقوبتها بتزايد ضررها على المجتمع مثل أن يجاهر الفرد بالمعصية، فعلى سبيل المثال الجريمة قد يكون لها عقوبة وإذا ما جاهر الفرد وأهمل إخفاءها وأعلنها كانت عقوبته قاسية وشديدة، فمن يزني في غرفة وحده يعزره القاضي بمعرفته طبقاً للظروف المحيطة حتى مع وجود قرائن على فعلته مثل الفحص الطبي، لكن في حال عدم الاكتراث من الفرد وتهيأت لأربعة شهود أو أكثر الفرصة لمشاهدة الجريمة -الزنا- مشاهدة دقيقة وواضحة تتغير العقوبة إلى ما هو أعنف، وفي الحديث الذي رواه الإمام الشافعي في مسنده يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ''أيها الناس من ارتكب شيئاً من هذه القاذورات فاستتر فهو في ستر الله، ومن أبدى صفحته أقمنا عليه الحد''· والحريات الفردية للإنسان وحقوقه قد تصبح في المفهوم الإسلامي واجباً على الفرد إذا اقتضت مصلحة الجماعة ذلك، فحرية إبداء الرأي قد تصبح واجباً لحماية النفس والمجتمع من ضرر الآخرين· ويشهد لذلك حديث البخاري: ''مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا في سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا مروا على من فوقهم، فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً''· فالأمر هنا واجب قبل أن يكون حقاً· ختاماً أقول: إن الأماني كبيرة· فعلى كل غيور ألا يقف دونما استخراج كنوز الفكرة الجماعية في الإسلام، فهي كثيرة وثمينة وتحتاج إلى جهد في جمع شتاتها·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©