الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تولى مشيخة الأزهر مرتين وقاد معركة التطوير

تولى مشيخة الأزهر مرتين وقاد معركة التطوير
25 سبتمبر 2007 00:09
الإمام الاكبر مصطفى المراغي تولى مشيخة الأزهر في الخامسة والاربعين من عمره، وهو الشيخ الثلاثون للأزهر، وأصغر شيوخه على مر التاريخ، وهو الوحيد الذي تولى المشيخة مرتين مرة سنة ،1927 وأخرى سنة ،1935 ويعتبر أشهر مشايخ الازهر في العصر الحديث وأكثرهم جرأة وشجاعة وتصميماً على اصلاح الازهر وتحويله الى قلعة دينية علمية، وفي سبيل الازهر ومشيخته خاض معارك وصراعات بعضها وصل لدرجة التصادم والتلاسن مع رئيس وزراء مصر والملك فؤاد وابنه الملك فاروق، والناس يذكرون حتى اليوم رفضه ووقوفه بقوة في وجه الملك فاروق حينما طلب منه إصدار فتوى تحرم زواج الملكة فريدة بعد طلاقها منه، ويومها قال للملك: ''أما الطلاق فلا أرضاه، وأما التحريم بالزواج فلا أملكه، إن المراغي لا يستطيع أن يحرم ما أحل الله''· غير ان رفض الشيخ المراغي من فوق منبر الازهر مشاركة مصر في الحرب العالمية الثانية يعتبر الشاهد الأهم على مدى المكانة والقوة والتأثير لمشيخة الازهر على يديه، فبعد ان كانت مصر شعباً وملكاً وحكومة تسير في اتجاه تأييد الحلفاء والانجليز خصوصاً في الحرب العالمية الثانية طمعاً في الاستقلال جاء قول المراغي: ''إن مصر لا ناقة لها ولا جمل في هذه الحرب، وإن المعسكرين المتحاربين لا يمتان لمصر بأي صلة'' ليقلب الموازين ويحدث ضجة كبيرة هزت الحكومة المصرية، وأعلنت الحكومة الانجليزية قلقها، وطالبت مصر بإصدار بيان عاجل حول موقف الإمام المراغي باعتباره شيخ الأزهر من هذه الحرب ومن الحكومة الإنجليزية نفسها، وتوجه حسين سري باشا رئيس الوزراء المصري في ذلك الوقت الى الشيخ المراغي، وخاطبه بلهجة حادة، وطالبه بأن يحيطه علماً بأي شيء يريد أن يقوله فيما بعد وحذره من خطورة إحراج الحكومة المصرية، فرد عليه الامام المراغي غاضبا: ''أمثلك يهدد شيخ الأزهر؟''، وقال له: شيخ الأزهر أقوى بمركزه ونفوذه بين المسلمين من رئيس الحكومة، ولو شئت لارتقيت منبر مسجد الحسين، وأثرت عليك الرأي العام''، وفي النهاية انتصر المراغي، واجتمع البرلمان المصري ليقر عدم مشاركة مصر في الحرب العالمية الثانية· العالم الصغير الشيخ المراغي صعيدي الاصل والمنشأ ولد يوم 9 مارس 1881 ببلدة المراغة بمحافظة سوهاج، ومنها اتخذ لقبه، وفي كتابها حفظ القرآن الكريم، ثم التحق بالأزهر الشريف، وتلقى العلم على يد كبار علماء ومشايخ عصره، واتصل بالإمام محمد عبده، وانتفع بدروسه في التاريخ والاجتماع والسياسة، وتوثقت صلته به، وسار على نهجه في الإصلاح والتجديد فيما بعد، وتخرج الإمام المراغي في الأزهر بعد حصوله على الشهادة العالمية عام 1322هـ 1904م، وكان ترتيبه الأول على زملائه، وكان عمره آنذاك ثلاثة وعشرين عاماً، وهي سن مبكرة بالنسبة لعلماء الأزهر في ذلك الوقت، وفي سنة التخرج اختاره أستاذه الشيخ محمد عبده ليعمل قاضياً في مدينة دنقلة بالسودان، ومن دنقلة انتقل للخرطوم، غير أن اقامته في السودان لم تطل كثيراً وقضاها في صراع مع ''بونهام كارتر'' السكرتير القضائي لحكومة السودان بسبب مطالبة المراغي بالمساواة بين القضاة الانجليز والمصريين، وحينما رفض طلبه قدم استقالته وعاد الى مصر وعين قاضياً للقضاة من سنة 1908 حتى ·1919 وأثناء تولي الشيخ المراغي القضاء قامت ثورة 1919 وساندها بكل قوة وشجاعة وأرسل نداء بالاكتتاب للمصريين في السودان لمساندة ضحايا الاحتلال في مصر، واستطاع جمع ستة آلاف من الجنيهات، وهدده الانجليز بالنقل الى السودان، ولكنهم لم يفلحوا في اثنائه عن مساندة تلك الثورة· وبعد القضاء تولى المراغي عدداً من المناصب منها رئاسة المحكمة الشرعية، وفي مايو 1928 عين شيخاً للأزهرالشريف ليتبوأ المكانة الجديرة به، ففي تلك الفترة كان الطلاب الأزهريون يخوضون ثورة عارمة ضد الحكومة والانجليز وعندما توفي الشيخ الجيزاوي، وعين الشيخ المراغي لم يلق اختياره رضا العديد من المشايخ، حيث كان أول شيخ للأزهر من خارجه وظنوا به الظنون، وانتهز المغرضون من رجال الأحزاب المناوئة الفرصة فأثاروا الطلاب· واستمر الإمام المراغي في صراع دائم أربعة عشر شهرا وهي فترة يعتبرها كثيرون من أخطر فترات تاريخ الازهر وأجلها شأناً، فقد رفع الإمام المراغي مذكرة للقصر الملكي لاصلاح الأزهر، فرفضها القصر وحذر المراغي من أفكاره الاصلاحية، فما كان من المراغي إلا ان قدم استقالته، ويقال إنه ارسل للقصر الملكي رسالتين واحدة فيها مشروعه لاصلاح الازهر وفي الاخرى استقالته، ورفض المشروع وقبل الملك الاستقالة وعيّن مكانه الشيخ الظواهري وبمجرد تعيينه قامت الدنيا ضده ليس في الازهر وحده ولكن في مصر كلها، فمن ناحية أخذ عليه الناقمون من دعاة التقدم اتجاهه المحافظ، وثار عليه سبعون من المشايخ الذين ابعدهم عن التدريس، ومن ناحية أخرى نقم حزب الوفد عليه لتقربه من الملك فأثار عليه الطلاب، وازدادت الثورة على الظواهري، ووقف الشبيبة من علماء الأزهر يطالبون بتنحيته وعودة المراغي وهتفوا في قلب الجامع الازهر ''إما تحت راية المراغي وإما الى القرى تاركين الأزهر للبوم والغربان''، واستحكم النزاع حتى ألغيت السنة الدراسية بقرار من مشيخة الأزهر، وفصل عدد من الطلاب والاساتذة، وصارت مشكلة، وأضرب الطلاب عن الدراسة، وتدخل الزعيم سعد زغلول ليحثهم على العودة، وخشي الانجليز من ثورة الازهريين وقدرتهم على إثارة الرأي العام ضددهم، وفي النهاية رضخ الملك والانجليز والحكومة المصرية وأعيد الشيخ المراغي لمشيخة الازهر سنة ·1935 الإصلاح وهذه المرة عاد قوياً ومؤيداً من الطلبة والاساتذة والشعب المصري نفسه، ومنذ البداية وضع نصب عينيه جعل الازهر المعهد الديني الأعظم في العالم الاسلامي في نشر الشريعة الاسلامية واللغة العربية وتعليمها ودعم مكانتها، وبالفعل نجح في تحويل الأزهر من الجامع الى الجامعة، ومن الماضي الى المستقبل حتى قال عنه معاصروه: ''ان كان جوهر قد بنى الحجر فإن المراغي قد بنى الجوهر''· وكان الإمام المراغي لايتراجع أمام الحق مهما كانت الأسباب حتى مع الإيذاء البدني فقد اعتدي عليه ''بماء النار'' سنة 1926 وهو في طريقه الى المحكمة الشرعية، لاجباره على التنازل عن نظر إحدى القضايا وحين زاره المطران ''جوين'' مطران الشرق في المحكمة العليا قال له: ''ان الأثر الموجود في عنقك هو نيشان العدالة''· وكثيراً ما اصطدم الامام المراغي بسبب مواقفه الشجاعة مع حكومات قوية في أكثر من عهد، ولكن ظلت مكانته في نفوس الحاكمين مكانة الاجلال والاحترام، فلم تخدشها الخصومة ولم يؤثر عليها كدر العلاقات، وذلك بفضل ذكائه الفطري وعلمه الغزير واستقلاله الفكري·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©