الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شركات الأمن الخاصة في العراق.. أخيرا إلى العلن

شركات الأمن الخاصة في العراق.. أخيرا إلى العلن
23 سبتمبر 2007 23:34
في يوم من أيام صيف بغداد القائظ منذ عامين تقريبا، كان هناك ضابط أميركي كبير، يقف في انتظار ركوب طائرة أميركية عمودية من ''طراز بلاك هوك'' من أحد المطارات الموجودة بداخل المنطقة الخضراء في بغداد، في طريقه للقيام بزيارة إلى إحدى قواعد القوات الأميركية الواقعة في منطقة نائية· وقبل أن يستقل الطائرة ثبت ذلك الضابط عينيه، وقد لاح فيهما تعبير ازدراء واضح، على طائرتين عموديتين أصغر حجما، كانتا تقلعان من مطار آخر قريب تديره شركة ''بلاك ووتر يو·إس· آيه''، وهي الشركة الأمنية الخاصة التي شارك رجالها الذين كانوا يحرسون قافلة دبلوماسية أميركية، في حادث لإطلاق النار في بغداد أسفر عن مصرع 8 عراقيين على الأقل حسب تقدير المصادر الأميركية و20 عراقيا حسب تقدير السلطات العراقية· كثيرا ما يشاهد سكان بغداد قناصة هذه الشركة الذين يرتدون السراويل الكاكية، وفانلات من نفس اللون، وجاكيتات واقية من الرصاص، وهم يجلسون على أبواب تلك الطائرات، وأيديهم قابضة على أسلحتهم الأتوماتيكية، وقد مالوا بأجسادهم التي لا يربطها بالطائرة سوى سير رقيق خارج تلك الأبواب، ما يجعلهم يبدون وكأنهم يقومون عن وعي بإعادة تمثيل مشاهد من أفلام ''ارنولد شوارزينجر''، و''جان كلود فاندام''· تبرر الشركة تحليق طائراتها العمودية على ارتفاع منخفض فوق شوارع بغداد وهي تحمل قناصتها المتأهبين لإطلاق النار، بأن ذلك يمثل رادعا قويا ضد أي هجمات محتملة ضد الدبلوماسيين الأميركيين، الذين يتم نقلهم عبر شوارع العاصمة العراقية· عندما كانت الآلات التابعة للشركة تنظف سور مهبط الطائرات في ذلك اليوم، مال ذلك الضابط الأميركي الكبير على مرافقه وهو يرفع صوته -الذي كان يحمل نبرة ازدراء واضحة لأقصى درجة- حتى يتمكن ذلك المرافق من سماعه وسط ضجيج مراوح الطائرة قائلا له:'' لو لم يعد لدي سوى أمنية واحدة، فإن تلك الأمنية هي أن أرى واحدة من تلك الطائرات الاستعراضية وقد هوت''· منذ وصول شركة ''بلاك ووتر'' إلى العراق عام 2003 ومعها 25 شركة أمنية خاصة، يتراوح عدد رجالها ما بين 20 إلى 30 ألف رجل، تميز أداؤها دائما بذلك النوع من العدوانية وإظهار العضلات، ما دفع منتقديها -منهم الكثير في القوات المسلحة الأميركية ذاتها- إلى وصف رجالها بأنهم'' رعاة البقر'' أو ''مرتزقة'' وغير ذلك من الصفات الأكثر خشونة· ويعود ذلك التقييم تجاه الشركات الأمنية إلى الاحتقار الذي ينظر به رجال الجيش الأميركي المحترفون تقليديا إلى المرتزقة الذين يحصلون على رواتب خيالية مقابل مهارات وخبرات توجد لدى أفراد عاديين في الجيش الأميركي لا يتقاضون عُشر تلك الرواتب، إذ تصل رواتب بعضهم 1000 دولار يومياّ· أما المدافعون عن شركات المقاولات الأمنية فيعارضون هذه النظرة، ويقولون إن رجال تلك الشركات قد حصلوا على مهاراتهم وخبراتهم من خلال العمل في وحدات من وحدات النخبة في الجيش الأميركي مثل '' نيفي سيلز'' و'' قوة دلتا''، علاوة على أنهم يؤدون نوعية من المهام التي لا غنى عنها، والتي تتميز بدرجة قصوى من الخطورة· ويقولون إن الدليل على نجاح تلك الشركات في مهمتها التي تقوم بتنفيذها في بيئة شديدة الخطورة- بالتعاون مع بعض الشركات الأمنية الأخرى (''دين كورب انترناشيونال''، و''تريبل كانوبي مثلا) هو أنه لم يتم حتى الآن اغتيال مسؤول أميركي واحد، في حين أن حوادث قتل المسؤولين العراقيين تعتبر من الأشياء شبه العادية· بحسب مسؤولي ''بلاك ووتر'' فإن أي مهمة تقوم الشركة بتنفيذها خارج المنطقة الخضراء غالبا ما تكون في غاية الخطورة وأبعد ما تكون عن الآمان، كما أن كل مهمة من تلك المهام معرضة لخطر العبوات الناسفة التي توضع على جانب الطريق، وللهجمات الانتحارية، والسيارات المفخخة، والكمائن التي ينصبها المتمردون· في مقابل ما يقوله مسؤولو تلك الشركات دفاعا عنها، يشير المنتقدون لها أن هناك نمطا من الاستهتار وعدم المبالاة بالحياة البشرية عند تنفيذ تلك الشركات لمهامها، وهو تحديدا الاتهام الذي وجهته الحكومة العراقية وبعض الشهود العراقيين عقب الحادث الأخير الذي وقع في ميدان المنصور بالعاصمة بغداد والذي تصر ''بلاك ووتر'' على إنكاره· وقد وقع ذلك الحادث عندما أرسلت شركة ''بلاك ووتر'' عرباتها المصفحة التي كانت ترافق بعض الدبلوماسيين لإغلاق الطريق أمام السيارات المدنية حتى تتمكن قافلتها من العبور· وعلى ما يبدو أن أحد قائدي السيارات لم ينتبه إلى الإشارات التي كانت تطلب منه التوقف فاستمر في سيره ليطلق عليه رجال ''بلاك ووتر'' النار مما أدى إلى مقتله على الفور ومقتل امرأة كانت تقف على جانب الطريق وطفلها الذي كانت تحمله بين يديها· تبين من التحقيق الذي أجرته الحكومة العراقية عقب الحادث أن رجال شركة ''بلاك ووتر'' مسؤولون كلية عن الحادث، وعن سقوط عدد كبير من الضحايا العراقيين، وبناء على نتائج التحقيق طلبت الحكومة العراقية من تلك الشركة، إيقاف أنشطتها، وردت الشركة بأن رجالها قد قاموا بما قاموا به دفاعا عن النفس· وبعد أربعة أيام من تعليق أعمالها، توصلت الشركة إلى تسوية مع الحكومة العراقية تعود بمقتضاها إلى استئناف ''المهام الضرورية فقط'' إلى أن ينتهي التحقيق الذي تشارك فيه لجنة أميركية عراقية لمعرفة الملابسات الحقيقية لذلك الحادث· بالنسبة لهؤلاء الذين يراقبون عمليات القوات الأمنية الخاصة في العراق خلال السنوات الأربع الماضية، فإن المفاجأة الحقيقية بالنسبة لهم لم يكن الحادث نفسه، بقدر ما أن أزمة الشركات الأمنية الخاصة في العراق قد تأخرت في الظهور للعلن بأكثر مما ينبغي· ويرى هؤلاء أن جذور تلك الأزمة تعود إلى العام الأول من الاحتلال الأميركي، وتحديدا عندما أصدر ''بول بريمر'' الحاكم الأميركي السابق في العراق، قرارا يعفي فيه الشركات الأمنية وعناصرها من المساءلة والمحاكمة بموجب القانون العراقي في حالة سقوط أي قتلى وجرحى أثناء تنفيذ المهام والواجبات المنوطة بها· وعلى الرغم من أن الكونجرس الأميركي قد أصدر عام 2006 تعليمات للبنتاجون بضرورة إخضاع المقاولين المدنيين لمواد القانون العسكري، إلا أن البنتاجون لم يتخذ أي إجراء في هذا الشأن، وهو ما أتاح في رأيهم الفرصة لتلك الشركات للعمل في بيئة من الفراغ القانوني الذي أتاح لهم الفرصة للتعامل مع العراقيين باعتبارهم أهداف رماية يمكن لهم إطلاق نيرانهم عليها كيفما تراءى لهم ذلك· محرر الشؤون الخارجية بـ نيويورك تايمز ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©