الغارة الإسرائيلية على سوريا... غموض وجدل نووي!

لمدة طويلة كان القلق الأميركي من العلاقات بين سوريا وكوريا الشمالية مركزا على شراكة بينهما في مجال الصواريخ وتكنولوجيا الصواريخ، فقد شكك الكثير من الصقور داخل إدارة بوش في أن يكون لدى السوريين المال أو المؤهلات التقنية لبناء برنامج نووي حقيقي مثل البرنامج الإيراني· بيد أن الضربة الجوية الإسرائيلية لمنطقةٍ داخل سوريا في السادس من سبتمبر، أوقدت من جديد الجدل بخصوص ما إن كان السوريون يحاولون تجاوز العراقيل الماضية من خلال إنشاء برنامج نووي صغير خاص بهم، أو عبر السعي لاقتناء مكونات نووية من مَصدر خارجي· في الواقع تبدو الإجابة على ذلك صعبة بالنسبة لوكالات التجسس الأميركية بصفة خاصة، التي مازالت تعاني من تبعات أحكامها الخاطئة بخصوص وضع برامج الأسلحة العراقية في مرحلة ما قبل الحرب· على هذه الخلفية، ينكب المسؤولون الأميركيون اليوم على بحث -ولكن بحذر كبير- ما يقولون إنها ادعاءات إسرائيلية تقول بأن ما استهدفه القصفُ الإسرائيلي له علاقة بتطوير أسلحة نووية، ولا يقتصر على إنتاج الصواريخ· فقد شكلت محاولات سوريا تعزيز أسلحتها الصاروخية مصدر قلقٍ بالنسبة لإسرائيل على مدى عدة سنوات، ولاسيما بالنظــر إلى سجـــل سوريـــا في ما يخص تسليح مقاتلي ''حزب الله''، الذي أطلق خلال صيف 2006 مئات الصواريخ على أهداف داخـل إسرائيــل من داخــل لبنان، مفاجئــا المسؤولين الإسرائيليين بمدى تطور أسلحته· كما أنه طالما ساد الاعتقاد بأن المهندسين الكوريين الشماليين ساعدوا سوريا على تطوير نوع من صواريخ ''سكود''، -وهو ما تؤكده بعض الجهات المختصــــة- يبلــــغ مداه نحو 435 ميــلا· وقد شكل التحقق مما إن كانت سوريا تسعى عمليا لامتلاك برنامج نووي موضوع جدل ساخن في واشنطن على امتداد عدة سنوات، حيث كان هذا الجدل في صلب معركة 2005 حول تعيين ''جون بولتون'' سفيرا للولايات المتحدة في الأمم المتحدة· في ذلك الوقت، قال عدة مسؤولين استخباراتيين إنهم اصطدموا في 2002 و2003 مع ''بولتون''، ثم مع مساعد وزير الخارجية، حول حجم برامج الأسلحـــة غير التقليدية السورية· وحسب هؤلاء المسؤولين، فإن ''بولتون'' كان يريد الإشارة ضمن خطاب عمومي إلى المعلومات حول برنامج نووي سوري لم يتسن للوكالات الاستخباراتية تأكيده· ومما يجدر ذكره هنا أن ''بولتون'' ألمح في حوارات حديثة إلى أن الضربة الإسرائيلية أثبتت جزئيا صحة موقفه· الحال أنه من الصعب تقييم الأمر والجزم بشأنه، على اعتبار أن ستارا من السرية والتكتم مضروب على المعلومات التي يمتلكها بضعة مسؤولين أميركيين وإسرائيليين؛ وتجدر الإشارة هنا إلى أن الرئيس ''جورج بوش'' رفض يوم الخميس -ثلاث مرات- تسليط أي ضوء على الضربة الإسرائيلية، وإن كان قد كرر تحذيره لكوريا الشمالية· فمن الواضح أن الأميركيين يبحثون اليوم إمكانية أن يكون السوريون قد رأوا فرصة لشراء بعض المكونات الأساسية لبرنامج نووي بثمن رخيص، ربما لأن كوريا الشمالية تحاول إخراج بعض عناصر برنامجها النووي من البلاد احتراما للمهلة التي ينص عليها اتفاق نزع أسحلتها النووية مع واشنطن، غير أنه لم يُعرف عن كوريا أبدا تصديرها لتكنولوجيا أو مواد نووية، رغم أنها طالمـــا باعــت صواريخ لسوريا وإيران وباكستــان· ويُذكر أن الرئيس بوش ظهر في التاسع من أكتوبر الماضي -أي بعيد قيام كوريا الشمالية باختبار أول سلاح نووي لها- أمام كاميرات وسائل الإعلام في البيت الأبيض لإصدار تحذير لـ''الشمال'' قال فيه: إن ''نقل كوريا الشمالية لأسلحة أو مواد نووية إلى دول أو كيانات سيُعد تهديدا خطيرا بالنسبة للولايات المتحدة، وسنُحمل كوريا الشمالية كامل المسؤولية عن عواقب مثل هذا العمل''· لقد كان المتشددون في الإدارة الأميركية يطالبون بإعلان مماثل منذ سنوات، حيث يرون أن الولايات المتحدة لم تكن واضحة بما يكفي مع كوريا الشمالية، وقد رأوا فرصة حقيقية لذلك بعد تجاهل الزعيم الكوري الشمالي ''كيم جونج إيل'' لضغوط الصين وكوريا الجنوبية وروسيا وغيرها، وأقدم على إجراء الاختبار· ورغم أن الإسرائيليين يهمسون بأن ثمـة علاقـــة نووية بهجـــوم الســـادس من سبتمبر، إلا أنـــه لا توجـــد حتى الآن أدلـــة دامغـــة تفيد بــــأن ''الشمـــال'' حاول بيـــع عناصــر من برنامـجــه النـــووي· وفي هـــذا الإطار، يقـــول ''جــون بايـــك'' من - GlobalSecurity.org منظمة تعنى بشؤون الدفاع-، إن سوريا ربما تكون مهتمة بوسيلة ردع نووية بالنظر إلى المنطقة التي توجد فيها، غير أنه أبدى تشككا كبيرا في أن تكون دمشق قد تمكنت في هذه المرحلة من تطوير شيء يطرح تهديدا بالنسبة لإسرائيل إذ يقول: ''إن أي بلد من بلدان المنطقة لم يتعلم كلفةَ تطوير برنامجٍ نووي، فلا بد أنــه لم يــكن منتبها''، مضيفا ''غير أن القول إن ثمة شيئــا ملموسا يكفي لتبرير القصف، أمر من الصعب تصديقه''· محررا نيويورك تايمز في واشنطن ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز