الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سادن القرآن لا يهان

سادن القرآن لا يهان
22 سبتمبر 2007 22:01
لم يرتبط اسم مقرئ أو شيخ بشهر رمضان قدر ما ارتبط به اسم القارئ الشيخ محمد رفعت ''قيثارة السماء'' و''الصوت الملائكي'' و''أعظم من قرأ القرآن الكريم''·· ان مجرد سماع صوته في أي وقت وأي مكان يعيدك مباشرة الى أجواء الشهر الكريم الروحية وسهراته الرائقة وجلساته الحميمة وروائح اطعمته ومشروباته· الشيخ محمد رفعت احترف قراءة القرآن الكريم منذ طفولته، وكان في الخامسة عشرة من عمره حينما اعتمد قارئا للسورة في المساجد والسرادقات وكان ككل القراء ينشط في شهر رمضان ولكن تأثير قراءاته في الشهر الكريم لم يتجاوز حدود الجوامع والساحات القريبة من بيت والده بالقاهرة الفاطمية ولم تتوطد قراءاته بالشهر الكريم ويرتبط به اسما وصوتا إلا بعد ان افتتح الاذاعة المصرية بصوته في شهر مايو عام 1934 وبعدها بأيام تعاقدت معه الاذاعة على تلاوة القرآن الكريم طوال شهر رمضان مرتين يوميا مقابل مئة جنيه· أيامها كان قد ذاع صيته كقارئ يتمتع بصوت فريد لم تعرفه الأسماع من قبل وكان معروفا بالاستغراق في القراءة لدرجة البكاء بل لدرجة الغياب نهائيا عن الوجود وكان قد تلقى عرضا مغريا من المهراجا الهندي حيدر باشا لاحياء ليالي رمضان في الاذاعة الهندية مقابل 3 وقيل 5 آلاف جنيه ولكنه ضحى بالعرض، ورفضه لسبب بسيط وربما غير مقنع وقال: لا أستطيع قضاء شهر رمضان بعيدا عن الاهل بحي المغربلين، وعلى اتساع الفارق المادي بين عرضي الاذاعة المصرية والاذاعة الهندية بالنسبة لشاب مات والده وترك له أسرة كبيرة فإن الشيخ رفعت اختار بالفطرة الطريق الصحيح والمناسب لجلال صوته وفرادته وحتى اليوم ارتبط صوته واسمه وحياته نفسها بأعظم شهور العام وصار قارئ القرآن في شهر القرآن· ابن ملوك الشيخ رفعت ولد في شهر مايو عام 1882 بحي المغربلين بالقاهرة الفاطمية وهو حي كان ولا يزال فقيرا، بيوته متواضعة ومتلاصقة ومعظم سكانه من صغار الموظفين والحرفيين واسمه يعود لمهنة بدائية انقرضت منذ زمن وهي ''غربلة'' اي تنقية الحبوب من التراب والحصى، ووالد الشيخ رفعت كان جنديا متواضعا في البوليس المصري وقبيل ولادته بعام واحد رقي الى درجة ضابط واستبشر بولادته خيرا واطلق عليه اسما مركبا محمد تبركا باسم الرسول صلى الله عليه وسلم ورفعت تخليدا لاسم ابيه· وبعد ولادة ابنه تدرج الاب في المناصب حتى صار مأمورا لقسم الخليفة وابتهاجا بالمنصب الجديد انتقل بأسرته الى درب الاغوات بالقرب من مقر عمله الجديد ووسط الزملاء من قادة البوليس المصري في ذلك الوقت غير ان الافراح لا تدوم فقد أصيب الطفل محمد رفعت بمرض في عينيه قبل ان يتم عامه الثاني وتذهب الرواية التي مازال يرددها أهله ومريدوه حتى اليوم الى انه ''حُسد'' وقد كانت عيناه واسعتين عميقتين وفي منتهى الصفاء وفي مرة رأته احدى الجارات مع والده ونظرت في عينيه وشهقت وقالت: ''انه ابن ملوك'' عينه تقول انه ابن ملوك وفي اليوم التالي مباشرة استيقظ الطفل وهو يصرخ من شدة الالم في عينيه ومن يومها فقد بصره، طبعا هناك الاهمال والجهل وسوء العلاج الذي ذهب بعيون كثيرين من عباقرة هذا الزمن ومنهم طه حسين وغيره ولكن قصة الحسد هي الاكثر تداولا وايضا تصديقا لكل من اقترب من الشيخ رفعت وعرف أسرار حياته· فاجعة فقد البصر في الصغر دفعت الشيخ رفعت في الطريق المعروف لفاقدي البصر خلال تلك الايام وهي حفظ القرآن الكريم والعمل بقراءته غير ان والده مأمور قسم الخليفة وهبه لخدمة القرآن وليس العمل به وهو النهج الذي حافظ عليه طوال حياته وكان يقول: ''سادن القرآن لا يهان'' والتحق الشيخ رفعت بكُتّاب مسجد ''فاضل باشا'' بدرب الجماميز القريب من منزله وحفظ القرآن الكريم قبل ان يتم العام السابع من عمره وعندما بلغ عامه العاشر كان قد اتقن تجويده وترتيله على القراءات السبع وحينما بلغ الخامسة عشرة من عمره عُين قارئا للسورة بمسجد فاضل باشا الذي كان أحب المساجد الى قلبه وظل يقرأ به طوال حياته وفيه بدأ يعرف كقارئ يشد الرحال لسماع صوته من شتى أنحاء القاهرة ثم مصر ثم العالم أجمع· وفي نفس عام اعتماد الشيخ رفعت قارئا للسورة في المساجد والليالي والمناسبات أي عام 1887وربما في نفس الشهر توفي والده مأمور قسم الخليفة وبدا وكأن الاقدار تعد الشاب الضرير لاعالة اسرته المكونة من 8 أفراد وهي المهمة التي قام بها الشيخ رفعت على خير وجه وازداد التصاقا بالقرآن الكريم وظل يرتله يوميا في مسجد فاضل باشا وذاع صيته بسرعة لدرجة ملأت ساحة المسجد والشوارع المؤدية اليه بالمستمعين الذين كانوا يزدادون ويتنوعون يوما بعد يوم وكانت تحدث بينهم حالات كثيرة من الاغماء والوجد من شدة التأثر بصوته الفريد، كما كان بينهم أجانب من شتى بقاع الارض جاءوا فقط للاستمتاع بتلاوته ومنهم من اسلم بمجرد سماع صوته· الإذاعة وظل الشيخ رفعت يقرأ القرآن في مسجد فاضل باشا ثلاثين عاما وكان طوال الوقت ينمي موهبته ويعمق دراسته لعلم القراءات بجانب علوم الموسيقى والمقامات الصوتية وحينما بلغ الخامسة والعشرين من عمره كان يتقن أكثر من 3 آلاف كتاب واسطوانة تضم مؤلفات لموسيقيين عالميين من امثال بيتهوفن وموتزارت وغيرهما، وهي الاسطوانات التي عرضت في متحف مقتنياته الصغير الذي أقامه صندوق التنمية الثقافية بقصر ثقافة الغوري بالقاهرة ضمن الاحتفال بالذكرى 125 لميلاده· ومع ازدياد شهرة الشيخ رفعت وتضاعف مستمعيه حتى صاروا بالملايين فاتحته الاذاعة الاهلية في تسجيل بعض السور ولكنه رفض على الفور قائلا: ''ان وقار القرآن لا يتماشى مع الاغاني الخليعة التي تذيعها إذاعتكم'' وظل الامر معلقا رغم الوساطات والتوسلات الى ان جاءت للشيخ رفعت فتوى موثقة من علماء الازهر الشريف تبيح تسجيل القرآن وبثه في الاذاعة ووافق الشيخ رفعت على قراءة بعض آيات سورة الفتح في الاذاعة المصرية مقابل 3 جنيهات مصرية وبعدها تعاقدت معه الاذاعة عام 1934 على تلاوة القرآن الكريم طوال شهر رمضان مرتين يوميا مقابل مئة جنيه مصري ومن يومها بدأت رحلته الابدية مع الشهر الكريم· الشيخ محمد رفعت تزوج مرتين الاولى لم تتجاوز عقد القران حيث اكتشف ان الخطيبة تحاول ابعاده عن أمه وإخوته الذين تركهم والده أمانة في عنقه· وبعد أشهر قليلة من الشد والجذب طلقها قبل ان يدخل بها· ثم خطبت له أمه فتاة قروية اسمها ''زينب سالم الوكيل'' وهي الزوجة الوفية التي لازمته طوال عمره وأنجبت له أبناءه محمد وأحمد وحسين وبهية·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©