النقشبندي.. صوت نادر امتاز بالقوة والحماسة

كل من استمع مرة إلى صوت الشيخ سيد النقشبندى أدرك من أول وهلة أنه الشيخ وحده ولا أحد سواه؟·· فقد منحت السماء الشيخ صوتاً نادر التكرار يمتاز بالقوة والحماسة وحّسن مخارج الحروف وبراعة الأداء وإتقان جميع المقامات الموسيقية والتنقل بينها فى عذوبة ويسر خصوصا (جواب الجواب) ·· إنه الشيخ النقشبندى الذى رحل وما رحل وتظل تسجيلاته هى الأكثر مبيعاً فى منافذ بيع ''صوت القاهرة'' خصوصاً فى شهر رمضان، وكما صوت الشيخ محمد رفعت قيثارة السماء صار صوت الشيخ النقشبندى علامة من علامات شهر رمضان، وقد جمع الرجل بين الصفات السابقة وبين الخشوع لله، فجاء صوته وكأنه هاتف من السماء لا صلة له بالأرض وعالمها، وبرغم أنه سكن بجوار المسجد الأحمدي فى طنطا بعيداً عن الشهرة، فقد جاءته على قدميها وطوف صوته بأرجاء المعمورة· ووراء هذا الصوت الملائكي طفولة بائسة ونحيط ببعض جوانبه فى هذه السطور· دائماً ما يقال في سيرة الشيخ إنه قضى وقتاً من عمره فى الصعيد بدون تفاصيل، وهذه هي المرة الأولى التي نروي فيها تفاصيل هذه الفترة· ولد الشيخ سيد النقشبندي لأب من القاهرة وأم من مدينة المنصورة، وبعد طلاق أمه تزوجها رجل من (طهطا) بصعيد مصر ويدعى ''المواردي'' فانتقلت معه إلى طهطا ومعها ولدها ''سيد'' وقد أنجبت لاحقا له أخاً يدعى ''سعد المواردي'' ولطيبة أهل طهطا وشهامة رجال الصعيد اختارت الأم المدينة سكناً لها ومقراً لإقامتها حتى ماتت وسكن (الشيخ سيد وأمه) فى بيت الشيخ على بدوي، وألحق الشيخ سيد بمعهد طهطا الديني· ولما كانت أم الشيخ سيد ''بحراوية من المنصورة'' وأم الشاعر صبري أبو علم ''نفيسة'' بحراوية أيضاً من المنوفية، فقد تعارفتا في غربتهما الجديدة، ولم تكن ''نفيسة'' قد ولدت بعد فاعتبرت ''الشيخ سيد'' ابنها وخصته بما لذ وطاب· وكان للشيخ سيد زميل له بمعهد طهطا الديني يدعى ''محمد علي ماهر'' الإذاعي الشهير لاحقاً ببرنامجه فى ''صوت العرب'' واسمه ''أحسن القصص'' وكان والده وكيل مكتب بريد طهطا ومغتربا أيضاً! في هذه الأثناء كان والد الشاعر صبري أبو علم ويدعى ''أحمد أفندي بدوي'' شاعراً ويغني بصوته الجميل وكان مدرساً ابتدائياً، ويسهر مساء كل خميس فى بيت أحد أصدقائه يغني حتى طلوع الفجر، وفى هذه الفترة كان عُمر (الشيخ سيد) أربعة عشر عاما، وكان يتسلل هو وصديقه محمد علي ماهر إلى البيت الذي يغني فيه ''أحمد أفندي بدوي'' بعد استئذان صاحب البيت في حضور السهرة للاستمتاع بالغناء· وظل الشيخ سيد يردد حتى وفاته أن أستاذه هو شاعر طهطا ''أحمد أفندي بدوي''· الإقامة في طنطا كبر الشيخ سيد وذاع صيته وانتقل قارئاً للقرآن بمسجد السيد ''أحمد البدوي'' بطنطا وسكن بجواره ولكنه كان على العهد والوفاء لمدينة طهطا منبت الصبا ومرتع الطفولة، فكان يخصص لها شهر رمضان من كل عام ينشد كل ليلة السيرة النبوية والتواشيح والابتهالات الدينية في منطقة ''القيسارية''، وهى منطقة تجارية، حيث كان كبار التجار يجمعون له مبالغ من المال للإنفاق على إحياء الشهر الكريم كاملاً'· ولاحقاً زار الشاعر صبري أبوعلم الشيخ سيد في منزله بطنطا سنة 1972 فسأله الشيخ عن والدته وقال: ''نفسى أشوف الست نفيسة'' وتواعدا على زيارتها بالإسكندرية عندما يحضر الشيخ مولد (سيدي جابر) في العام التالي، ولكنه كان قد رحل ومات سنة ·1972 ولكن الشيخ سيد أهدى الشاعر صورة له تجمعه مع أم كلثوم وكتب على ظهرها: ''صورة لأم كلثوم أثناء زيارتها لسيدي أحمد البدوي· أهديها لابن الحبيب السيد صبري أبو علم أحمد بدوي بمناسبة تشريفه لبيته المتواضع بطنطا''· ولكن كيف جمع القدر بين الشيخ سيد النقشبندى وأم كلثوم؟ كانت البداية في طهطا، حيث كانت لأم كلثوم قصة مشابهة مع طهطا عندما شرعت في السفر لأول مرة في رحلة للعراق والشام، وكان من شروط السفر أن تكون متزوجة وكانت تتردد على صالون الشيخ عبدالرحيم بدوي في بيته بحي (الظاهر) بالقاهرة· واتفق والد أم كلثوم وشقيقها خالد مع الشيخ على أن يعقد على ''ثومة'' صورياً من أجل السفر وأن يسافر معها وكان أول زواج في حياة أم كلثوم دون دخول عليها، وبعد العودة طلقها كما اتفقا وعلقت د· نعمات أحمد فؤاد على الرواية بقولها! ''وطلقها الرجل الطيب'' في كتابها ''عصر من الفن'' وكذلك د· رتيبة الحفني في كتابها عن ''أم كلثوم''· ووفاء ''للشيخ بدوي أو الرجل الطيب غنت أم كلثوم في طهطا والتقاها الشيخ سيد النقشبندي، ثم زارته لاحقاً في بيته بطنطا كلما زارت المسجد الأحمدي· الصعود الفني فنياً صعد الشيخ النقشبندي لذروة لم يصعد إليها غيره، فقد جرب جميع المقامات الموسيقية، وكان بليغ حمدي ملحنه المقرب إلى نفسه وكانت كلمات الشاعر عبدالفتاح مصطفى الأقرب إليه· وقد حقق الشيخ النقشبندي ما لم يحققه سواه، ويكفي أن ذكر بعض أسماء ابتهالاته وأغانيه مثل :''مولاي، ربنا، أشرق المعصوم، أخوة الحق، ذكرى بدر، ليلة القدر، أيها الساهر، يا دار الأرقم، إلهي لك الشكر، يارب ارحمني، عليك سلام الله، ذو الجلال والإكرام، شكوت إلى ربي الأنام، الإسراء والمعراج، مولد الرسول··'' وصار الشيخ موضعاً لتقليد بقية المشايخ عندما يحذون حذوه ويرددون أدعيته وابتهالاته ولكن شتان بين الأصل والصورة·