الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أين الفلسفة في الكتاب المدرسي؟

أين الفلسفة في الكتاب المدرسي؟
22 سبتمبر 2007 00:11
الدكتور محمد العريبي، أستاذ الفلسفة بجامعة بيروت، له ثمانية مؤلَّفات حول مواضيع عديدة منها: ''المنطلقات الفكرية عند الإمام الرازي''، و''ابن رشد وفلاسفة الإسلام''، و''المناهج والمذاهب الفكرية والعلوم عند العرب''· شارك مؤخراً في ندوة عربية عُقدت بالمكتبة الجزائرية حول الكتاب المدرسي العربي والقيم التي تحملها نصوصه الأدبية، وألقى مداخلة قيِّمة عن ''فلسفة النص الأدبي في الكتاب المدرسي لصفوف المرحلة الثانوية في لبنان''· ''الاتحاد'' إلتقته وحاورته حول واقع نصوص الكتاب المدرسي العربي اليوم، ومدى تطورها واستجابتها لمقتضيات العصر، وكذا مكانة الفلسفة في هذا الكتاب· إليكم نص الحوار· بدايةً، كيف تقيِّمون واقع النصوص المدرسية العربية اليوم؟ بإمكاني أن أتحدَّث بدقة أكبر عن نصوص المرحلة الثانوية لأنني على اتصال شخصي بها، إذ تُختار النصوص في مجال الأدب لشعراء وروائيين ومسرحيين مشهورين ومعترف بهم ولا غبار على إبداعاتهم· وفي المناهج الجديدة الموجودة في لبنان والوطن العربي، أصبحت النصوص مدروسة جيداً، وطريقة طرحها أضحت أكثر تقدما مما سبق· قديماً،كانت الطريقة السائدة في انتقاء النصوص الأدبية هي اعتماد العصور التاريخية؛ جاهلي، إسلامي، أموي، عباسي··، وهذه الطريقة مرفوضة، لأنها توحي وكأن هناك قطيعة بين هذه العصور مع أن الحياة غير متقطِّعة، كما أن فيها نوعاً من الصنميَّة للعصور، وتقديساً غير مقبول، ويجعلها بلا علاقة مع عصرنا، بينما أصبحت الآن تركِّز على موضوعات ومفاهيم ومسائل وحلول وهو ما أضفى عليها الكثير من الحرية؛ إذ يمكن، في صف واحد، دراسة شعراء عدَّة من عصور مختلفة حسب المحاور المطلوبة، وبذلك خرجنا من الصنمية والنمطية وتقديس العصور،وهذه الطريقة متقدمة· أما على صعيد الفلسفة أصبح هناك نوع من التجديد قد لا يكون هو الأفضل بالمطلق، ولكنه هو المقبول والأحسن· لكن الفلسفة في المناهج الدراسية العربية لا تُدرّس ـ على أهميتها البالغة ـ سوى في السنة الأخيرة من التعليم الثانوي، هل ترون هذا كافياً؟ من الحسنات التي أودُّ أن أشير إليها هنا أن الفلسفة لم تعد مرفوضة، قديماً كان هناك شعارٌ يؤخذ به وهو أن ''كل من تفلسف تزنَّدق''· في معظم الدول العربية الآن، بدأ الفكر الفلسفي يدخل في المناهج الدراسية، في لبنان كانت الفلسفة قديما تُدرَّس في السنة الثالثة ثانوي في فرع فلسفة، وكانت تتناول أعلاماً في الفلسفة العربية والفلسفة العامة الغربية، وكانت هناك مقارنات بين الفلاسفة· حالياً في المناهج الجديدة أصبحت الفلسفة تُدرَّس في سنتين؛ الثانية والثالثة ثانوي، في السنة الثانية يتمُّ التركيز على الحضارات والفكر الفلسفي، وفي السنة الثالثة يتم تدريس ''قضايا وإشكاليات'' وليس ''أعلاماً ورموز''، والأمر أصبح معتمداً عربياً· وهل ترون أن تدريسها في عامين يجعل الطالبَ الثانوي أكثر استيعاباً لها؟ ما يؤسف له أن ساعات تدريس الفلسفة أُختزلت؛ فبعد أن كانت 17 ساعة أسبوعياً في فرع الفلسفة، أصبحت الآن في فرع الإنسانيات تسع ساعات فقط موزَّعة بين الفلسفة العربية والعامة معاً، الكم نفسه من المادة الذي كان يقدم في سنة، بقي كما هو ولكن ساعاته أُختزلت، مما يصعِّب المهمة على الأستاذ والطالب معاً في تناول هذه المادَّة، ولكن الإيجابي فيها أنها لم تعد تتناول أعلاماً ورموزاً بل قضايا فلسفية معينة كما وردت على لسان العديد من الفلاسفة في مختلف العصور حتى يمكن للطالب أن يقارن ويميز· وما هو تقييمكم لتدريس الفلسفة في الجامعات العربية؟ ألا ترون أن هذا الفرع لا يزال معزولاً داخل أسوارها وغير محتكٍّ بالواقع وانشغالات العامَّة فيه؟ هذه المسألة خطيرة جداً والخوض فيها إذا تمّ بشكل واضح بعيد عن التحايل، فإنه يمكن لنا أن نتبيَّن أسباب النفور ومسؤولية المتفلسفين، ونمو بعض الاتجاهات التي تحرِّض الشارع ضد الفلسفة، هذا يرجع إلى الخطاب الفلسفي، هناك تصورٌ لدى الناس أن الفلاسفة يتحدَّثون ويأتون بنظريات ولكنها كلها لا علاقة لها بواقعهم وبلقمة عيشهم ولا تتناول موضوعات تتعلَّق بحياتهم، مع أن الفلسفةَ بمفهومها العصري تتناول الإنسان وحياتَه وحركيته في العالم، وتتناول كل الموضوعات التي تُعد إشكاليات في حياتنا المعاصرة وتطرح أسئلة بشأنها، ولكن يجب أن تكون اللغة التي تُطرح بها هذه الموضوعات بإمكان أي مواطن عربي أن يفهمها بعيداً عن المفردات الصعبة والتعقيد الذي ينفِّر الناسَ من الفلسفة، ويجعل حضور المشتغلين بها قليلاً وباهتاً، وهناك دعوات حالية لجعل الفلسفة شعبية بتعويد الناس على نمط من العقلانية المبسطة بحيث تصبح في متناول الجميع، في الجامعة أتزوَّدُ بوقود فلسفي عليَّ أن أحسنُ استخدامه حينما أنزل إلى المجتمع، وأن أتخلى عن الوهم الذي ساد طويلاً لدى المشتغلين بالفلسفة، وهو أن أكون فوق المجتمع الذي أعيش فيه، وهذا ما كان يسمى قديماً بـ ''الأبراج العاجية'' والعيش فيها يقتل المشتغلين بالفلسفة، وكذا الموضوعات التي يتناولونها· من هنا، لا بد من انطلاق الفلسفة بخطاب اجتماعي جماهيري مقبول من كل الناس، وبالتالي يمكن إنزال الفلسفة إلى الشارع وبين الناس بدلاً من الانتظار لأن يصعد إليها العامَّة أنفسهم، وقد تكون في بعض الأحيان أفكارُ العامَّة ببساطتها أكثر عُمقاً من أفكار ذبعض الفلاسفة· بمعنى أن مناهج تدريس الفلسفة في الجامعات العربية بحاجة إلى مراجعة؟ طبعاً، فهناك عمليات تطوير حدثت في لبنان، وأصبحت الفلسفة الآن أفضل مما كانت من حيث تناول قضايا الواقع، ومن ذلك طرح مسائل جديدة لم تكن موجودة في المناهج القديمة؛ كقضايا التسليح والبيئة وعلاقة الدين بالفلسفة في القضايا المعاصرة؛ كالاستنساخ والجينوم البشري وأخلاقيات الطب··، وقد بدأت الجامعات العربية تأخذ هذا المنحى· عادةً ما تثار مسألة الانتقال من الطريقة التلقينية للتلميذ إلى طريقة تعليمه كيف يطرح الأسئلة أكثر مما يستمع، ماذا تحقَّق على هذا الصعيد؟ نسبياً هناك تحوُّل طال كل العالم العربي، طرائق التعليم مست كل بلدان العالم ومنها الدول العربية، مجال إبداعية الطفل اتسع عما كان عليه من قبل، أصبح يشارك الآن فيما يعرف بـ ''التعلُّم والتعليم''، فلم يعد يُلقَّن فقط؛ بل يشارك في إنتاج المعرفة التي يُراد له التزوُّد بها، ولكنها للأسف لا تزال طريقة محدودة وضيقة، لأن هذه الطرق تحتاج إلى مقوِّمات مادية غير متوافِّرة في مدارس العالم العربي؛ إذ تحتاج إلى مربِ له دراية بهذه الطريقة، ويعرف كيف يجعل التلميذ يتعوَّد على طرح الأسئلة، ومشاركة زميله في تحصيل معرفة معينة؛ فالمعلِّمون المتخصصون في ذلك لا يزالون قلة للأسف· من جهة، أن هذا النوع من التعليم يحتاج إلى مجموعات صغيرة لا تتجاوز ستة أو سبعة تلاميذ في القسم الواحد، ولكن لأسباب مادية وظروف اقتصادية، يتعذَّر تحقيق ذلك، ما زلنا نسعى إلى تطبيق الطر7ق الجديدة القائمة على إشراك التلميذ في تحصيل المعرفة بالنمط القديم حيث يتجاوز عدد التلاميذ في بعض الأقسام الأربعين تلميذاً، فيقدِّم المعلِّم على منح المعلومة مُعلَّبة للتلميذ عوض بذل جهد لدفعه إلى اكتشافها، فيرتاح ويريح، وهذه الطريقة التلقينية تجعل التلميذ يرى أن هذه هي الطريقة الأسهل للوصول والارتقاء من مرحلة إلى أخرى، وتقتل فيه الإبداعية، والعالم اليوم لم يعد يحتاج إلى الذين يحفظون ما يفعلون، هو بحاجة إلى من يبدعون ويبتكرون لأن الآلة تستطيع أن تقوم بما يقومون به من حركة آلية· العالم اليوم بحاجة إلى من يبدع؛ وبقدر ما يكون هناك مُبدعون في المجتمعات بقدر ما تستطيع العلوم والتقنيات أن تتقدَّم· طرحت في ندوة الكتاب المدرسي العربي بالجزائر فكرة توحيد الكتاب، كيف تنظرون إلى هذه الدَّعوة؟ المطلوب هو توحيد الثقافة العربية، أن نعرف أي ثقافة نريد، إن وجود لبنان حالياً مدينٌ لوحدة ثقافته برغم كل الاختلافات والتجاذبات السياسية الداخلية والإقليمية والعالمية، وعندما تسود الوحدة الثقافية في العالم العربي، فلن يعود هناك خوف من اختلاف الأنظمة السياسية والاقتصادية، ليست الأنظمة السياسية هي التي تجمع الناس بل الوحدة الثقافية بدليل أن القومية لم تستطع جمع العرب، وبرغم تمزُّق الأنظمة السياسية فإن الثقافة العربية الواحدة تشكل اللحمة التي تجمع الشعوب·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©