السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قصة فراق

قصة فراق
21 سبتمبر 2007 22:04
حج الرشيد سنة إحدى عشرة من خلافته، فلما نزل بالكوفة، بعد قفوله من الحج، دعا إسماعيل بن صبيح فقال: إني أردت الليلة أن أطوف في محال الكوفة وقبائلها فتأهب لذلك، قلت: نعم· فلما مضى ثلث الليل قام وقمت معه، وركب حماراً وركبت أنا آخر، ومعي خادم ومعه خادم من خاصة خدمه· فلم نزل نطوف المحال والقبائل حتى انتهينا إلى النخع فسمعنا كلاماً· فقال الرشيد لأحد الخادمين: ادن من الباب وتعرّف ما هذا الكلام؟ فتطلع من موضعٍ في الباب فرأى نسوة يغزلن حول مصباح وجارية منهن تنشد شعراً وتردد أبياته وتتبع كل بيت برنة وأنةٍ، وتبدي زفرة، وتفيض عبرة، والنسوان اللواتي معها يبكين لبكائها فحفظ الخادم من شعرها هذه الأبيات: هل أرى وجـه حبيب شفني بعد فقدانيه أفـراط الجـزع قد برى شوقي إليه أعظمـي وبلى قلبي هـواه وفزع ليت دهراً مرّ والقلب به جذل والعيش حلو قد رجع وعفت آثاره منه فيا ليت شعري ما به الدهر صنع؟ قد تمسكت على وجـدي بـه بجميل الصبـر لـو كان نفع فقال للخادمين: اعرفا الموضع إلى غد· ورجعنا إلى البصرة، فلما طلع الفجر وفرغ من صلاته وتسبيحه، قال للخادمين: امضيا إلى الدار فإن كان فيها رجل من وجوه الحي فجيئا به حتى أسأله عما أريده· فسار الخادمان إلى الدار فلم يجدا فيها رجلاً، فدخلا إلى مسجد الحي فقالا لأهله: أمير المؤمنين يقرأ عليكم السلام ويقول لكم: أحببت أن يجيئني منكم أربعة أسألهم عن أمر· قالوا: سمعاً وطاعة· وقاموا معهما فدخلوا على الرشيد، فقربهم وأدناهم، وقال لهم: طفت البارحة في بلدكم تفقداً لأحوالكم، فسمعت في دار من دياركم امرأة تنشد شعراً وتبكي· وقد خفت أن تكون مغيبة، وأن نزاع النفس أهون من نزاع الشوق، وقطع الأوصال أهون من قطع الوصال، وقد أحببت أن أعرف خبرها منكم· قالوا: يا أمير المؤمنين، هذه البارعة بنت عوف بن سهم كان أبوها زوّجها ابن عم لها يقال له سليمان بن همام على عشرة آلاف درهمٍ، فهلك أبواهما من قبل أن يجتمعا، فاكتتب زوجها مع عاملك على اليمن لقلة ذات يده، وخرج منذ خمس سنين، فحزنت عليه، وطال شوقها إليه، فهي تنشد الأشعار فيه وتستريح إلى ذكره· فأمر الرشيد من ساعته أن يكتب إلى عامله باليمن في حمل سليمان بن همام على البريد إلى حضرته إلى بغداد· فما مضت أيام بعد وصول الرشيد حتى دخل عليه إسماعيل بن صبيح، فقال: يا أمير المؤمنين قد وصل النخعي الذي أمرت بحمله إليك· فأمر بإدخاله عليه، فنظر إلى رجل معتدل القامة، ظاهر الوسامة، ذرب اللسان، حسن البيان، فقال: أنت سليمان بن همام؟ قال: نعم، يا أمير المؤمنين· قال له: اقصص علي خبرك· فقص عليه الخبر، فوجده مطابقاً لما خبره به النفر الأربعة، فأمر له بعشرين ألف درهمٍ، فأخذ ذلك من يومه ورحل إلى الكوفة فدخل بأهله وكان الرشيد يتعاهده ببره·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©