الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مدحة وعطاء

مدحة وعطاء
21 سبتمبر 2007 02:48
قال المؤمل بن أميل: قدمت على المهدي، وهو إذ ذاك ولي عهد أبيه، فامتدحته، فأمر لي بعشرين ألف درهم، فكتب ذلك صاحب البريد إلى المنصور وهو بمدينة السلام يخبره أن الأمير أمر لشاعر بعشرين ألف درهم، فكتب إليه يعذله ويلومه، ويقول: إنما كان ينبغي لك أن تعطي الشاعر إذا أقام ببابك سنة أربعة آلاف درهم، وكتب إلى كاتبه أن يوجه إليه بالشاعر، فطلب، فلم يقدر عليه، فكتب إليه أن قد توجه إلى مدينة السلام· فأجلس قائداً من قواده على جسر النهروان، وأمره أن يتصفح الناس رجلاً رجلاً، فجعل لا تمر به قافلة إلا تصفحهم، فمرت القافلة التي فيها المؤمل، فقال له: من أنت؟ قال: المؤمل بن أميل من زوار المهدي، قال: إياك أردت، قال المؤمل: فكاد والله قلبي ينصدع خوفاً من أبي جعفر· فقبض علي، وقال: سر، فسرت معه فسلمني إلى الربيع، فدخل الربيع على المنصور، فقال له: هذا الشاعر قد ظفرنا به· قال: أدخلوه· قال: فدخلت عليه، فسلمت، فرد السلام· فقلت: ليس ههنا إلا الخير، فقال: أنت المؤمل بن أميل؟ قلت: نعم أصلح الله أمير المؤمنين، أنا المؤمل، فقال: أتيت غلاماً غرا فخدعته فانخدع؟ فقلت: بل أتيت كريماً فخدعته فانخدع، والكريم يخدع، قال: فكأن ذلك أعجبه، فقال: أنشدني ما قلت فيه، فأنشدته: هـو المهـديّ إلاّ أنّ فـيــه مشابه صورة القمر المنـير تشابه ذا وذا فهـمـا إذا مـا أنارا يشكلان على البصـير فهذا في الضياء سراج عــدلٍ وهــذا في الظلام سراج نـور ولكن فضّل الرحـمـن هـذا على ذا بالمنابر والـسـريــر وبالملك العـزيز فـذا أمـيرٌ ومـا ذا بالأمير ولا الـوزير ونقص الشهر يخمد ذا، وهـذا منيرٌ عند نقصان الشـهــور فيابن خليفة الله المـصـفّـى به تعلو مفاخرة الـفـخــور لئن فتّ الملوك وقد تـوافــوا إليك من السهولة والوعـــور لقد سبق الملوك أبوك حـتّـى أتوا ما بين كابٍ أو حـســـير وجئت وراءه تجري حثـيثـاً ومــا بك حين تجري من فتــور فقال النـاس مـا هــذان إلاّ كما بين الخليق من الجـديــر لئن فات الكبير مدى الصغـير فـذا فضل الكبير على الصغير وإن بلغ الصغير مدى الكبـير فقد خلــق الصغير من الكبـير فقال: والله لقد أحسنت، ولكن لا تساوي عشرين ألف درهم، فأين المال؟ قلت: هو ذا، قال: يا ربيع، انزل معه فأعطه عشرة آلاف درهم وخذ الباقي· فلما صارت الخلافة إلى المهدي وولي ابن ثوبان المظالم، وكان يجلس للناس بالرصافة، فإذا ملأ ثوبه رقاعاً دفعها إلى المهدي؛ فدفعت إليه رقعةً، فلما دخل بها ابن ثوبان وجعل المهدي ينظر في الرقاع حتى نظر في رقعتي ضحك، فقال له ابن ثوبان: أصلح الله أمير المؤمنين، ما رأيتك ضحكت من شيء إلا من هذه الرقعة؟ فقال: هذه رقعة أعرف سببها، ردوا عليه العشرة آلاف، فردت· أخذ قوله في القمر علي بن الجهم فقال: رأيت الهلال على وجهـه فلم أدر أيّهـمـا أنـور سوى أنّ ذاك بعيد المحـلّ وهذا قريبٌ لمـن ينـظـر وذاك يغيب وذا حـاضـر وما من يغيب كمن يحضر بكى واستبكى كان عبد الملك بن مروان محباً لعاتكة بنت يزيد بن معاوية؛ فغاضبته يوماً، وسدت الباب الذي بينها وبينه؛ فساءه ذلك وتعاضله، وشكا إلى من يأنس به من خاصته، فقال له عمر بن بلال الأسدي: إن أنا أرضيتها لك حتى ترى فما الثواب؟ قال: حكمك· فأتى إلى بابها، وقد مزق ثوبه وسوده؛ فاستأذن عليها وقال: أعلموها أن الأمر الذي جئت فيه عظيم· فأذنت له؛ فلما دخل رمى بنفسه وبكى· فقالت: ما لك يا عم؟ قال: لي ولدان هما من الإحسان إلي في الغاية، وقد عدا أحدهما على أخيه فقتله، وفجعني به؛ فاحتسبته وقلت: يبقى لي ولد أتسلى به؛ فأخذه أمير المؤمنين وقال: لا بد من القود، وإلا فالناس يجترئون على القتل، وهو قاتله إلا أن يغيثني الله بك· ففتحت الباب ودخلت على عبد الملك وأكبت على البساط تقبله وتقول: يا أمير المؤمنين؛ قد تعلم فضل عمر بن بلال، وقد عزمت على قتل ابنه؛ فشفعني فيه؟ فقال عبد الملك: ما كنت بالذي أفعل؛ فأخذت في التضرع والخضوع حتى وعدها العفو عنه وصلح ما بينهما؛ فوفى لعمر بما وعده به·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©