الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

ماذا يقول المبدعون عن الاغتراب؟

ماذا يقول المبدعون عن الاغتراب؟
19 سبتمبر 2007 22:37
هذا قبل أن تصبح الكرة الأرضية قرية كونية· الكتّاب، والشعراء، والفلاسفة دائماً في ارتحال، حتى ولو كان داخل الذات· ولكن ماذا حين يذهب الكاتب من أرض إلى أرض، ومن لغة إلى أخرى؟ تتفاوت الأحاسيس كثيراً· حين قيل للكاتب السوفييتي ''بوريس باسترناك'' الذي اضطر لرفض جائزة نوبل ''ارحل''، كان جوابه: ''أبقى حيثما تبقى عظامي''· السوفييتي الآخر ''الكسندر سولجنتسين'' رحل ثم عاد في أيامه الأخيرة· في التقرير التالي نرصد ما يقوله الكتاب المبدعون عن رحيلهم: بن جلون ''كما لو أنه الرحيل إلى النصف الآخر من الروح''· هكذا يختزل الكاتب المغربي (بالفرنسية) ذلك الانتقال الاضطراري من أرض إلى أرض، ومن لغة إلى لغة، ليستخدم تعبير ''الألم الخلاق''، وهو الذي اعتبر ان اللغة تتألم أيضاً، فهي ليست مجرّد ظاهرة، أو وسيلة تقنية، بل إنها حصيلة سياق تاريخي، وثقافي، بالغ التعقيد، ودون إغفال البُعد الميتافيزيقي في ذلك· على ذلك النحو الآسر يصف ''بن جلون'' الذي حاز جائزة غونكور الفرنسية حالته كمغربي ترك طفولته هناك واستقرّ في باريس ليشعر، بين الفينة والآخر، كما ''لو أنني نصفان، أحدهما يترك الآخر مثلما تترك السكين، أو الوردة، الجرح· ماذا يصيب، إذاً، النصف الأول من الروح؟ الجفاف أم اللامبالاة أم العبث؟ لا يستطيع ''بن جلون'' وصف الحالة، وإن كان يعتقد أنّ ذلك النوع من الرحيل قد يجعل الانتقال من الحياة إلى الموت مسألة أكثر سلاسة: ''الغربة تعلّمنا عذوبة العذاب''· مارغريت يورسنار لكن ليس هذه حالة الفرنسية ''مارغريت يورسنار'' التي انتقلت إلى الولايات المتحدة لتعود في آخر أيامها، وترتدي الثوب الأخضر بعد انتخابها عضواً في الأكاديمية الفرنسية، فقد اعتبرت ان الكاتب هو ''مخلوق عابر للقارات''، حتى إذا ما تجمّد في مكانه، فإنّ الخيال لا يلبث أن يتخثر، أي أنّ الكتابة هي تمرّد على المكان ''الذي إذ نتركه وراءنا، لا بد أن يطاردنا قليلاً، ولكن يفترض بالكاتب ألا يبقى رهينة''· هل يعني هذا أن ''يورسنار'' لم تشعر بالحنين إلى المكان الذي وُلدت فيه وترعرعت قبل أن تدقّ أبواب الشهرة؟ تقول: ''حتى القطط تشعر بالحنين إلى أمكنتها القديمة، وأنا في هذا المجال قطة كبيرة، وشرسة· صحيح ان أبطالي ليسوا نماذج صارخة، أو مدوية، أو فوضوية، لكنني كنت أعرف كيف أعبّر عن الحنين بطريقة أو بأخرى، وكنت أحياناً أروي قصة هجرتي إلى الهواء، لعله ينقلها إلى الفراشات التي كنت ألاحقها ذات يوم في حقل للزنبق على مقربة من منزل جدّي، وأتصوّر أن الهواء فعل ذلك حقاً''· ومع ذلك، فإنّ الروائية التي استعادت جنسيتها الفرنسية عام 1979 لتكون أول امرة تنتخب لأكاديمية الخالدين، تعتبر ''أن يكون قميصي الأخير ذلك التراب، أي تراب فرنسا، أمر له مذاق الحياة الثانية''· اليوت ''ت·س·اليوت'' الأميركي الذي استقر في بريطانيا واشتهر بقصيدته ''الأرض الخراب'' كان سوداوي الهوى إذ يقول : ''إلى حيثما ذهبت أبقى تمثالاً من الرماد· هنا لا تقفز من خندق إلى خندق، ولا من ثقافة إلى ثقافة· لغة واحدة، ولكن مما لا شك فيه انك هنا في بريطانيا تستطيع أن تستعير رأس ''وليم شكسبير'' بين الحين والآخر· كل واحد منّا في لحظة ما يشعر بالحاجة إلى أن يكون لديه رأس آخر، قلب آخر''· ''اليوت'' يعتبر ان الشاعر أو الكاتب هو ''طائر النار''، مع أنه طالما أوغل في مشهدية الرماد: ''حيثما يحلّ أحدنا لا بد أن يضرم الحرائق· ربما كان الناس بحاجة إلى مَن يوقظهم بتلك الطريقة الفظة· الحقيقة انني أمام كل حريق، أمام كل خراب، كنت أوقظ نفسي· اليقظة ضرورية حتى للموتى· الهجرة إلى وجوه أخرى قد يكون فراراً من موت ما''· غاو كسينغيان الصيني ''غاو كسينغيان'' يرجوكم ألا تتهموه بخيانة الأقدام العارية: ''لا أدري ما إذا كنت قد وقعت في غواية الهواء أم في غواية العصافير· ولكن حين تذهب، أجل حين تذهب، وهي الكلمة الأشد هولاً في خيالي، لا بد أن تطاردك كل الأشياء ربما بتهمة الاغتسال من الأنين، ومن الغبار الذي يملأ الذاكرة كما يملأ الجدران، ومن عيني أمك التي لا تفهم، ولا يمكن أن تفهم لماذا أنت هكذا''· إنه لا يعرف لماذا هو هكذا فيقول: ''الخيال يفتح أبواباً كثيرة، ولكن ثمّة باباَ يقف وراءه المجهول· الملاحة ضرورية هنا· حين ترحل هكذا قد يحدث ثقب في الخيال· هل تعرّف أحدكم على الدموع التي يذرفها الخيال؟ إنكم تطرحون عليّ أسئلة لا أدري كيف أجيب عليها ربما لأن قلبي لا يزال على التخوم· هذا عارض مدمّر بالنسبة إلى كاتب· الغربة غربتان، ولكن انتبهوا ليست السلحفاة وحدها هي التي تحبّ أرضها القديمة· الكهنة، والكتّاب، والقرويون لا يفرّقون بين بهجة العذاب وبهجة الأرض· نيبول ''ف· س· نيبول''، التريندادي من أصل هندي والذي تحوّل إلى كاتب انكليزي له مفهومه الخاص للهجرة ما دمنا نعيش سوية في هذه الأدغال فيقول: ''منذ طفولتي كنت مزدوجاً· أنا في مكان، وفي مكان آخر، في الوقت نفسه، حيثما تذهب أصابعك يذهب قلبك· قد يكون المشهد أقل تراجيدية حين توضع الضحية في العراء· يمكن أن أكون رحلت بحثاً عن غطاء تؤمنه لي الوجوه الأخرى· الهجرة ضرورية كي لا تبقى داخل تلك الآلام الهرمة· وإنه لأمر فائق السحر أن تعثر على آلام لم تتعرّف إليها من قبل''·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©