الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حزب العدالة في تركيا ومعضلة الغلق

حزب العدالة في تركيا ومعضلة الغلق
26 مارس 2008 01:23
في عز اللغط الذي أثير أبان الحملة ''المحمومة'' التي قادتها حكومة العدالة والتنمية، لإقرار تعديلات بالقانون والدستور بهدف السماح برفع جزئي عن الحظر المفروض على الحجاب في الأماكن العامة، وبشكل خاص الجامعات، طالب ''اورال سواش'' المدعي الجمهوري في عقد التسعينيات إغلاق أحزاب باعتبارها مخالفة للدستور والقانون، لكن يبدو أن ''الطيب رجب أردوجان'' -زعيم الحزب الحاكم- لم يعر للأمر اهتماما يذكر، وكأن ما يثار لا يستحق عناء الرد، متناسيا -ربما عن عمد- الدور الذي لعبه في الماضي القريب هذا المدعي الذي وصف آنذاك بــ''قاضي الغلق''، والدور الذي لعبه في إغلاق ''حزب الرفاه''، وحرمان خمسة من قيادييه على رأسهم مؤسس الحزب ورئيس الحكومة الأسبق ''نجم الدين أربكان'' من ممارسة العمل السياسي، ثم ''حزب الفضيلة'' الذي عاد متخفيا تحت اسم ''سعادات'' بزعامة ''رجائي كوكتان''· ''أردوجان'' أذن كان في نشوة غامرة من فرط صيحات التأييد التي حصل عليها بالبرلمان دعما لمشروعه ''حق الفتيات بارتداء ''التوربان'' -أي الحجاب- بالجامعات ومعاهد التعليم العالي، والتي لم تقتصر على حزبه بل امتد ليشمل حزبي ''الحركة القومية اليميني المتطرف'' و''المجتمع الديمقراطي الكردي''، وقبل ذلك كان نسبة 47 بالمائة التي حصل عليها في الانتخابات البرلمانية التي جرت قبل شهور، وهو ما علق عليه الصحفي ''مصطفي بلباي'' -في صحيفة جمهوريت- ''بأن ''أردوجان'' تخيل نفسه فوق القانون، وأن الشعب أوكله تفويضا للتحكم بمصير الدولة، وليت الأمر اقتصر على ذلك فحسب بل بالغ في توقعاته فأخذته العزة مفتخرا بقوته داخل البرلمان··''· ولهذا السبب، بدا مساء الجمعة الموافق 14 مارس، بمثابة زلزال باغت الجالس على قمة الباشباكلنك (رئاسة الوزراء بالعاصمة أنقرة)، فقد قيل إن ''أردوجان'' لم يستوعب لبرهة كلمات محدثه عبر الهاتف، كان قد أبلغه فيها بفحوى مذكرة تدعو لإغلاق حزبه، كان قد قدمها المدعي العام الجمهوري ''عبد الرحمن يالتشين كايا'' للمحكمة الدستورية بضاحية ''شنكاياي'' والذي لا يبتعد سوى خطوات قليلة من الكشك (القصر الجمهوري)؛ أما الرئيس ''عبدالله جول'' الذي تصادف وجوده في العاصمة السنغالية ''داكار'' فقد بدا له الأمر مروعا لأكثر من سبب، الأول: احتمال حل الحزب الذي كان له اليد الطولى في تأسيسه، والثاني: طلب حرمانه من العمل السياسي لمدة خمس سنوات، أما السبب الثالث والأخير فتمثل في الحرج البالغ في أن يظهر بين الرؤساء المشاركين بالقمة -المؤتمر الإسلامي الذي كان يحضرها- كرئيس جمهورية مشكوك في شرعيته· وهكذا لم يعد الأمر كابوسا فقد أصبح حقيقة واقعة لا مفر من مواجهتها، فالمدعي العام الجمهوري الذي سبق وحذر -انطلاقا من صلاحياته التي حددها له الدستور والقانون- من المساس بقيم الجمهورية، سار على نفس درب أسلافه، فقط لم يحذو وبشكـــل كامل حذو ''اورال سواش'' إذ اقتصرت دعوته على غلق حزب العدالة والتنمية، كونه كما ورد في العريضة، ''صار مركزا لأفعال مناهضة للعلمانية'' و''أنه يسعى سعيا تدريجيا لإقامة دولة الشريعة''، في تحــــد صــــارخ للأسس التي لا يجوز تعديلها وبالتالي تغييرها، والتي استقـــرت في ضمير الأمـــة التركيـــة اعتبـــارا من عام ،1924 فضـــلا على أن دستور 1982 أعاد تأكيدها· هذا هو العنوان الأساسي للعريضة، أما العناوين الفرعية فتضمنتها صفحاتها التي تراوحت ما بين 150 و160 صفحة، وفيها رصد تفصيلي لأفعال وممارسات وأقوال ومشاهدات، أكدت خروج الحزب ورموزه عن المبادئ الأساسية للدولة، منهـــا على سبيل المثال لا الحصر، اصرار الرئيس ''عبدالله جول'' على الحجاب وأسملة العيد الوطني، الذي يوافق التاسع والعشرين من أكتوبر من كل عام، وفتح أبواب القصر الجمهوري للمحجبات، وهي مظاهر وضعت تحت عنوان تأسيس ''دولة الشريعة''· أما فيما خص ''أردوجان'' فقد احتل نصيب الأسد من ملاحظات المدعي العام الجمهوري الذي قال، إنه بدأ كتابة دعواه اعتبارا من 17 يناير الماضي، وعقب زيارة ''أردوجان'' لإسبانيا تأكد -من وجهة نظر يالتشين كايا- بما لا يدع مجالا للشك، عن الوجه الحقيقي لـ''أردوجان''، وما يريده من ''شر'' للجمهورية التركية، فقد صرح هناك، ''إن الحجاب في بلاده قضية سيحلها حزب العدالة في جملة واحدة''، وهو ما يعني من وجهة نظر ''يالتشين كايا'' أن العدالة لن يكتفي بحجاب فتيات الجامعات بل سيجعله مسموحا لمرحلة ما قبل التعليم الجامعي· والحق أن الحزب الحاكم وهو يتنبى قضية الحرية الشخصية للمواطنات التركيات، لم يستطع أن يقدم اجابات واضحة بشأن الفصل بين ما هو ديني أو سياسي، بل العكس فقد عمق هواجس المناوئين بمن يصفون بالعلمانيين، بعبارة أخرى إذا كان الحزب حريصا على أن تنال المرأة حقها في نيل التعليم العالي بغض النظر عن ملبسها، فماذا سيفعل حيال حق المحجبات عندما ينتهين من تعليمهن الجامعي في العمل، فأبواب المؤسســات ستكون موصدة أمامهن بحكم القانون، وهـــو ما قد يوحي أن العدالــــة سوف يقدم على خطـــوة أخرى وبنفس منطق الحرية الشخصية تقضي بالسماح لهن بالعمل بغض النظر عن حجابهن!! إلى هنا قد يبدو هذا السرد متشائما بشأن مستقبل العدالة والتنمية، ورغم ذلك فالطريق ليس مسدودا تماما أمام هذا الحزب، صحيح أن الأزمة ضخمــــة، ولا يمكن التقليل من تداعياتها، إلا أن هناك ضوءا يرى بوضوح، وفي نفس المكان الذي تلقى مذكرة حل العدالة الحاكم، فرئيس المحكمة الدستورية ''هاشم كليتش'' المعين حديثا من قبل الرئيس ''جول'' -وحتى لا يتسرب شك في نزاهته- قال إنه سيتبع نفس الاجراءات التي اتخذت في السابق مع الأحزاب التي اغلقت، ورغم ذلك يمكن لهذا القاضي، الذي لا يحتاج لتصويت أعضاء المحكمة، في تلك المرحلة، أن يرفض قبول الدعوى، لافتقارها عددا من الاجراءات القانونية الشكلية، وهذا أمر وراد، وحتى مع افتراض قبولها فالأمر قد يأخذ خمسة شهور، يمكن لرئيس المحكمة أن يمدها لتصبح سبعة، في أثنائها يقوم العدالة بتعديل الدستور، بهدف تقليص صلاحيات المدعي الجمهوري، مقابل إضافة المزيد من القيود للحيلولة دون غلق أي حزب سياسي، وفي حـــال فشـــل تمرير التعديـــــلات بالبرلمـــان -وهو أمر شبه مؤكد- لن يكون هناك مفر من اللجوء إلى الاستفتاء الشعبي، وهذا حق أصيل لا يملكه سوى رئيس الجمهورية، وفي حال جرى فنتائجه مع وطأة الإغراءات المادية، لن تكون سارة ليس للعلمانيين فحسب بل للديمقراطية أيضا· سيد عبدالمجيد- أنقرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©