الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

النخبة صاغية أم طاغية؟

النخبة صاغية أم طاغية؟
19 سبتمبر 2007 22:27
في محاولة للبحث عن المخرج من الفتن التي تحيط بنا، والتي أرى أن سببها الأساسي البعد عن مراد الله في التلاعب بالألفاظ، ومعاجزة الله في آياته وكونه، وتقديم الإنجاز على الأخلاق· نبحث عن النخبة كمحاولة للخروج من الفتن، تلك النخبة التي أرشدنا الله للاستفادة من خبرتها فقال تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [النحل:43]، فالله تعالى أمرنا أن تكون لنا نخبة، فضيّعنا النخبة، والنخبة قد تكون طاغية، وقد تكون صاغية· أما الطاغية فالتي تأمر بالمنكر وتنهى عن المعروف وتتجبر في الأرض وتكفر بالله رب العالمين، وأما الصاغية فالتي صغت قلوبها لذكر الله لا تريد علواً في الأرض ولا فساداً، لقد استبدلنا بالصاغية الطاغية، أهلكنا الصاغية وأخّرناها عن القيادة وعن العمل في الحياة الدنيا وقدّمنا الطاغية، ثم بعد ذلك اختلط الحابل بالنابل، فلا الطاغية بقيت، ولا الصاغية حلت محلها، وأصبح الناس شذر مذر لا مَلأَ لهم ولا أهْلَ ذكْرٍ يرجعون إليهم ويلتفُّون حولهم· كان هذا بدعوى الشعبية والديمقراطية، وأن العصر هو عصر تلك السمات التي تخالف سنن الله في خلقه، ولا يقوم بها المجتمع ولا تستقر بها نفس، فالتساوي المطلق الذي تدعو إليه الديمقراطية، هو أحد إفرازات النسبية المطلقة، وهو أمر مرفوض· وإن القضاء على النخبة والدعوة إلى التساوي المطلق، قد تتضمن في طياته هلاك العالم، وهناك مجموعة من النصوص التي يمكن أن تكون أساسًا لهذا المعنى، قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِى المَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (المجادلة:11)، وقال تعالى: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ···) (البقرة:253)، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِى الأَمْرِ مِنكُمْ) (النساء:59)، فجعل الله للناس رؤوسًا، وجعل ذلك طبقاً لكفاءاتهم، ورغبتهم في الإصلاح دون الإفساد، ونعى على ذلك التصور الذي يكون فيه جميع الناس في تساو مطلق فقال: (لوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا) (الرعد:31)، وقال: (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج:40)· وعدم التساوي لا يعني أبداً عدم المساواة، فربنا يقول: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً) (النساء:1)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ''الناس كأسنان المشط'' رواه القضاعي في مسند الشهاب، والديلمي في مسند الفردوس، وقال صلى الله عليه وسلم: ''يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى'' رواه أحمد والطبراني في الأوسط والكبير· ووجود النخب والصفوة يؤدي إلى حل المشكلات، وإلى الأمن والاستقرار بين الناس، إلا أننا نرى هجمة شرسة لا تستثني أحدًا فالعديد من مجتمعاتنا العربية والإسلامية، تتبنى ذلك التيار الذي يريد اقتلاع النخبة، والقضاء على الصفوة، غير مدركين أن الصفوة إذا ذهبت ذهب معها الأمن والاستقرار والتقدم، وأدت إلى الحيرة والاضطراب· فهذا التيار الذي يدعونا لإذابة النخبة، وأن نكون كلنا نتكلم في كل التخصصات، ودعوى أحقية كل الناس أن يكونوا متخصصين بغير علم، وكأنهم يريدون أن نكون كلنا أطباء، وكلنا فقهاء، وكلنا فلكيين· [يتبع]
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©