الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أشعب وسعدى

19 سبتمبر 2007 22:26
رُوي أن الوليد بن يزيد كان متزوجاً من سعدى بنت سعيد بن عمرو بن عثمان بن عفان، ثم طلقها وتزوجت غيره، وكاد يُجنُّ عليها، فدعا أشعب وقال له: لك عندي عشرة آلاف درهم إن بلغت سعدى رسالتي، فقال له: أحضر المال حتى أنظر إليه، فأحضر الوليد بدرة فوضعها أشعب على عنقه، وقال: هات الرسالة، قال قل لها يقول لك: أسعدى هل إليك لنا سبيل وهل حتى القيامة من تلاق بلى ولعل دهراً أن يؤاتي بموت من حليلك أو طلاق فأصبح شامتاً وتقر عيني ويجمع شملنا بعد افتراق وتوجه أشعب إليها وكانت جل نسوة المدينة لا يحتجبن عن أشعب، وقال لها: أريد أن أقول لك كلاماً، قالت هاته، فتلا البيت الأول: أسعدى هل إليك لنا سبيل وهل حتى القيامة من تلاق ففهمت أنه من الوليد فقالت: لا والله لا يكون ذلك التلاقي أبداً فقال البيت الثاني: بلى ولعل دهراً أن يؤاتي بموت من حليلك أو طلاق قالت: كلا إن شاء الله، بل يفعل الله ذلك به، فقال الثالث: فأُصبحُ شامتاً وتقر عيني ويجمع شملنا بعد افتراق قالت: بل تكون الشماتة به إن شاء الله، ثم قالت لخدمها خذوا الفاسق وأدبوه! فقال: يا سيدتي إنها عشرة آلاف درهم، فقالت: والله إني أقتلك إن لم تبلغه كما بلغتني، قال وما تهبين لي كما وهب هو لي؟ قالت: بساطي الذي أجلس عليه قال: فقومي عنه فقامت فطواه وأخذه وقال لها: إليّ بالرسالة، قالت قل له: أتبكي على لبنى وأنت تركتها فقد ذهبت لبنى فما أنت صانع فدخل على الوليد وبلغه الرسالة وما كان من الأمر فغضب وقال له: قتلتني والله فاختر لك واحدة من ثلاث: إما أن أنزلك منكساً في حوض ماء، وإما أن ألقي بك من أعلى القصر منكساً، وإما أن أضرب رأسك بهذه العصا· فقال له أشعب: ما كنتَ فاعلاً بي شيئاً من ذلك، قال: ولِمَ ويلك؟ قال: لأنك لا تعذب عينين رأتا سعدى! قال صدقت وتركه ينصرف· مناظرة قال الجمل: أنا أحمل الأحمال الثقال، وأقطع بها المراحل الطوال، وأكابد الكلال، وأصبر على مُر النكال، ولا يعتريني من ذلك ملال، وأصول صولة الإدلال، بل أنقادُ للطفل الصغير ولو شئت استصعبت على الأمير الكبير، فأنا الذلول وللأثقال حمول، لست بالخائن ولا الغلول ولا الصائل عند الوصول، أقطع في الوحول ما يعجز عنه الفحول، وأصابر الظلماء في الهواجر ولا أحول، فإذا قضيت حق صاحبي وبلغت مآربي ألقيت حبلي على غاربي، وذهبت في البوادي أكتسب من الحلال زادي، فإن سمعت صوت حادي سلمت إليه قيادي، وواصلت فيه سهادي، وطلقت طيب رقادي ومددت إليه من عنقي لبلوغ مرادي، فأنا إن ضللت فالدليل هادي، وإن زللت أخذ بيدي من إليه انقيادي، وإن ظمئت فذكر الحبيب زادي، وأنا المسخر لكم بإشارة (وتحمل أثقالكم) (النحل:7)، فلم أزل بين رحلة ومقام حتى أصل الى ذلك المقام· فقال الحصان: أنا أحمل على كاهلي فأجتهد به في السير، وأنطلق به كالطير أهجم هجوم الليل وأقتحم اقتحام السيل، فإن كان طالباً أدرك في طلبه وإن كان مطلوباً قطعت عنه سببه، وجعلت أسباب الردى عنه مُحتجبة، فلا يُدرك مني إلا الغبار ولا يسمع عني إلا الأخبار وإن كان الجمل هو الصابر المجرب فأنا السابق المقرب، وإن كان هو المقتصد اللاحق فأنا المقرب السابق· فإذا كان يوم اللقاء أقدمت إقدام الواله وسبقت سبق نباله، وذلك مُتخلف لثقل أحماله· وإن أوثق سائسي قيدي وأمِن قائدي كيدي، أوثقت بشكالي لكيلا أحول على أشكالي، وألجمت بلجامي كيلا أغفل عن قيامي وانْعِلَت الحديدَ أقدامي كيلا أكِلَّ عن إقدامي· فأنا الموعود بالنجاة المعدود لنيل الجاه، المشدود للسلامة المقصود للكرامة، قد أجزل النعم على إنعامه وأمضى بالعناية الأزلية أحكامه، فإن الخير معقود بنواصي الخيل الى يوم القيامة· خُلِقتُ في الريح وأُلهمت التسبيح، وما برح ظهري عزاً وبطني كنزاً وصهوتي حِرزاً· فكم ركضت في ميدان السباق وما أبديت عجزاً، وكم حَزَزتُ رؤوس أهل النفاق حزّاً وكم أخليت منهم الآفاق (هل تُحِسُّ مِنهُم مِن أحدٍ أو تَسمَعُ لَهُم رِكزاً) (مريم: 98)·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©