السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شهادة إلهية بأخلاق الرسول وتتويج ما كان معروفاً عنه

شهادة إلهية بأخلاق الرسول وتتويج ما كان معروفاً عنه
10 فبراير 2012
يُذكر البعض أن قول الله سبحانه «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ»، هو آية مكية تعد من أول ما نزل، ولم يكن قد نزل من القرآن الكريم ما تعرف به القيم الخلقية، فكيف ساغ أن يوصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه على خلق عظيم، والواقع أن الآية الكريمة تؤكد ما علم الله أزلاً من خلق نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقد كان منذ صباه معروفاً في قومه بسمو الخلق، كما كان في شبابه فتى قريش أمانة وصدقاً ونبلاً وعفة حتى نص على ذلك في خطبة زواجه صلى الله عليه وسلم من أم المؤمنين خديجة، فقال عنه أبو طالب «أما بعد، فإن محمداً ممن لا يوازن به فتى من قريش إلا رجح به شرفاً ونبلاً وفضلاً وعقلاً». شهادة أم المؤمنين ثم تأتي شهادة أم المؤمنين خديجة رضى الله عنها في ليلة القدر لتصب في السياق ذاته، إذ قالت كما يروى ابن هشام في سيرته «الله يرعانا يا أبا القاسم، أبشر يا ابن العم وأثبت فوالله لا يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم، وتؤدى الأمانة، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقرى الضيف وتعين على نوائب الحق ثم تأتى آية القلم «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ» سورة القلم، الآية 4، من أوائل الوحي لتمثل الشهادة الإلهية بعظمة خلق المصطفى صلى الله عليه وسلم، وتتوج ما كان معروفاً من مكارم أخلاقه بين عشيرته وقومه فتمنحه القوة على مواجهة المكذبين الطاغين، وتكون معلماً من معالم إثبات الرسالة وصدق الدين. والواقع أن جوانب العظمة في الشخصية النبوية المطهرة تتعدد مظاهرها في كتاب الله سبحانه وتعالى، منها أن الحق سبحانه خلق الخلق، واصطفى من الخلق الأنبياء ثم اصطفى من الأنبياء المرسلين، ثم اصطفى من المرسلين أولى العزم من الرسل (نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد)، ثم اصطفى من أولى العزم محمد، صلى الله عليه وسلم، فختم به النبيين والمرسلين الذي بين في كتابه أن الحق سبحانه قد شرح له صدره، ورفع له ذكره، وأعلى له قدره وزكاه في كل شيء يتعلّق به؛ زكاه في عقله فقال سبحانه (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى)، “سورة النجم، الآية 2”. وزكاه في منطقه وصدقه فقال سبحانه (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى)، “سورة النجم، الآية 3”. وزكاه في فؤاده وقلبه فقال سبحانه (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى)، “سورة النجم، الآية 11”. وزكاه في بصره وعينه فقال سبحانه (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى) “سورة النجم، الآية 17”. وزكاه في حكمته وعلمه فقال سبحانه (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى)، “سورة النجم، الآية 5”. وقال سبحانه (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا)، “سورة النساء، الآية 113”. وزكاه في حسن سياسته ورعايته لأمته فقال سبحانه (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)، “سورة التوبة، الآية 128”. الشخصية النبوية ثم زكاه كله في آية جامعة، فقال سبحانه (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، ونبصر كذلك من ملامح العظمة في الشخصية النبوية المطهرة في القرآن الكريم أن الحق سبحانه وتعالى لم يقسم بحياة أحد من البشر سوى محمد صلى الله عليه وسلم حيث يقول سبحانه (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) “سورة الحجر، الآية 72”. يقول الإمام الرازي في تفسيره لهذه الآية الكريمة “إن الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وانه تعالى أقسم بحياته، وما أقسم بحياة أحد، فدل ذلك على أنه أكرم الخلق على الله تعالى. ويذكر الإمام القرطبي فيما نقله عن القاضي أبو بكر بن العربي، والقاضي عياض إجماع المفسرين على المعنى السابق وما يحمله هذا القسم من نهاية التعظيم وغاية البر والتشريف من الله سبحانه وتعالى لنبيه، وعللوا لذلك بما ذكره أبو الجوزاء من قوله “ما أقسم الله بحياة أحد غير محمد، إلا لأنه أكرم البرية عنده”. وما ذكره ابن عباس رضى الله عنهما من قوله “والله ما خلق وما ذرأ وما برأ نفساً أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم”، ثم تلى هذه الآية الكريمة. وإذا كان الحق سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة قد أقسم بنبيه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم فدل بذلك على غاية التكريم وذروة التشريف له، فإننا نلمح في آية أخرى قسم آخر يدل على صدقه صلى الله عليه وسلم في النبوة والرسالة وإثبات ذلك له، إذ يقول سبحانه (يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ)، “سورة يس، الآيات 1 - 2 - 3”. التعظيم والتبجيل ويذكر الإمام القرطبي عن كعب أن الحق سبحانه وتعالى أقسم في هذه الآية، وقال: يا محمد إنك لمن المرسلين. ولم يقسم الله تعالى لأحد من أنبيائه بالرسالة في كتابه إلا له صلى الله عليه وسلم، وهذا فيه من التعظيم والتبجيل للنبي صلى الله عليه وسلم مالا يخفى على أحد، ومن ثم يحكى الإمام القشيري عن ابن عباس رضى الله عنهما أن كفار قريش قد قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد لست مرسلاً، وما أرسلك الله إلينا. فأقسم الله بالقرآن المحكم أن محمداً صلى الله عليه وسلم من المرسلين. ويذكر الإمام الرازي أن هذا القسم من الله ليس مجرد حلف أو يمين فحسب، وإنما هو في حقيقته دليل سيق في صورة القسم واليمين، لأن القرآن معجزة، ودليل إثبات النبوة والرسالة للنبي صلى الله عليه وسلم هو المعجزة ومن ثم يثبت أن القرآن الكريم دليل على صدق النبي صلى الله عليه وسلم وإثبات للنبوة والرسالة له. كذلك نجد بجانب خصوصية القسم، خصوصية النداء والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم، فما من نبي ولا رسول إلا خاطبه الحق سبحانه وتعالى باسمه مجرداً، فقال في حق آدم عليه السلام (يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ)، “سورة البقرة، الآية 35”. وقال في حق نوح عليه السلام (يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ)، “سور نوح، الآية 48”. وقال في حق إبراهيم (وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا)، “سورة الصافات، الآيتان 104 - 105”. خطاب إلهي وقال في حق موسى عليه السلام (قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ)، “سورة الأعراف، الآية 144”. وقال سبحانه في خطابه لعيسى عليه السلام (يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ)، “سورة آل عمران، الآية 55”. وقال سبحانه في حق داوود (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ)، “سورة ص، الآية 26”. أما زكريا ويحيى عليهما السلام فقد قال جل شأنه في خطابه لهما (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ)، “سورة مريم، الآية 7”. (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ)، “سورة مريم، الآية 12”. أما النبي محمد صلى الله عليه وسلم فلم يتوجه خطاب إلهي إليه إلا مقروناً بالنبوة والرسالة، إذ يقول الحق سبحانه (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا)، “سورة الأحزاب، الآية 45”. المكانة ويقول سبحانه (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ)، “سورة المائدة، الآية 67”. فدل خصوصية النداء من الله سبحانه لنبيه في كتابه على خصوصية المنزلة وعظم التكريم. وتبقى المزية الكبرى والمنزلة العظمى من الله سبحانه لنبيه إذ خصه بالشفاعة التي لم تنعقد لأحد سواه، يقول سبحانه (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا)، “سورة الإسراء، الآية 79”. والمقام المحمود على حسب ما قرره المفسرون هو الشفاعة للناس يوم القيامة، واستشهدوا على ذلك بما رواه الإمام البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضى الله عنهما قال (إن الناس يصيرون يوم القيامة جثا كل أمة تتبع نبيها تقول: يا فلان اشفع، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود. ويروى الإمام الترمذي عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله (عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا) سئل عنها فقال: “هي الشفاعة”. د. محمد عبد الرحيم البيومي كلية الشريعة والقانون - جامعة الإمارات
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©