الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

طلاق في شهر العسل

طلاق في شهر العسل
10 فبراير 2012
(القاهرة) - في البيت مربية أطفال تتولى متابعة دروسها، وتلازمها في النادي وأيضاً في تحركاتها غير العائلية، بجانب الخادمة التي تستجيب لكل أوامرها، وكل ما تحلم به فهو واجب التنفيذ بلا نقاش، وسائق خاص يقوم بتوصيلها إلى المدرسة يومياً والى صديقاتها أو أي مكان تريده، وقد سخر الأب الثري إمكاناته لإسعاد ابنتيه، وكانت هذه هي الصغرى منهما، لم لا وهو لا يدخر هذا المال إلاّ من أجلهما ولأنه يحبهما وكانتا كل شيء في حياته فقد تفانى في البذل والعطاء لهما بلا حدود، ينفق ربما بإسراف، فما المال إلا وسيلة للسعادة والاستمتاع به، لذا هو يرى أن البخلاء يعاقبون أنفسهم، لأنهم يكتنزون ويدخرون ويعيشون في حرمان من الحاجات الضرورية، إما رغبة في الزيادة أو خوفاً من النقصان أو كليهما معاً وهذا كثيراً ما يخلق فجوة بين الآباء والأبناء وأيضاً جفاء وقطيعة، وفي النهاية فإنه يكون ميراثا لهم، والأفضل أن يحصلوا عليه في حياته، ولا يعقل أن يكون المال بين يديه ويحرمهم منه، مثل الظمآن والماء يجري أمامه. هكذا كانت فلسفته، فألحق ابنتيه بمدارس أجنبية، مصروفاتها بالدولار تكفي لنفقات أسرة كاملة خلال عام، وهذه الصغرى لها عنده مزيد من الحب لا تفضيلاً على أختها، ولكن لأنها في عينيه الأضعف، تهرع إليه عند حضوره وتقبله وتحتضنه، وكذلك تودعه عند خروجه بكلمات أكبر من عمرها، لديها ألاعيب الصغار البريئة الجميلة التي يحب الآباء أن ينخدعوا بها، فلا قبل له بمقاومة نفسه وهو يشتري لها الملابس من دون أن تكون بحاجة لها، والإسراف في الحلوى والشيكولاته، حتى أن زوجته كانت تغار أحياناً من معاملته وتدليله لها وتتمنى أن تكون مكانها. ومن المدرسة إلى الجامعة الأجنبية أيضاً، كانت هديتها سيارة خاصة تجذب الأنظار، إلا أن شرطها الوحيد أن تتخلص من السائق وتقود سيارتها بنفسها، ترى أنها كبرت وليست بحاجة إليه، بجانب أنها لا تريد أن تتقيد بمواعيد، فالمحاضرات ليست بمواقيت محددة ثابتة، ولا مانع من نزهة مع صديقاتها في نهاية اليوم، وبالطبع هناك ثقة تامة بأخلاقها وحسن تصرفها، فجاءت الاستجابة لمطالبها التي عرضتها بطريقتها التي لا يملك الأب أمامها إلا الموافقة. أصبحت لها “شلَّة” من الأصدقاء والصديقات، وبالرغم من تقارب المستوى المادي بينها وبينهم، لكنها كانت متميزة وسطهم مثل الشمس بين النجوم في رابعة النهار، فليسوا كلهم يملكون سيارات أو يتقاضون مصروفا يكفي للخروج والنزهة اليومية في أماكن متميزة، وهي ورثت الكرم عن أبيها مبكراً فتغدق عليهم بلا حساب، ولم يكن تجمعهم حولها طمعاً في مالها وإنما هُناك روابط شبابية بينهم، لا تعتمد على المصلحة أو المنفعة. وانقضت تلك السنوات الجميلة سريعاً، وطغت مشاعر الأسف على فرحة التخرج بسبب التفرق بعد الدراسة، فلن يكون سهلاً أو متاحاً الاستمرار في الحياة بنفس الأسلوب، فلكل مرحلة عمرية ظروفها وطريقة عيشها، وإن كانت أجهزة المحمول ووسائل الاتصال الحديثة الكثيرة قادرة على تحقيق التواصل بينهم حتى لو انتشروا في أرجاء المعمورة، فمنهم من يحلم بالسفر إلى بلاد الفرنجة للعمل هناك أو لإكمال الدراسات العليا، وآخرون يسعون للهجرة، وإن كانوا جميعاً ليسوا من الفئات التي تتعلَّم من أجل البحث عن فرصة عمل أو من أجل المال فهم ليسوا بحاجة إلى ذلك وإنما يتعلَّمون من أجل العلم والمستوى الاجتماعي أو الوجاهة، وقد يكون ذلك هو كلمة السر في تفوقهم الدراسي. من الطبيعي أن تكون فتاة في مثل ظروفها وجمالها مرغوبة للزواج، لكن لا بد أن يكون العريس كفؤاً لها من كل النواحي، خاصة أنها لا تخالط إلا الأغنياء في الحي الراقي الذي تقيم فيه أو في النادي العريق الذي لا يقدر إلا الأثرياء على الاشتراك به، وأيضاً في المنتديات والمناسبات، ويخطئ من يتوهَّم أن الناس متساوون وأن الدنيا قد تطورت وزالت الفوارق بين البشر، إلا من يؤمن أنه لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح، وقليل ما هم، إذ ما زالت المفاهيم القديمة تعشش في العقول. وجاءها من يطلب يدها، لم تكن هناك معرفة سابقة به، فهذه الطبقة من البشر ما زال معظم زيجاتها يتم بالطرق التقليدية ومن خلال ترشيحات الأهل، وهذا الذي جاءها كان كذلك، من نفس الطبقة الراقية التي تنتمي إليها، تجمعهما صفات شكلية كثيرة، لكنهما مجهولان لبعضهما تماماً كشخصيتين، لا يعرف أي منهما الآخر لا ماذا يحب ولا ماذا يكره ولا ما هي طبائعه، حتى وإن كان مسموحاً لهما الالتقاء والحديث باستفاضة على انفراد، إلا أنهما كانا يتحدثان بعيداً عمّا يخص حياتهما القادمة، فلا مشاكل أمامهما تعرقل مسيرتهما مثل غيرهما من الشباب الذين يعانون من أجل الحصول على المأوى وتكاليف الزواج، وهو قد وفر له أبوه ذلك منذ سنوات حتى قبل تخرجه، ولديه من المال الكثير، لذلك لا وجود للمشاكل التقليدية والاختلافات، وقد أغدق عليها المجوهرات وشبكة ثمينة تليق بالعروس وبظروف الأسرتين، ولم يكن الحديث إلا حول الاتفاق على أماكن شراء الأثاث ومن أي بلد سيتم استيراده، وفي أي فندق سبعة نجوم سيقام الحفل الأسطوري للزفاف. من الطبيعي أن تكون سعيدة بأنها ستتزوج وتنتقل إلى بيت زوجها، ولم تتخط الثانية والعشرين من عمرها، حتى لو لم تعش قصة حب سابقة مع خطيبها، فليس بالضرورة أن تكون الزيجة الناجحة مسبوقة بعلاقة غرامية، فكثيراً من الزيجات كانت كذلك وقد فشلت فشلاً ذريعاً، المهم ما سيظهر من خلال العشرة اليومية، صديقاتها بالطبع تغبطنها على ما هي فيه، وتتمنين كلهن أن يكن مكانها، ولا يخلو الأمر من الحسد من بعضهن، إلا واحدة متمردة بطبعها تنبري من بينهن وتعلنها صراحة أنها ترفض الزواج لأنها لا تقبل أن يتحكم أي رجل فيها، وأوَّل شروطها أن قبلت بواحد من أبناء آدم ألا يسألها عن أي تصرف ومن حقها أن تفعل ما تريد من دون الرجوع إليه، بل هو الذي يرجع إليها في كل صغيرة وكبيرة، فتهامسن بأنها لن تتزوج أبداً وهي تتحدث من أرنبة أنفها. انتقلت الصغيرة المدللة إلى بيت رجل لم تألفه، أظهرت الأيام الأولى الاختلافات الكبيرة بينهما، فقد لاحظت أنه كذوب، طماع بخيل، لا يحب الخروج كي لا ينفق أي مال ويختلق الحجج لينام، طلب منها أن يكون راتبها له ومن حقه أن يتصرَّف فيه رغم أن أباها تعهد بأن يقدم لهما مبلغاً شهرياً لمساعدتهما، وحتى هذا المبلغ يريد أن يستولي عليه بحجة الادخار من أجل مستقبل أبنائهما القادمين، اختصر أسبوع العسل إلى يومين في الفندق مدعياً أنه يريد أن يبدأ حياته الزوجية في بيته، واكتشفت أن هذا ليس صحيحاً وإنما السبب الحقيقي هو شحه وإمساكه، وبينما كانت في بيت أبيها تنعم بكل أطايب الطعام وما تهفو إليه نفسها فإنها تكاد تعيش على وجه الكفاف، لولا ما يأتيهما أيضاً من أبيها من أطعمة لأنهما في شهر العسل، وهو من جانبه لا يبادر ليدعوها للتنزه أو الخروج لقضاء سهرة في مكان مناسب، ولو كان فقيراً ما حدثت نفسها بذلك، وترى في زوجها شخصية مختلفة تمام الاختلاف عن شخصية أبيها وتصرفاته، فكان النفور منه سريعاً، ولم يستجب لأي مطلب لها ولم يلب أي رغبة وشعرت كأنها في سجن لا بد من الخلاص منه. هو أيضاً من جانبه يرى بها عيوباً كثيرة، فهي لا تتحدث مثل كل خلق الله من حولهما، وإنما دائماً تخلط كلامها العربي بمفردات ومصطلحات فرنسية وإنجليزية، صحيح أنها لم تدع ذلك، وإنما اعتادته من صغرها بسبب تعليمها والوسط الذي نشأت وتعاملت معه، ويغلب طبعها تطبعها، تفكيرها من وجهة نظره تافه ولا يرقى إلى تحمل المسؤولية، فلا تهتم إلا بالمكياج والتنزه وآخر صرعات الموضة، أما ما يفجر مرارته - على حد تعبيره - فهو اهتمامها بمعدتها، فالطعام يأتي في مقدمة كل شيء عندها، ولا يرى فيها الزوجة التي تهتم به وبشؤونه، وإذا كان هذا في بداية أيامهما، فماذا سيحدث بعد شهور وسنين وانجاب أبناء من الآن تعيش لنفسها. الشكوى ظهرت من الاثنين مبكراً، ووصلت إلى الأهل قبل مرور الشهر الأول على زواجهما، حاولت أمها أن تفهمها أصول الحياة الزوجية وتفادي الملاحظات التي يراها زوجها إلا أنها لم تكن قادرة على التعامل مع هذه الشخصية، ولا توجد نقطة التقاء بينهما، وأبوها لم يتحمل أن تعامل “طفلته” بهذا الأسلوب، رفض أن تقهر، وهو يملك المال الذي يسعدها به ويلبي احتياجاتها بل أحلامها، وانقاد وراء ما تريد، أنه أسرع طلب للطلاق بين الأسرتين، لكن هذا يعني أن العريس سوف يعطيها كامل حقوقها، فرفض طلبها لأنه يطمع في أن يحصل على كل ما قدمه لها وكثير مما جاءت به. لم يكن أمام العروس الصغيرة وأبيها إلا اللجوء إلى المحكمة وإقامة دعوى خُلع ضده، وتتنازل الزوجة عن كل حقوقها مقابل حريتها التي تريد، إلا أن الزوج يقف أمام المحكمة ويطلب الصلح، فتمهلهما أسبوعاً لإتمامه، لكن بلا فائدة وتقضي المحكمة بخلعها منه، لتصبح “الطفلة” مطلقة، ولم يحقق لها مال أبيها السعادة الزوجية، وما كان ميزة بالأمس تحسدها عليه قريناتها أصبح سوءة اليوم، يفر منه الجميع، حتى المقربات منها لا تقبلن أن تكون صديقتهن مطلقة، انفض الكل من حولها، فأصبحت وحيدة لا تجد من يجالسها إلا أباها عندما يكون عنده بعض فراغ.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©