الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فيتنام.. الذاكرة ملْك السلطة!

7 فبراير 2015 21:34
قبل خمس سنوات بدأت تجربة لدراسة الرقابة في فيتنام. ففي 2009، وقعت عقداً لإصدار كتاب لي بعنوان «الجاسوس الذي أحبنا»، ويحكي قصة «فام شوان آن»، الصحفي الأكثر شهرة خلال حرب فيتنام. وبعد انتهاء الحرب علمنا أن «آن» تلقى عشرات الميداليات العسكرية كجاسوس شيوعي وخدم كأكثر الأسلحة السرية المميتة في فيتنام الشمالية. وقد يظن المرء أن كتاباً عن «بطل القوات المسلحة الشعبية» سينشر في فيتنام دون صعوبة، لكن لا شيء ينشر في فيتنام دون رقابة. وعندما صدرت ترجمة الكتاب أخيراً في 2014، سافرت إلى هانوي للقاء مسؤولي الرقابة والذين كانوا يتسمون بالشجاعة والرغبة في الاعتراف بالوضع. لكن خلفهم كانت تقف كتيبة مجهولة تعمل في جميع أنحاء المجتمع الفيتنامي. وقد اعتذر مسؤولو الرقابة بسبب ما ينبغي عليهم القيام به، آملين أن تتحسن الأمور في المستقبل. لكن مع قيام فيتنام والصين بالزج بعدد متزايد من الصحفيين والمدونين والكُتاب في السجون، فإن المد يسير في الاتجاه المعاكس. لذا فقد قررت القيام بترجمة دقيقة لكتابي وطبع نسخ خضعت للرقابة وأخرى لم تتم الرقابة عليها. وتم إصدار هذه النصوص على الإنترنت في نوفمبر، وفي انتظار صدور المزيد منها قريباً. فما هي الأجزاء التي حذفتها الرقابة من كتابي؟ إن الصحفي «آن» ليس مسموحاً له أن «يحب» الولايات المتحدة أو الفترة التي أمضاها في دراسة الصحافة في كاليفورنيا. والمسموح له فقط هو «فهم» الولايات المتحدة. كما حذفت الرقابة أسماء المنفيين الفيتناميين وتعليقاتهم، وكذلك أي انتقاد للصين أو ذكر للرشوة والفساد والمخالفات التي يرتكبها المسؤولون العموميون. وحتى اسم الجنرال العظيم «فو نجوين جياب» الذي قاد فيتنام للانتصار على الفرنسيين في معركة «ديان بيان» في 1954، فقد تم حذفه من السرد، بعد أن أصبح لا يحظى بقبول قبل وفاته في 2013. أما الأحداث المعروفة فقد تم استئصالها من التاريخ الفيتنامي: مثل حملة الذهب 1946، عندما دفع «هو شي منه» رشوة كبيرة للصينيين لحملهم على التراجع من شمال فيتنام، وحملات الإصلاح الزراعي الفاشلة في خمسينيات القرن، وحرب 1978 في كمبوديا، والحرب الحدودية ضد الصين في 1979. واختفت أيضا آخر أمنيات «آن»، وهي أن يتم إحراق جثته ونثر رمادها في نهر «دونج ناي». وتم استبدالها بوصف مشهد جنازته والتأبين الذي ألقاه رئيس المخابرات العسكرية. وهناك أيضاً قائمة طويلة من «الأخطاء» في ترجمة هانوي، والكلمات التي أساء المحررون الفيتناميون فهمها، إما بالفعل أو عمداً مثل «الكاتب الشبح –خيانة -رشوة –غدر -إرهاب -تعذيب –منظمات الواجهة -أقليات عرقية –معسكرات إعادة التربية». ولا يسمح للفرنسيين ولا الأميركيين بتعليم الفيتناميين أي شيء. ولم يكن لدى فيتنام لاجئون وإنما فقط مستوطنون. أما الإشارة إلى الشيوعية باعتبارها «عقيدة فاشلة» فقد تم حذفها، وكذلك وصف «آن» لنفسه بأن لديه دماغا أميركيا تم تركيبه على جسد فيتنامي. وفي الواقع، فقد تم حذف جميع مزحات «آن» ناهيك عن تحليله للكيفية التي قام بها الشيوعيون باستبدال شرطة رئيس جنوب فيتنام «نجو دينه ديم» بالشرطة الخاصة بهم. وفي نهاية كتابي، اختفت جميع الصفحات التي تحمل الملاحظات والمصادر. والواقع أن جميع التغييرات الماكرة تحدث على مستوى اللغة. إن الرقابة تنطوي على السيطرة السياسية والتأكيد على السلطة، لكن في هذه الحالة تشمل كذلك السيطرة على الذاكرة والتاريخ واللغة. إنني فقط أسلط الضوء على حقائق حول نية النظام للدفاع عن امتيازاته. ففي فيتنام، يكون الماضي والطريقة التي تتحدث بها عنه ملكاً للدولة. توماس باس* *صحفي متخصص في التحقيقات ويدرس الصحافة في جامعة ولاية نيويورك ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©