الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هالة اسفاندياري·· سجينة الوطن

هالة اسفاندياري·· سجينة الوطن
17 سبتمبر 2007 00:24
ما أن أغلق خلفي الباب الحديدي الأصم، حتى انقطعت عن العالم الخارجي فجأة، ووجدت نفسي وحيدة بين أربعة جدران شاهقة· لقد كان ذلك هو سجني الانفرادي في موطني إيران، بالطبع يصعب على المرء وصف المشاعر التي تنتابه لحظة دخوله زنزانة السجن· فهناك الخوف والشعور بعدم التصديق في بادئ الأمر: كيف انتهى بي الحال إلى سجينة سياسية؟ وهل يستمر هذا إلى بضعة أيام أم أسابيع أم شهور وسنوات؟ وهل سأصمد أمام الضغوط التي سأواجهها؟ وكنت قد اعتقلت من قبل بعض عملاء وزارة المخابرات الإيرانية في الثامن من مايو المنصرم، بسبب ما أثير حولي من شكوك بأنني ربما تكون لي أنشطة تهدف إلى زعزعة أمن الجمهورية الإسلامية· ومن يومها تحولت هذه الزنزانة الواقعة في العنبر رقم 209 من سجن ''إيفن'' الإيراني إلى بيت لي طوال الأيام المائة والخمسة اللاحقة· لقد عدت إلى طهران في شهر ديسمبر من العام الماضي، بهدف زيارة والدتي البالغة من العمر 93 عاما، وما أن مكثت معها بعض الوقت وحاولت العودة إلى الولايات المتحدة الأميركية، حتى فوجئت باعتراض السلطات على سفري في شهر يناير الماضي، وخلال الأسابيع التالية، أخضعت لسلسلة من التحقيقات المكثفة مع مسؤولي وزارة المخابرات، تمحورت كلها حول عملي في إدارة برنامج الشرق الأوسط بمركز ''وودرو ويلسون'' بواشنطن· وحين حدث انقطاع مفاجئ في التحقيقات الجارية معي لمدة ستة أسابيع كاملة، اعتقدت أنني أجبت بما يكفي عن جميع الأسئلة التي وجهت إليّ، غير أن الذي حدث هو استدعائي إلى مبنى الوزارة حيث تم توقيفي وبعد 24 ساعة من اعتقالي مثلت أمام قاضي محكمة ثورية، كان مهذباً معي إلا أنه كان صارماً ومهنياً في أداء عمله، فحرر لي أمر اعتقال حملّه اتهاماً لي بتهديد الأمن الوطني الإيراني· وكم بدا لي ذلك الاتهام مضحكاً·· فأنا المرأة البالغة من العمر 67 عاماً، هذه الجدة العجوز، كيف لها أن تهدد الأمن القومي لأكبر دول المنطقة كثافة سكانية وأقواها؟! وأن يكون المرء في زنزانة الحبس الانفرادي، فإن ذلك يعني أن يتشبث بحبال الأمل وأن يكافح من دون يأس أو قنوط· وعلى امتداد ما يقارب الأربعة أشهر بعد ذلك، ظل شكل الاتصال الوحيد بيني والآخرين من البشر، مع المحققين· وكانوا قد سمحوا لي في وقت مبكر من شهر مارس الماضي بالإطلاع على الصحف ومشاهدة التلفزيون· لكن وعلى رغم ذلك فقد غاب عني ذلك الاهتمام الصحفي الذي أحاط بحادثة اعتقالي، كما غابت عني أخبار تلك الحملة التي صعدتها عائلتي ومؤيدون مطالبين فيها بحريتي وإطلاق سراحي· وما كنت أدري كذلك بالرسائل التي وقّع عليها مئات من الأكاديميين والمثقفين وغيرهم نيابة عني، فضلاً عن تدخلات العديد من الدول والحكومات والتماسها السلطات الإيرانية بفك قيدي، فكل الذي كنت أعرفه هو زنزانتي وجدرانها الأربعة· استؤنفت التحقيقات معي أثناء وجودي في الحبس، ومضت على ذات المنوال والاتهامات المثارة ضدي، مع أنها أصبحت أكثر تهذيباً ولطفاً في المعاملة، وأقصر مدة زمنية· ومع ذلك فما كانت أي جلسة من جلساتها لتنتهي قبل مضي بين ثلاث إلى أربع ساعات· إن كل ما يسود في أوساط مسؤولي المخابرات الإيرانية الاعتقاد بأن عدم تفكير إدارة ''بوش'' حتى الآن في توجيه ضربة عسكرية إلى بلادهم، يرتبط بتهديد آخر أكثر نعومة ألا وهو الحث على اندلاع ثورة شعبية سلمية على النظام الحاكم، على غرار ما حدث في كل من جمهوريتي ''جورجيا'' و''أوكرانيا''· وفي سبيل تحقيق هذه الغاية، فإنه لا بد للإدارة من استخدام مؤسسات البحث والدراسات، بل وحتى الجامعات والمؤسسات التعليمية في تنظيم ورش العمل للنساء الإيرانيات، وتوجيه الدعوات للباحثين وقادة الرأي العام الإيراني للمشاركة في المؤتمرات والإغداق عليهم بالمنح والزمالات البحثية· ويعتقد مسؤولو المخابرات الإيرانية أن هدف واشنطن من وراء كل هذه الجهود، خلق شبكة واسعة ممن يبدون ميلاً وتأييداً لفكرة تغيير النظام الحاكم في طهران· وفي كافة التحقيقات التي أجريت معي على امتداد عدة أسابيع، ظللت أحاول إقناع المسؤولين بأن مركز ''وودرو''ويلسون'' الذي أعمل فيه لا علاقة له بأي من هذه المخططات التي ينسبونها للإدارة· وعلى الرغم من أنني لم أوفق في محاولاتي هذه، إلا أنهم تقبلوا في نهاية الأمر فيما يبدو، فكرة أنني لم أكن طرفاً في أي مؤامرة تستهدف الأمن الإيراني على أقل تقدير· لقد علمت في وقت مبكر من شهر أغسطس الماضي، وإن كان ذلك بشكل عام يفتقر إلى الكثير من التفاصيل، بأمر الرسائل التي تم تبادلها بشأني بين ''لي هاملتون'' رئيس مركز ''وودرو ويلسون'' والزعيم الروحي الإيراني آية الله علي خامنئي، وما أسفرت عنه هذه الاتصالات والرسائل -في رأيي- من إحداث الطفرة التي انتهت بإطلاق سراحي في نهاية الأمر، بذات الطريقة المفاجئة التي اعتقلت بها· ففي ساعة متأخرة من يوم 23 أغسطس، جاءني كبير المحققين وطلب مني أن أحزم أمتعتي وأغراضي· وبعد عشرة أيام بالضبط من ذلك التاريخ أعيد إليّ جواز سفري، وفي الثالث من سبتمبر الجاري، كنت على متن إحدى الطائرات الأسترالية المتجهة إلى مطار فيينا· وما أن أحكمت المضيفة إغلاق باب الطائرة، حتى أشعرتني صفعة الباب الأخيرة تلك، بأنها مؤشر أكيد على عودتي إلى أهلي وأصدقائي، بل وإلى حريتي التي افتقدتها طوال الفترة الماضية· مديرة برامج الشرق الأوسط بمركز وودرو ويلسون ومؤلفة كتاب حيوات معمّرة: النساء والثورة الإسلامية الإيرانية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©