المعز قاد ثورة النقود الفاطمية

نشأت الدولة الفاطمية في افريقية ''تونس''، وقبل أن يختتم العقد السادس من القرن الهجري الرابع، 10م كانت هذه الدولة الاسماعيلية المذهب تحكم الاراضي الواقعة بين بلاد الشام شرقاً وبلاد المغرب غرباً وبين صقلية شمالاً واليمن جنوباً· وأصدر الفاطميون عملاتهم الاولى منذ نهاية القرن الثالث الهجري بكل من مدينتي المهدية والمنصورية بجوار القيروان بتونس، وسارت دنانيرهم في فترات حكم الخلفاء المهدي والمنصور والقائم على نفس طراز العملات الاسلامية منذ قيام عبدالملك بن مروان بتعريبها، فكانت اقرب شبهاً بالنقود العباسية· وتعتبر خلافة المعز لدين الله الفاطمي نقطة تحوّل مهمة في تاريخ الخلافة الفاطمية، سواء على الصعيد السياسي أو على صعيد نقوش العملات الذهبية والفضية· فبعد ان جلس على العرش في عام 341هـ ألغى الكتابات المركزية الموزعة على اسطر متوازية بوسط الدينار، واكتفى بتسجيل الكتابات في ثلاثة هوامش تدور حول قطر الدينار من الداخل الى الخارج أي تقرأ من الهامش الاصغر الى الاوسط، ثم الخارجي· ولعلنا اليوم ندرك الحكمة من هذا التغيير الذي طال ولاول مرة طراز وشكل الدنانير منذ تعريب عبدالملك بن مروان للنقد الاسلامي، إذا علمنا ان انصار العباسيين واتباع دولة الامويين بالاندلس كانوا يحرصون على استمرار تداول دنانيرهم في اشارة الى سيادتهم وأحقية كل منهم في الخلافة، ولما كانت اشكال الدنانير جميعها متشابهة في مظهرها العام أو تبدو متماثلة للاغلبية من الناس التي لا تقرأ ولا تكتب فقد اراد المعز لدين الله لدنانيره أن تتميز في التداول النقدي من النظرة الاولى وبلا حاجة من المتعاملين بها لاجادة القراءة، لادراك أنها دنانير فاطمية، وليس من المستغرب في ظل ذلك ان نرى الاوامر الخليفية في عهد المعز لدين الله سواء في افريقية او في مصر تأتي بوقف التعامل بالدنانير العباسية والزام الناس بتوريدها لدور الضرب لاعادة ضربها على الطراز الفاطمي الجديد· دنانير المعز ومن حيث المضمون جسدت نقوش دنانير المعز ثورة على فحوى العبارات المسجلة على الدنانير الاسلامية وقطيعة كاملة مع العبارات التي كانت تنقش على العملات منذ تعريبها على يد عبدالملك بن مروان· فعلى وجه الدينار المعزي نقرأ في الهامش الداخلي لا إله إلا الله محمد رسول الله، وفي الهامش الاوسط عليٌّ افضل الوصيين ووزير خير المرسلين، وفي الهامش الخارجي الاقتباس القرآني الذي صاحب النقود منذ تعريبها محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وعلى الظهر سجل في الهامش الداخلي المعز لدين الله امير المؤمنين، أما الهامش الخارجي ففيه عبارة السك: بسم الله ضرب هذا الدينار بمصر سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة· والجديد في دنانير المعز ليس فقط في شكل الكتابات الهامشية الدائرية واختفاء كتابات المركز ذات الاسطر الافقية المتوازية ولا في العبارات المذهبية الشديدة الايجاز والبليغة التعبير فحسب، ولكن ايضاً في افراد الوجه للكتابات ذات الطابع الديني والمذهبي وقصر الظهر على الكتابات السياسية الدنيوية التي تشير الى اسم الخليفة ولقبه المعروف به المعز لدين الله، مع ذكر سنة الضرب واسم دار السك بعد البسملة، وقد ظل هذا الطراز متبعاً في العديد من الاصدارات النقدية التي قام بسكها خلفاء الفاطميين بمصر، وإن تعددت طرزها بعد ذلك· والحقيقة التاريخية أن المعز لدين الله اعتمد على الذهب بصورة رئيسية في غزوه لمصر، فطبقاً لبعض الروايات قام المعز عند انتقاله من تونس الى مصر بتشكيل مخزون الذهب الفاطمي على هيئة أحجار الرحى المفرغة من وسطها، وذلك لتتمكن قافلة مطولة من الجمال من حمل هذا المخزون الذهبي الذي اختلف في تقدير كمياته· والاهم من ذلك كله أن هذا المخزون الذهبي اتاح للمعز لدين الله ان يدشن سياسته الشهيرة والتي ما برحت تضرب بها الامثال وهي سياسة ذهب المعز وسيفه· فبعد ان حضر الخليفة الفاطمي للاقامة في مصر بحلول شهر رمضان سنة 362هـ 972م وقف بين الناس ذات مرة وهو يمسك في يده اليمنى بسيفه وفي اليد الاخرى بدنانير من الذهب ورفع السيف قائلاً: هذا نسبي، واظهر دنانيره وهو يقول: وهذا حسبي· وكان ذلك في معرض رده على تشكيك البعض في صحة انتسابه للبيت النبوي، واذا كانت شعرة معاوية قد ذهبت في التاريخ مثلاً على افضل طرق سياسة الجمهور وتعاطي شؤون الحكم بين الشد والجذب فإن عبارة ذهب المعز وسيفه صارت هي الاخرى عنواناً على منهج سياسي شبيهٍ هو الترهيب والترغيب، فهناك المكاسب او الجزرة لمن يرغب والسيف او العصا لمن تسوّل له نفسه الخروج على الطاعة· وذهبُ المعز او دنانيره من افضل الدنانير الذهبية التي ضربت في العصور الوسطى بأسرها، سواء من حيث وفاء وزنها، وهو حسب الوزن الشرعي للدينار الاسلامي 4,25 جرام، او من جهة جودة العيار اي نسبة الذهب في مكونات السبيكة اذ كان العيار 23,5 قيراط من اصل ·24=