الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دنانير الإخشيديين.. من الذهب الى النحاس

دنانير الإخشيديين.. من الذهب الى النحاس
16 سبتمبر 2007 05:10
عندما بدأ القرن الرابع الهجري سنواته الأولى كانت السماء ''تمطر اتراكا'' في كل أرجاء الخلافة العباسية بعد ما تحول دور مقاتلي الترك من مجرد حراس للخليفة في بلاطه الى قيادة الأمصار والولايات، بل وإلى السيطرة على الخليفة العباسي نفسه في قصره ببغداد· ومن هؤلاء الترك كان محمد بن طغج الذي عمل ''بازيارا''، أي مسؤولا عن طيور الصيد لدى قائد تركي آخر هو ابن بسطام والي مصر في عام 307هـ، ومن وقتها بات التركي الأريب يفكر في الاستقلال بمصر، وراح يستقدم ابناء قبيلته للالتحاق به في الشام الى ان أتاه تقليد الخليفة العباسي له بولاية مصر في عام 323هـ· وما أن استقر الأمر لمحمد بن طغج الملقب بالإخشيد وهو من ألقاب التعظيم لدى الترك حتى شرع في اكتساب تأييد العسكر تارة بالسياسة واللين وتارة أخرى بالحرب حتى حكم مصر حكما لم يكن للخليفة العباسي من نصيب فيه سوى ذكر اسمه في الخطبة ونقشه على النقود، واستغل الاخشيد انتصاره على ابن رائق الجزري الذي قصد مصر ومعه خطاب بتوليته أمرها من الخليفة العباسي في انتزاع اعتراف من الخلافة بتوريث سلطانه في مصر والشام لابنه أبي القاسم من بعده· تطوير وشهدت الاصدارات الإخشيدية من الدنانير الذهبية مرحلتين مختلفتين أشد ما يكون الاختلاف، امتدت الاولى منذ ولاية الاخشيد الى عام 330هـ وخلالها لم تكن هذه الدنانير تختلف في شيء عن دنانير الخليفة سوى انها تحمل اسم دار ضرب مصر حيث لم يذكر عليها اسم الاخشيد، وتميزت هذه الدنانير بانخفاض أوزانها وعياراتها، حيث اشتهر الاخشيد بجشعه وحبه لجمع المال ولو على حساب الاهتمام بالوفاء بوزن الدنانير أو ارتفاع نسبة الذهب في سبائكها· أما في المرحلة الثانية والتي بدأت بتسجيل اسم الاخشيد مع اسم الخليفة العباسي في عام 331هـ فقد اكتسبت الدنانير الإخشيدية سمعة طافت الآفاق بفضل محاكاتها للدنانير الأحمدية الشهيرة فجاءت أوزانها قريبة من الوزن الشرعي للدينار الاسلامي ''4,25 جرام'' كما أفادت أبحاث الكشف عن العيار الى ان عيار سبائكها هو 23,5 قيراط، وربما كان نقش اسم الإخشيد عليها دافعا لإلحاق هذه الدنانير بالسمعة الطيبة التي حصلت عليها سابقا الدنانير الأحمدية الطولونية· وعقب وفاة الإخشيد في عام 334هـ ورث ابنه أبوالقاسم أونجور ممتلكاته في مصر وفلسطين وورث عنه ايضا حرصه على تجويد دنانيره التي جاءت مماثلة لدنانير الإخشيد وإن حملت اسم أبي القاسم أونجور ضمن نقوشها وسار ولده من بعده، أبوالحسن علي بن أونجور على ذات السياسة النقدية، وكذلك فعل أبوالفوارس أحمد بن علي· وجاءت نقوش الدنانير الإخشيدية مماثلة لدنانير العباسيين حتى نهاية عهد أبي القاسم أونجور ثم أصابتها بعض التغيرات بدءا من ولاية أبي الحسن علي بن أونجور، فعقب وفاة أونجور أصبح كافور الاخشيدي هو الحاكم الفعلي للدولة نظرا لصغر سن كل من علي وابنه أحمد، وقاد الخصي الحبشي سفينة حكمه وسط أمواج عاتية من التنافس السياسي بين الخلافة العباسية والخلافة الفاطمية الناهضة على حدود مصر الغربية· ولما كان كافور يهادن خلفاء الفاطميين ويرسل اليهم بالهدايا بل ويسمح لهم بالعمل داخل مصر فقد اختار ان يحتفظ للخليفة العباسي بحقه في ذكر اسمه على الدنانير الاخشيدية مع التلميح لتعاطفه مع دعوة الفاطميين لآل البيت· وفي معرض هذه المزاوجة السياسية المركبة أعقب اسم الرسول صلى الله عليه وسلم والذي كان يسجل في ثلاث كلمات على النقود العباسية ''محمد رسول الله'' بالصلاة عليه في الدنانير من ضرب الرملة بفلسطين ''صلى الله عليه وسلم''· أما في دنانير مصر فقد زاد عليها ''وعلى آله''، وتلك اشارات واضحة على عدم رفضه لمحاولات الفاطميين نشر دعوتهم بمصر· وتعكس كتابات الدنانير الاخشيدية في فترة وصاية كافور حقيقة الأوضاع السياسية في الشرق الاسلامي آنذاك من حيث ترافق تداعي أركان الخلافة العباسية مع تمدد خلافة الفاطميين في شمال افريقيا وصقلية وسعيها للوثوب على مصر والشام· دراهم فضية وضرب الاخشيديون ايضا الدراهم الفضية التي وصلت الينا بأعداد قليلة وان كانت لم تسر على نسق واحد في الكتابة، فبالاضافة الى مشابهة بعضها لنقوش الدنانير من حيث تسجيل اسم الحاكم الاخشيدي مع اسم الخليفة العباسي، فقد اكتفى في بعضها بذكر اسم محمد بن طغج الاخشيد وإغفال ذكر الخليفة العباسي كما هو الحال في درهم فضي من ضرب عام 329هـ تحتفظ به المكتبة الأهلية بباريس· وتعود ندرة الدراهم الفضية الى قلة الطلب عليها بغرض الاكتناز، فقد كان الطلب شديدا على الدنانير الاخشيدية الذهبية حتى ان الاخشيد نفسه كان يكتنز منها سبعة ملايين قطعة ذهبية في مطامير تحت الارض وحذا حذوه كبار رجال دولته ايضا· وعلى الرغم من ندرة الفلوس النحاسية المنسوبة للدولة الاخشيدية فإن أحدها يعتبر وثيقة تاريخية مهمة وهو فلس يحمل اسم كافور بلقبه المعروف ''أبوالمسك'' على وجه الفلس وتارة أخرى بلقب انتحله من ألقاب الأحرار وهو ''الأمير أبومحمد'' الذي سجل على ظهر هذا الفلس·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©