الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

جورج البهجوري يحرر المونا ليزا من غموضها

جورج البهجوري يحرر المونا ليزا من غموضها
15 سبتمبر 2007 21:47
منذ سن الربعة من عمره بدأت شرارة الرسم تتأجج في داخله وتبرز على هيئة ''شخبطة'' في دفاتر وكتب أخيه الأكبر، ثم في كراسته هو بعد دخوله المدرسة، حتى تحولت هذه ''الشخبطات'' إلى لوحات يقدمها هدايا للناس· لم يتوقف الرسام التشكيلي والكاريكاتوري جورج البهجوري أبداً عن الرسم حتى الآن، فالرسم عنده كالهواء الذي يتنفسه، يحمل أوراقه ولوحاته معه في كل مكان، وفي كل لوحة وخط، هناك شيء جديد يفاجئنا ويبعث فينا الدهشة، فقد استطاع ''البهجوري'' أن يحافظ طوال سنوات عمره الـ 74 على براءة الطفولة في داخله، الطاغية على نزعة التمرد على قيود الممكن بينما كانت عينه دائمة اليقظة، ترى وتتأثر وتندهش· التالي نبش في بعض من سيرة البهجوري الحافلة بالابداع: كانت زوجة أبيه الشخصية ''السلطوية'' الأولى التي حاول رسام الكاريكاتور جورج البهجوري رسمها بطريقة استفزازية لأنه يكرهها ويشعر بأنها تحرض أباه عليه، ولم يكن من وسيلة ينتقم بها منها إلا الرسم، كما استخدم في المدرسة الطباشير في رسم مدرّسيه ، وكان ذلك يؤدي في الغالب إلى غضب المدرس الذي يعاقبه بإيقافه في الزاوية رافعاً يديه، لكن تلك الرسوم أكسبت البهجوري في الوقت نفسه جماهيرية واسعة في صفوف زملائه، فاستهوته اللعبة طالما أنها مكسب، ''أخسر واحدا لأكسب جميع الطلاب''· تطورت نوازع البهجوري الفوضوية واتسع خياله في سن المراهقة، فأصبح يرسم كل ما في الكتب المدرسية، والنتيجة فشل ذريع في البكالوريا ما ضاعف من إصرار والده عليه ليعيد السنة كي يحصل على معدل أعلى ليدخل كلية الطب بالمجان، لكن مجموع علاماته كان يتراجع أكثر كل مرة يعيد فيها الامتحان وذلك على مدى ثلاث سنوات· عاد البهجوري بعد ذلك باكياً إلى أخيه الكبير، الطالب في الجامعة الأميركية في القاهرة، والذي أخذه إلى صديق طفولته ''كمال أمين''، الأستاذ في كلية الفنون، الذي أعطاه موعداً في الكلية قبل امتحان المواهب، وطلب إليه أن يتدرب على رسم تمثال لسقراط وأعطاه ورقة بيضاء وأصابع فحم سوداء تفتتت وتحوّل ''سقراط'' إلى زنجي، وعندما عاد الأستاذ ضرب وجهه وقال لا فائدة من هذا الولد، إلا أنه وجد البهجوري قد رسم الفتى النوبي الذي حمل إليه كوب الشاي بالكاريكاتور، فقال: هذا الولد لن ينجح إلا في الكاريكاتور· أم كلثوم كانت الفنانة الراحلة أم كلثوم بطلة لوحات متعددة للبهجوري الذي رسمها كثيراً وعندما شاهدت رسمها كان تعليقها: ''الولد الرسام ده بيتريق عليّ''، يقول البهجوري: ''أحب أم كلثوم وأعشق كل تفاصيلها وملامحها التي تعنى بها، وذات مرة خطرت لي فكرة أن أسمع صوتها ثم أقوم بتحويله إلى شكل، وضعت الكاسيت وأخذت أعيش مع صوتها، أحضرت كراسة الاسكتشات القديمة التي رسمتها فيها منذ زمن واستحضرت شكلها وهى تغني وبدأت أرسم''· ورغم التاريخ الطويل مع الكاريكاتور والجوائز العالمية التي حصل البهجوري عليها، إلا أنه لا يستطيع إخفاء تلك الغصة التي تنتابه بين الحين والآخر عند سؤاله عن رسوماته الكاريكاتورية وتجاهل الإعلام له كواحد من أعلام التصوير حين يقول: ''الفن التشكيلي هو الأهم بالنسبة لي على الإطلاق، وفي كل دول أوروبا تم التعاطي معي كفنان تشكيلي بارز، إلا انني لغاية الآن لم أنل جائزة واحدة من مصر، بل يصرون على تقديمي كرسام مضحك وساخر لدى استضافاتي في حلقات تلفزيونية على أنني بهلوان الحلقة''· الولادة مرتين وربما كانت إقامة البهجوري في باريس لأكثر من ثلاثين عاما إحدى محاولاته للتمرد على تصنيفه في بلده مصر كرسام كاريكاتوري وهو ما جعله يعتبر نفسه مولوداً مرتين، مرة بالأقصر عام 1932 ومرة بباريس عام ،1969 عندما أخذته الصدفة إلى هناك بعد دعوته إلى معرض في لندن على نفقته الخاصة، إلا أن المعرض فشل لأنه جاء في موسم العطلة، واتصل البهجوري حينها بالملحق الثقافي المصري في باريس يطلب مساعدته وإذا به يلبي ويؤمن له كل شيء، بطاقة الطائرة وقاعة لعرض أعماله· ونجح معرض البهجوري في فرنسا نجاحا باهرا فقرر أن يبقى هناك ويدرس اللغة الفرنسية، وخلال تلك الفترة الطويلة اكتشف ذاته الإبداعية كفنان شامل وتعرّف إلى عالمه الداخلي الذي تفتقت طاقاته عن إمكانيات لا حدود لها في النحت والحفر، ومن خلال صداقاته احترف البهجوري في باريس نحت البرونز والخشب· بين البساطة والعمق سعى البهجوري دائماً لابتكار فن رسم حديث مرتبط بالتراث القديم لآلاف السنين وطالما نجح في أسر هذا الحلم وتحقيقه، فخطوط البهجوري تذكّرنا ببساطتها واتصالها بالفن المصري القديم، ويؤكد ''البهجوري'' ذلك بقوله: ''بعد جهد كبير وصلت إلى الأسلوب السهل الممتنع، فرسوم المصري القديم بسيطة وعبقرية''، ويعلق البهجوري على الجزء من رسومه أهمية مساوية للأهمية التي يعلقها على الكل، مهووساً بالتعبير من خلال النظرة، فيورد في كل أعماله عيناً شاخصة، تسأل وتشغل البال أحيانا ولكنها تكشف أيضا لمن يبحث عن تفسيرها عن حزن شديد يلامس الصفاء والشفافية· تجربة غنية أما آخر إرهاصات البهجوري فكان معرض ''رسم على رسم'' الذي أقيم في القاهرة، وهي تجربة جديدة أثارت جدلاً واسعاً، قدم البهجوري من خلالها الأعمال الشهيرة لفنانين مصريين وعالميين برؤيته الخاصة· وعن هذه التجربة التي بدأ تنفيذها منذ عام 2000 بمرسمه في فرنسا يقول البهجوري: ''هي فكرة ظلت تلحّ عليَّ عشر سنوات، والإلحاح من أهم عناصر الإبداع لدى الفنان، وطوال هذه المدة كنت أنهل من أعمال عظماء الفن التشكيلي حيث تبعتهم في كل مكان وزرت مواقع ولادتهم وأمكنة استلهامهم ومراسمهم، ثم بدأت أقتبس من أعمالهم وأرسمها في كراسات خاصة بي، ثم أرجع إلى مرسمي لأقوم بتلوين هذه الاقتباسات''· ويضيف ''البهجوري'': ''توقعت أن يتهموني بالتقليد، إلا أن هذا لم يحدث بعد أن شاهدوا أعمالي المبدعة، بدون محاكاة للأعمال العالمية ، لقد قمت بإعادة رسمها كما أتصورها وأشعر بها وأتخيلها حسب بيئتي'' وهو ما جعل ''موناليزا'' البهجوري متمردة ومتحركة وذات ملامح مختلفة عن ''موناليزا'' ليوناردو دافينشي، وقد استلزمت إعادة التركيب بمنطق التوليف فى أعمال البهجورى الولوج إلى أعماق هؤلاء العباقرة بروح تهكمية ساخرة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©