الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أوروبا.. الجبهة الأمامية في الحرب على الإرهاب

أوروبا.. الجبهة الأمامية في الحرب على الإرهاب
15 سبتمبر 2007 21:38
أن ينتقل الإنسان من الولايات المتحدة إلى أوروبا، يعني أن يسافر من بلد يعتقد أنه على الخط الأمامي في الحرب ضد الإرهاب، إلى قارة تقف فعلاً على الجبهة الأمامية لكنها لم تستفق بعد على هذه الحقيقة· وبرغم أن لا أحد يستطيع استبعاد إمكانية تعرض الأراضي الأميركية لهجوم جديد على شاكلة 11 سبتمبر، إلا أنه طيلة السنوات الست الأخيرة التي تلت التفجيرات، كانت الدول الأوروبية هي من شهدت اعتداءات مهمة (مدريد ولندن)، فضلا عن محاولات أخرى تم إجهاضها· وظلت الولايات المتحدة بمنأى عن أي هجمات كبرى، أو مؤامرات لاستهدافها· ولم يعد خافياً أن المسلمين في أميركا هم أكثر اندماجاً في المجتمع مقارنة مع نظرائهم الأوروبيين، ولعل اعتقال مجموعة الأسبوع الماضي في ألمانيا -كانت تخطط لهجمة إرهابية إحياءً لذكرى هجمات 11 سبتمبر- يشير بوضوح إلى ما تواجهه أوروبا من تهديدات تفوق ما قد تتعرض له الولايات المتحدة· والواقع أن أوروبا يخترقها خط مواجهة غير مرئي يجوب شوارعها الهادئة في المدن التي تحتضن أعدادا مهمة من السكان المسلمين، فسواء كان المرء يعيش في لندن أو أكسفورد؛ في برلين، أو ''نيو ألم''؛ في مدريد أو روتردام، فإنه لا شك يقف على الجبهة الأمامية للصراع، تماماً كما كان عليه الوضع إبان الحرب الباردة· ويتمحور الصراع أساسا حول عمل الاستخبارات ورجال الشرطة لتفادي وقوع تفجيرات ينفذها المتطرفون الذين اعتنقوا الفكر الجهادي· وليس في استطاعة المواطنين العاديين غير المسلمين سوى التوجس من تداعيات الحرب على الحريات العامة، وبالمثل لا يستطيع المسلمون الأوروبيون الملتزمون بالقانون تقديم مساعدات مهمة· ويبقى الجزء الأكبر من الصراع هو ذلك الدائر حول كسب عقول وقلوب الشباب الأوروبيين المسلمين الذين لم يتحولوا بعد إلى الفكر الجـهادي العنيف، لكنهم قابلون لاعتناقه، فعلى امتداد أوروبا وفي جميع أنحائها هناك مئات الآلاف من الشباب المسلمين المؤهلين لأن يتحولوا إما إلى انفجاريي الغد، أو إلى مواطنين صالحين· ويمكن فهم ظاهرة الانتقال إلى الإرهاب في أوروبا بالرجوع قليلا إلى الماضي، عندما اجتاحت بعض الدول، مثل ألمانيا وإيطاليا، جماعات إرهابية مثل جماعة ''خريف ألمانيا''، و''الألوية الحمراء'' في إيطاليا· عندما كنت أعيش في برلين خلال فترة السبعينيات التقيت العديد من الأشخاص الذين أخبروني بأنهم كان باستطاعتهم الالتحاق بفصائل الجيش الأحمر على غرار العديد من معارفهم، لكنهم فضلوا بدلا من ذلك أن يصبحوا صحافيين، أو أكاديميين، ويتحولوا اليوم إلى أحد أعمدة المجتمع الذي يتعرض لموجة مختلفة من الإرهاب· ومع أن المقارنة بين إرهاب الأمس في أوروبا وموجته الحالية قد لا تستقيم، إلا أن المؤكد أنه بالإضافة إلى المتطرفين الذين اختاروا العنف كوسيلة للتعبير عن استيائهم، هناك مجموعة أخرى لا تنتمي إليهم لكنها مهيأة في كل لحظة للانتقال إلى ضفة الإرهاب والعنف، ويطلق عليهم في ألمانيا اسم المتعاطفين، الذين يرفضون -كما تشير إلى ذلك استطلاعات الرأي- إدانة الأعمال الإرهابية· وفي هذا السياق يقدر أحد المحللين بأنه إذا كان الإرهابيون يشكلون حوالي 1 بالمائة من المسلمين في بريطانيا، فإن المتعاطفين يمثلون 10 بالمائة من المسلمين في ألمانيا! وإذا ما تفحص المرء سيرة الجهاديين على امتداد السنوات الست الأخيرة من أمثال ''محمد عطا'' المسؤول عن عمليات 11 سبتمبر إلى ''محمد بوييري'' الذي قتل المخرج الهولندي ''ثيو فان جوخ'' سنجد القصة ذاتها تتكرر، حيث أن الشباب المسلمين تجتذبهم الحياة الغربية المعاصرة المختلفة عن تلك الحياة التي عاشها الآباء، لكنهم في مرحلة معينة يرفضونها ويتبنون نسخة متطرفة وعنيفة من الإسلام السياسي· ولحسن الحظ أن هناك هجرة عكسية تنتقل بموجبها فئات متطرفة إلى الاعتدال وتنجح في الاندماج، لذا فإن الرهان اليوم هو على نسبة الـ10 بالمائة من المتعاطفين، وما إذا كانوا سيميلون إلى التطرف، أم سينضمون إلى غالبية المجتمع· وهنا يبرز العراق الذي وإن كان الرئيس الأميركي ''جورج بوش'' يعتبره جبهة أخرى للحرب ضد الإرهاب، إلا أن حتى بعض كبار مسؤوليه لا يؤمنون بهذا الطرح، فمع أن العراق أضاف إلى المظالم التي يشتكي منها المسلمون وتؤجج المتطرفين، إلا أن ألمانيا التي لم تشارك في الحرب على العراق لم تسلم من الهجمات· والواقع أن طريقة تعامل الجندي البريطاني الذي كان يعمل في العراق لدى عودته إلى بريطانيا مع المسلمين في مدينة ''برادفورد'' مثلا (مدينة تضم جالية مسلمة كبيرة) هو أكثر أهمية من قتاله في البصرة· فخط المواجهة في أوروبا ليس عسكريا، بل هو ثقافي وسياسي، حيث بإمكان الجندي البريطاني العائد إلى وطنه أن يساهم في تحجيم الإرهاب من خلال تصرفاته أكثر مما كان يقوم به في العراق· ويختلف الأمر في أفغانستان التي تشهد عودة لافتة لحركة ''طالبان'' وتصاعد عملياتها العسكرية، إذ يستدعي الأمر فك الارتباط بين الإسلام المتشدد والسياسة· فقد كشفت التحقيقات أن القائد المسؤول عن الخلية الألمانية التي أُجهضت خططها مؤخراً، وهو ألماني اعتنق الإسلام، تبنى التطرف في مركز إسلامي على يد معلمين متطرفين لينتقل بعد ذلك إلى سوريا لتعلم العربية ثم إلى باكستان للتدريب· كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©