السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ربيع سراييفو... البوسنة تحترق!

14 فبراير 2014 22:46
بعد مرور عشرين عاماً تقريباً على نهاية النزاعات الإثنية الوحشية التي تلت انهيار يوغسلافيا، ارتفعت أعمدة الدخان الأسود في سماء سراييفو مجدداً في أوائل فبراير بعد أن قام شباب بمهاجمة مبان إدارية وحرق سيارات شرطة. وقال الناشط والصحافي نيدزارا أحمد زيفيتش غداة اليوم الذي شهد بعضاً من أخطر الاضطرابات في البوسنة منذ الحرب: «لقد كان مشهد المدينة شبيهاً بمشهدها في 1992». ولكن خلافاً للتسعينيات، فالناس هذه المرة لا يقاتلون بعضهم بعضاً، وإنما يستهدفون فساد الحكومة وانعدام فعاليتها، الذي يعود جزئياً إلى اتفاقات «دايتون» التي رعتها الولايات المتحدة في 1995، وهي الاتفاقات التي أنهت حرب البوسنة وقسمت البلاد إلى كيانين: جمهورية صرب البوسنة، التي يهمن عليها الصرب، والفيدرالية، التي يهيمن عليها البوسنيون والكروات. ويقول ياسمن مويانوفيتش، الباحث المتخصص في شؤون البلقان بجامعة نيويورك: «في النهاية، رسخت اتفاقات دايتون الأشياء نفسها التي كان يفترض أن تعتبرها سيئة، حيث وضعت أوليغارشية سياسية لا تخضع للمحاسبة»، مضيفاً «أن النصيب الأكبر من المسؤولية عن هذا الوضع يجب أن يقع على عاتق الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي». والسؤال الآن الذي يتردد في أذهان الجميع هو عما إن كانت هذه الاحتجاجات تؤشر إلى بداية تغير بنَّاء تحتاجه البلاد، أو ما إن كانت الأمور ستعود بسرعة إلى الوضع الذي كان قائماً. الواقع أن الرهان كبير. وفي هذا الإطار، تقول المعلمة أليسا كافاتش، التي جاءت رفقة ابنتها ذات الثماني سنوات للمشاركة في الاحتجاجات في سراييفو: «إن الأمر على هذه الحال منذ 20 عاماً، حيث يضع السياسيون المال في جيوبهم. أعتقد أن العنف هو الخيار الأخير، ولكنه بات الآن خيارنا الوحيد»، مضيفة «لقد بات من شبه المستحيل تربية الأطفال في هذا البلد». وقد بدأت الاحتجاجات في الخامس من فبراير في مدينة توزلا بعد إغلاق عدد من المصانع التي كانت تدار من قبل الدولة سابقاً بسبب فشل مخططات خصخصتها. وبعد ثلاثة أيام، تطورت الاحتجاجات السلمية إلى عنف في الشارع عندما مُنعت حشود من دخول المحكمة المحلية، حيث بادر نحو 600 محتج، من بينهم عمال مصنع يطالبون بـ50 شهراً من الأجور المتأخرة وعودة مساهمات نظام المعاشات والتأمين الصحي، برمي الحجارة والبيض قبل أن يعمدوا إلى إضرام النار في المباني الحكومية. وفي وقت لاحق من اليوم ارتفع عدد الحشود إلى نحو 5 آلاف. وردّت الشرطة بالغازات المسيلة للدموع والرصاص المطاطي، كما أوقفت 23 شخصاً. وأفادت تقارير بإصابة 27 شخصاً آخرين بجروح في الاشتباكات. ثم سرعان ما اندلعت مظاهرات موازية في أكثر من 30 مدينة وبلدة عبر البلاد. وقد كان الكثير منها صغير الحجم وسلمياً نسبياً، ولكن المحتجين في عدد من المدن الرئيسية، مثل موستار وزنيكا وسراييفو، ساروا على خطى توزلا، حيث اشتبكوا مع الشرطة وقاموا بتخريب أو إحراق مبان حكومية. وحسب مصادر إعلامية محلية، فقد أعلن مستشفى كوسيكو في سراييفو أنه عالج أكثر من 100 شخص في السابع من فبراير. كما وُصفت إصابات ثلاثة أفراد شرطة بالخطيرة. وبشكل عام، يُعتقد أن مئات الأشخاص قد تعرضوا لإصابات، كما تم توقيف أكثر من 44 شخصاً منذ اندلاع الاضطرابات. وقد أدت الاحتجاجات إلى موجة استقالة للسياسيين من مناصبهم، خاصة على المستوى المحلي، وشملت مناطق بأكملها في توزلا وسراييفو وزنيكا. ويوم الأحد، استقال قائد الشرطة في البوسنة وسط ادعاءات عن عنف الشرطة تجاه النشطاء المعتقلين، ومن بينهم قاصرون. وما زال المتظاهرون يطالبون بالاستقالة الجماعية لحكومة البوسنة. ويمكن ربط الاحتجاجات باستياء عام واسع على خلفية البطالة المتفشية في البوسنة وتدهور حال الاقتصاد. فعلى الصعيد الوطني، بلغ معدل البطالة 44,5 في المئة، في حين أنها تصل بين فئة الشباب ما بين 15 و24 عاماً إلى 60 في المئة. كما يبلغ متوسط الأجور نحو 545 دولاراً في الشهر -وهو واحد من أدنى الأجور في أوروبا. ولكن هذه المشاكل الاقتصادية تؤججها مشكلة أشد ترسخاً بكثير، ألا وهي ما يقال عن غرق النظام السياسي في الفساد والمحسوبية. ففي الفترة التي أعقبت حرب البوسنة، كانت الصفقات التي تُعقد في الغرف الخلفية لتوزيع الشركات المؤمَّمة خلال الفترة الاشتراكية -مثل مصانع توزلا- واحداً من النماذج الأولى لقائمة طويلة من التكتيكات المريبة والمشبوهة التي تستعملها النخبة السياسية لتحقيق الأرباح. وهذه الشركات، التي كانت تباع في أحيان كثيرة لأشخاص مقربين من السياسيين بشروط تفضيلية، أشرف عليها مديرون جدد عديمو الكفاءة أو فاسدون. وكان من نتائج الخليط المترتب على ذلك من إدارة غير فعالة، واحتيال، وتغاضي السلطات عن ذلك أن دفع عدداً من القطاعات المحلية الحيوية والمهمة إلى نقطة الإفلاس. وإلى ذلك، يُظهر الانهيار اللافت لشركة «كريفايا» لصناعة الأثاث، والإفلاس الوشيك المحتمل لشركة «أومينيي موستار» للألومنيوم، الكيفية التي تتسبب بها عملية خصخصة سيئة في شل الاقتصاد. وفي هذا السياق، يقول داركو بركان، المحلل السياسي في سراييفو: «هناك أمثلة كثيرة على هذا النوع من الممارسات في كل مكان»، مضيفاً «طيلة 15 سنة، تجاهلت الدولة هذه المشاكل، وخسر آلاف الأشخاص وظائفهم، ومثلما بتنا نرى اليوم بوضوح، فإن العواقب كانت كارثية». هارييت سالم سراييفو ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©