الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عصفور مبكر

عصفور مبكر
14 فبراير 2014 21:10
يحب الأستاذ عدنان الاستيقاظ في وقت متأخر من النهار.. أعني أنه كان يحب هذا في الماضي، وقد رزقه الله بمهنة من المهن التي لا تحتاج إلى بكور، فكان يصحو قرب الظهيرة منتعشًا ليبدأ يومه.. كان هذا في الأيام الخوالي السعيدة.. لكنه مع التقدم في السن اكتشف ذلك المرض اللعين(الاستيقاظ قبل الموعد) وعرف أنه من سمات الشيخوخة.. حاول جاهدًا أن يؤخر موعد نومه، لكن النتيجة دائمًا هي أنه يصحو في السادسة صباحًا ويستحيل أن يغمض جفنه بعدها.. مهما دس رأسه تحت الوسادة أو غطى رأسه بالملاءة أو فعل أي شيء ممكن.. لا جدوى .. لن تنام ... هذا هو العذاب الحق أن تصحو وحدك في بيت ينام معظم أفراده حتى ساعة متأخرة من النهار. يفتح جهاز التليفزيون فالفضائيات لا تنام ولا تهمد أبدًا، لكن ما يراه يفقده الشهية تمامًا .. المزيد من السخف .. هكذا يقضي الوقت في عذاب .. المشكلة أن الناس تصحو متأخرًة جدًا . ينزل إلى الشارع شاعرًا بتلك اللسعة المحببة للصباح المبكر، فلا يقابله سوى تلاميذ مدارس مذعورين لأنهم تأخروا .. كنّاس متحمس .. كلب مسن مصاب بالاستيقاظ قبل الموعد.. لص عائد بعد ليلة حافلة من السطو المسلح على المصابين بالأرق.. أحيانًا يجد الأستاذ عدنان عملاً يشغله، كأن يوصل حفيده رامي إلى المدرسة.. لو لم يفعل هذا فلن يذهب الطفل للمدرسة للأبد، لأن أبويه لا يصحوان مبكرًا أبدًا.. يمشي مع الصغير للمدرسة وهو مسرور لأن هناك شخصًا متيقظًا. يسلمه إلى طابور المدرسة ثم يمشي عائدًا للبيت.. هل من صحف؟.. للأسف لا.. باعة الصحف صاروا يظهرون بعد التاسعة.. فكر في شراء بعض شطائر الفول والفلافل .. هناك عربة تقدم شطائر ممتازة تقف عند قمة ذلك الشارع. مشى إلى هناك فوجد العربة لكنها مازالت مغطاة وصاحبها لم يأت بعد.. حتى باعة الشطائر يصحون متأخرًين.. اتجه إلى مقهى قريب ووجد مقعدًا فجلس عليه. ظهر نادل منهك يمضغ شيئًا ما.. قال له إنه يريد شايًا وشيشة. نظر له النادل كأنه يرى مجنونًا ثم قال في اقتضاب: ـ”لسه !” لسه ماذا؟.. لسه لم يسخن الماء ولم يشعل الفحم ..إنه لا يفهم سبب كل هذا الحماس. لن يبدأ العمل فعلاً قبل العاشرة مع سائقي التاكسي المتحمسين الذين يستيقظون مبكرًا (أي في العاشرة). هكذا انتهى أمل عدنان في التهام إفطار أو شرب شاي .. عاد إلى بيته وجلس في الشرفة ينتظر بعض الوقت .. تذكر أن هناك شيكًا يجب أن يصرفه في المصرف .. وتذكر كذلك أن هناك خللاً في محرك السيارة يؤدي لتسرب الزيت .. هكذا نزل إلى الشارع وأدار محرك السيارة .. كرو كرو كرو .. لا جدوى .. السيارة نائمة ولا تصحو مبكرًا كما هو واضح .. في النهاية وبعد إطلاق السباب البذيء – وهي طريقة لا تفشل في إدارة السيارة – استجاب المحرك ودار. ومتخشبة كارهة للكون مضت السيارة .. الساعة الآن التاسعة، ولابد أن الميكانيكي قد فتح محله وجلس ينتظر الرزق.. لكن بالطبع كانت الورشة مغلقة.. وكان هناك كلبان يغفوان على المدخل كأنهما سينامان للأبد. قال له صبي يلهو في الشارع إن الميكانيكي لا يفتح قبل الواحدة ظهرًا. هكذا مشى عدنان بالسيارة المترنحة نحو المصرف .. المصرف مغلق .. المواعيد الجديدة هي العاشرة صباحًا .. ألا يوجد مكان يمكن الذهاب له في هذا العالم؟.. أما من شخص متيقظ؟. مضى بسيارته في الشوارع فلم يجد أحدًا .. كان قد وصل حالة نفسية في غاية السوء عندما رأى فلاحة تبيع الباذنجان .. لم يكن يحب الباذنجان قط، وهو لا يأكله. لكن الفلاحة بدت له فاتنة كالربيع، والباذنجان بدا جميلاً كالأزهار .. هكذا هرع للمرأة في حماسة وابتاع عدة كيلوجرامات من النبات الأسود اللامع. الفلاحة تنظر له بدهشة فهي لم تر زبونًا متحمسًا لهذا الحد .. عندما عاد للبيت أخيرًا أدرك أنه على الشخص المتوازن أن يصحو من نومه ظهرًا .. هذه هي الطريقة الوحيدة كي لا تخنقك الوحدة. قالوا قديمًا إن العصفور المبكر أكل الدودة .. لكن لابد من أن تتذكر أن الدودة المبكرة أكلها العصفور.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©