الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اعتزل السياسة.. ويحلم بها

اعتزل السياسة.. ويحلم بها
10 مارس 2010 21:23
خاض ليونال جوسبان عام 2002 غمار الانتخابات الرّئاسيّة الفرنسيّة مرشّحا من الحزب الاشتراكي، ولكنّه مني بفشل ذريع أمام منافسه جاك شيراك، ففضّل منذ ذلك التّاريخ الانسحاب من الحياة السّياسيّة، ويوم 7 يناير 2010 أصدر كتابا هو مزيج من المذكرات والسّيرة الذّاتيّة، واختار له عنوان: “ليونال يروي جوسبان”، وقد جاء الكتاب في قالب سؤال وجواب مع الصّحفيين بيار فافيه وباتريك روتمان. اعترافات وأحلام يعترف جوسبان الذي تولى رئاسة الحكومة الفرنسية على امتداد 5 سنوات بأنّ مسيرته السّياسيّة لم تكتمل، إذ أنّه فشل في صعود الدّرجة الأخيرة من السلّم والّتي تقود إلى قصر الإيليزيه، مؤكّدا أنّه كان بالإمكان له أن ينجح ويفوز بمنصب رئيس الجمهوريّة، وهو يجزم بأنّ الولاية معه كانت ستكون أفضل من الولاية الّتي كانت من نصيب منافسه جاك شيراك! ولكنّه يستدرك ليقول بأنّه على المستوى الشّخصي، فإنّ هزيمته وفشله في الانتخابات الرّئاسيّة سمحت له بالاستمتاع بحياة سعيدة بعيدا عن هموم السّياسة ومشاكلها، مضيفا أنّ فشله لم يخلّف لديه مرارة أو خيبة أمل شخصيّة، ولكنّه في الآن نفسه يقرّ بأنّه عندما ينام فإنّه يحصل بأن يحلم ويرى نفسه حاضرا في اجتماعات شعبيّة، وهو يلتقي بهذا أو ذاك من كبار الشّخصيّات معترفا بأنّها أحلام لذيذة! ويشرح رئيس الحكومة الفرنسيّة الاسبق أنّه يكره الثّرثرة وأنه تعلّم قيمة الصّمت أثناء فترة الاحتلال النّازي لفرنسا، مستشهدا بإيواء أمّه لأستاذها الّذي كان منتميا للمقاومة، وضاربا مثلا آخر بإخفاء أسرته ل”الريش” Ulrich وهو شاب يهودي خوفا من إلقاء القبض عليه من النّازيين، وقد طبّق جوسبان توصية والديه بملازمة الصّمت وإخفاء السرّ، وهي خصلة قال إنّه طبعت شخصيّته السّياسيّة بعد ذلك. ولا ينكر جوسبان أنّه كان في شبابه الباكر منتميا إلى أقصى اليسار الفرنسي، وأنّه كان من إتّباع التيار التروتسكي، وإنّه كان يحلم بثورة في فرنسا تطيح بالدّيغوليّة وتدخل فرنسا ضمن قائمة الدّول التّقدّميّة. وفسّر أنّ انضمامه إلى التّيّار التروتسكي (اليساري المتطرّف) كان بتأثير من صديق له عرف كيف يقنعه من خلال ما كان يحشر به فكره من آراء ثوريّة! الثورة والإصلاح والطّريف أنّ جوسبان كان وقتها يعمل موظفا في وزارة الخارجيّة أي أنّه في النّهار يعمل موظّفا منضبطا وعاديا، وفي اللّيل يتحول الى ثائر يخطط للمساهمة في قيام ثورة تهزّ فرنسا كلّها، وهذا الالتزام السرّي كان يشحن خياله ويغذّي وجدانه، وكان الديبلوماسي الشّاب يلتقي في اللّيل بجماعته التروتسكيين عند أخيه أوليفيه أحيانا، أو في المقاهي وبعض الأماكن الأخرى الآمنة، وفي النهار يذهب الى وزارة الخارجية ليمارس عمله دون ان ينتابه شعور بالتناقض او الانفصام. ويشرح جوسبان كيفيّة تخلّيه في فترة لاحقة عن اليسار المتطرّف للانضمام بعد ذلك للحزب الاشتراكي (اليسار المعتدل)، دون أن يقطع علاقاته الشّخصيّة بزملاء الأمس. كان جوسبان من أنصار شعار “إنّ الثّوريّ عليه أن يقوم بثورة!”، ولكنّه أدرك بعد ذلك أنّه لا يمكن، في أوروبا، القيام بثورات، وأقر أنه لن يكون ثوريّا، وإنّما يمكن أن يصبح إصلاحيّا. مع ميتران ويتذكّر جوسبان الحفلة الّتي أقامها بمناسبة زواجه الثّاني يوم 30 يونيو 1994، من سيلفيان، أستاذة الفلسفة، فقد اختار أحد أجنحة معهد العالم العربي بباريس، وهو يذكر كيف أنّ الرّئيس ميتران، ورغم أنّه كان يعاني من مرض السّرطان حضر إلى الحفل وتناول مع الضّيوف العشاء وقضّى وقتا ممتعا وقد بدت عليه السّعادة والحبور، وفسّر جوسبان سعادة ميتران ليلتها بالودّ الّذي يكنه له. ويتحدّث جوسبان عن لقاء مؤثّر جمعه بالرّئيس فرانسوا ميتران. يقول: “التقيت به ذات مرّة في غرفة صغيرة بقصر الإليزيه، وكان منفردا بنفسه وتبدو على وجهة علامات الألم من مرض السّرطان الّذي كان ينهشه، كما انه كان كمن يحمل هما ثقيلا، وكانت مجلّة “باري ماتش” الاسبوعية الشهيرة قد كشفت وقتها ولأوّل مرّة ـ من خلال صور انفردت بنشرها ـ عن وجود مازارين إبنة فرانسوا ميتران الّتي أنجبها من عشيقته والّتي كانت تعيش في الظلّ، قلت له إنّي أجد قصّة “مازارين” قصّة جميلة، وأنّه لا يجب عليه أن يشعر بالقلق من كشف الصّحافة عن وجود إبنة له من علاقة خارج مؤسّسة الزّواج، وكان ميتران موافقا مما قادنا إلى حديث حميمي عن العلاقات بين الأشخاص، وعن الحبّ والإخلاص، والزّواج ومن وجهة نظره فإنّ هناك طريقتين وأسلوبين إثنين عندما يقع الرجل في حب امرأة ثانية غير زوجته: إما تغيير الزّوجة وإعادة الاقتران بامرأة ثانية، مثلما فعلت أنا، أو الاحتفاظ بامرأتين إثنتين الاولى هي الزوجة والثانية هي العشيقة مثلما فعل هو، وذكرته بإنّي شاهدته ذات يوم في أعوام سابقة في ساعة متأخّرة من اللّيل في ساحة “القدّيس سوبليس” بباريس، ماسكا بيد طفلة في العاشرة من عمرها، وانّه لفرحته برفقتها كان يبدو وكأنّه يرقص معها وظننتها وقتها إنها حفيدته ولكنّها كانت في الحقيقة ابنته، وممّا يسّر هذه المحادثة الحميميّة في الشّأن الخاص إنّي كنت وقتها أعدت حياتي مع زوجة ثانية في الوقت الّذي كشفت فيه الصّحافة عن حياته الخاصّة المعقّدة، بجمعه بين زوجته وعشيقته وانجابه لابنة لم يكن الفرنسيون يعلمون عنها شيئا”. ولا يجد ليونال جوسبان حرجا في الاعتراف بالجميل لفرانسوا ميتران الّذي يعود له الفضل في منحه بعض المسؤوليّات في صلب الحزب الاشتراكي وآزره وسانده، ثمّ إنّ ميتران ـ عندما أصبح رئيسا عام 1981 ـ منحه أوّل مسؤوليّة حكوميّة وعينه وزيرا، ويقول جوسبان في كتابه: “ولمّا علمت بموته يوم 8 يناير 1996، عاد إليّ شريط ثلاثين عاما غيّر فيها حياتي تغييرا جذريّا”. وعن قراره الانسحاب من الحياة السّياسيّة منذ اللّيلة الّتي تمّ فيها الإعلان عن فشله في اجتياز الدّور الأوّل من الانتخابات الرّئاسيّة عام 2002، فإنه يصف فشله بأنّه فشل ذريع وأنّه كان عليه أن يتحمّل مسؤوليّة ذلك الفشل مؤكدا إنه أراد بالإعلان على الملأ قرار انسحابه إحداث رجّة لدى الرّأي العام وإتاحة فرصا أحسن لمرشّحي الحزب الاشتراكي في الانتخابات التّشريعيّة الّتي كانت مبرمجة بعد الإنتخابات الرّئاسيّة بمدّة قصيرة. وعاب النقاد على المؤلف ان كتابه لم يتضمن نقدا ذاتيا لأخطائه السياسية، بل إنه أظهر دائما الكثير من الرضاء عن النفس.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©