الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قصة عطاء

قصة عطاء
13 سبتمبر 2007 00:55
قيل إن النعمان بن المنذر -من ملوك العرب- جلس في مجلسه يوماً وعليه حلة لم ير مثلها من قبل فخامة وجمالاً، وكان من الحاضرين رجل من سادات العرب في الجاهلية هو أوس بن حارثة، وهو أصل الأوس من الأنصار، فجعل الحاضرون ينظرون الى الحلة إلا أوسا، فقال له النعمان: ما أرى كل من دخل عليّ إلا ينظر ويعجب بهذه الحلة ويتحدث لصاحبه عنها إلا أنت، ما رأيتك نظرت اليها ولا استحسنتها، فقال أوس: أسعد الله الملك، إنما تستحسن الحلة إذا كانت في يد التاجر، وإنما إن كانت على الملك وأشرق وجهه فيها فإنما يكون نظري مقصوراً عليه لا عليها! فاسترجع النعمان عقله· ولما آذن المجلس بالانتهاء قال لهم النعمان اجتمعوا علي في الغد فإني ملبس هذه الحلة لسيد العرب منكم· فلما أصبحوا تزين كل منهم بأبهى ما عنده من ملبس، واتشح بأفخم سيف، وغدوا على مجلس النعمان وكلهم يزعم أنه صاحب الحلة، إلا أوسا، فإنه لم يحضر، فقال له بعض أصحابه لم لا تذهب الى مجلس النعمان، فلعلك صاحب الحلة؟ قال: إن كنت أنا سيد قومي فما أنا بسيد العرب في نظر نفسي، وإن حضرت ولم آخذها انصرفت منقوصاً، وإن كنت المطلوب لها فسيعرف النعمان مكاني· ونظر النعمان في وجوه القوم فلم يجد أوسا، فاستدعى أحد عيونه وأمره أن يذهب ليتعرف حال أوس، ولماذا تغيب عن المجلس· فمضى الرجل وسأل بعض أصحاب أوس حتى عرف مقالة أوس، فعاد الى النعمان وأخبره بها، فبعث له النعمان رسولاً يقول له إن الملك يقول لك احضر وأنت آمن مما خفت منه· وكانت العرب قد استبشرت ان لم يحضر أوس حتى لا يكون هو صاحب الحلة· ولما وعى أوس رسالة النعمان توجه الى المجلس بنفس الملبس الذي كان به في المجلس في اليوم السابق، فقال له النعمان ما رأيتك غيّرت ثيابك في يومك·· فإليك هذه الحلة لتتجمل بها، ثم خلعها وألبسه إياها· بيد أن ذلك اشتد على قلوب الحاسدين والحاقدين من الموجودين من العرب، وجعل كل منهم يقول إنه أولى بهذا التكريم من أوس، وتمادى بهم الأمر حتى تواعدوا على موعد معين يلتقون فيه ليتدبروا كيف يستطيعون أن ينالوا من مكانة أوس· وفي الموعد المضروب اجتمعوا وجعلوا يتشاورون، حتى أشار عليهم ذوو الرأي فيهم أن يجمعوا مبلغاً كبيراً وأزمعوا أن يقصدوا شاعرا معروفا وأن يعطوه ما يطلب حتى يهجو أوسا هجاءً كفيلا بالغض من قدره· وكان الحطيئة قد طار صيته خاصة في الهجاء، فتوجهوا إليه، وقدموا إليه خمسمائة ناقة ليهجو أوسا، فقال لهم: يا قوم كيف أهجو سيدا حسيبا لا ينكر بيته·· وكريما لا ينقطع عطاؤه، وفيصلا لا يطعن على رأيه، ومحسنا لا أرى في بيتي شيئاً الا من فضله؟ ورفض رفضا باتا· فسمع بذلك بشر بن أبي خازم وهو شاعر هجاء، فوافق، وهجا أوسا وقومه فلم يذع الهجاء، فهجاه ثانيا حتى أكمل خمس قصائد دون أن يحفظها أحد أو يعتبرها أحد لكرامة أوس عند العرب، وقد علم أوس بذلك فأقسم أن يظفر به وأن يمثل به· ومن هجائه فيهم قوله وقد هجا سعدى أم أوس: لئام الناس ما عاشوا حياة وأنتنهم إذا ماتوا قبورا إذا ما جئتهم تبغي قراهم وجدت الخير عندهم عسيرا فقولوا للذي آلى يمينا أفي نذرت يا أوس النذورا إذا ما المكرمات رفعن يوما مددت لنيلها باعا قصيرا وبعث أوس عيونا تبحث عن هذا الشاعر وهو يختفي ويقصد عظماء العرب يطلب منهم جوارهم وكلهم يقول له نجيرك على كل إنسان إلا أوسا! حتى ظفر به أخيراً أوس، فجيء به اليه وقد صادر كل النوق التي أخذها أجرا لهذا الهجاء، ثم قال له أوس: ويلك أتذم أمي سعدى وليس في عصرنا مثلها؟ قال بشر متخاذلاً: قد كان ذلك أيها الأمير، قال: والله لأقتلنك قتلة تحيا بها سعدى، ثم أمر بحفرة ضخمة وأشعلوا فيها ناراً عظيمة، فبعثت سعدى لأوس فدخل اليها فقالت: هل ظفرت بذلك الشاعر· قال: نعم، ولسوف أقتله قتلة تحيين بها، قالت: أو خير من ذلك؟ قال وما هو؟ قالت: إنه لم يجد من الناس ناصرا له، ولا مجيرا عليك، ونحن قوم لا نرى في اصطناع المعروف بأساً، وحسبه ما أحس به من روع وتشريد حتى وقع في قبضتك، وبحقي عليك الا أطلقته ورددت عليه إبله، وأعطيته من مالك مثلها ومن مالي مثلها ورددته الى أهله سالما فإنهم أيسوا من عودته· فخرج أوس لبشر فقال له: ما تظن أني فاعل بك؟ قال: إنك قاتلي لا محالة· قال أو تستحق ذلك؟ قال: نعم والله· قال: فإن سعدى التي هجوتها قد أشارت بكذا وكذا·· وأمر بفك قيوده، وأمر أن ترد عليه إبله وأن يأخذ مثلها من عنده ومثلها من إبل أمه، فبكى بشر ورفع يديه الى السماء وقال: اللهم أنت الشاهد على ألا أعود لشعر إلا مدحا في أوس وآله·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©