الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عاش لإيقاظ الأمة ومات مسموماً

عاش لإيقاظ الأمة ومات مسموماً
13 سبتمبر 2007 00:54
''إنني كصقر محلق يرى فضاء هذا العالم الفسيح ضيقًا لطيرانه!!'' هكذا وصف الشيخ المصلح الثائر جمال الدين الأفغاني نفسه، صقر محلق يضيق باتساع السماوات، وفي موضع آخر هتف ''الشرق·· الشرق·· لقد خصصت جهاز دماغي لتشخيص دائه'' وبين هاتين العبارتين سارت حياته، فمن ناحية لم يترك سماء ولا أرضا تلائم دعوته المبكرة للاصلاح والتحرر إلا وبذر فيها فكره الثوري ضد الاستعمار والاستبداد، ومن ناحية اخرى كافح وتعرض للابعاد والسجن وأخيرا الموت مسموما في سبيل دعوته للحرية ومناهضة الاستبداد· الشيخ جمال الافغاني ولد عام 1838 بقرية ''أسعد آباد'' التابعة لمدينة ''كابول'' لأسرة أفغانية عريقة ينتهي نسبها إلى الحسين بن علي ''رضي الله عنه''، واسمه بالكامل ''محمد جمال الدين بن السيد صَفْدَر''، واسم جده ''صفدر'' جر عليه التشكيك في نسبته لافغانستان في حياته ومماته، فبسبب ان ''صفدر'' اسم فارسي يعني ''الفارس المقاتل حتى الموت'' نسبه البعض الى ايران وأكدوا ان عائلة الافغاني كانت ومازالت تعيش في ايران· وفي طفولته انتقل الافغاني الي مدينة ''كابول'' مع والده الذي عمل مدرسا هناك ، فلفت أنظار بذكائه الشديد، مما جعل والده يحفزه على التعلم غير انه ظل يتلقى العلم في منزله من والده وزملائه المدرسين حتى بلغ العاشرة· وفي تلك الفترة القصيرة حفظ القرآن الكريم، وعكف على دراسة اللغة العربية، وظهر حبه الشديد للمناقشة في المسائل الدينية، وحينما انتشر مرض الطاعون في قزوين انتقل الى طهران وبمجرد أن حط رحاله بها· وفي عام 1848 ألحقه والده بمدرسة ''قزوين'' وتعلم على يديه واعتمد اماما وخطيبا وتوجه مباشرة الى مجلس أكبر علمائها ''أقاسيد صادق''· وحينما بلغ الافغاني الثامنة عشرة من عمره سافر إلى الهند، وأقام بها سنة وبضعة أشهر درس خلالها العلوم الرياضية، ثم انتقل إلى مكة المكرمة سنة 1857 م، فأدى فريضة الحج، ثم عاد إلى بلده أفغانستان مرة أخرى، وعمل بالحكومة، وكان عمره حينئذ 27 عامًا ووصل إلى درجة كبير الوزراء في عهد الملك ''محمد أعظم'' الذي احبه وقربه وكان يهتدي بمشورته، ولكن الملك ''محمد أعظم'' خُلع، وتولى أخوه ''شير علي'' الذي لم يكن على وفاق مع الافغاني، وبسبب كثرة خلافاتهما اضطر الافغاني الى مغادرة بلاده افغانستان· وسافر إلى الهند عام ،1868 وهناك استقبله الناس استقبالا حسنًا، لكن الحكومة الهندية خافت من وجوده، فطلبت منه ألا يقيم في الهند طويلاً، ولا يجتمع بالعلماء وأفراد الشعب، حتى لا يشعل نار الثورة، وأجبروه على ترك الهند وقبل أن يغادرها اجتمع الناس حوله والقى فيهم خطبته الشهيرة التي قال فيها: ''يا أهل الهند، لو كنتم وأنتم مئات الملايين من الهنود وقد مسخكم الله فجعل كلا منكم سلحفاة، وخضتم البحر، وأحطتم بجزيرة بريطانيا العظمي لجررتموها إلى القعر وعدتم إلى الهند أحرارًا''· الافغاني أقام في الهند شهرا واحدا، وخرج منها مطرودا الى مصر عام 1869 م فأقام فيها مدة قصيرة لا تزيد على أربعين يومًا، تردد خلالها على الأزهر منارة العلم، وجاءه الكثيرون يطلبون علمه، وفي مصر ذاعت شهرة الافغاني كإمام وفقيه ومفكر يسعى للاصلاح وأصبحت له مكانة عالية بين العلماء جعلت السلطان العثماني ''عبد العزيز'' يدعوه إلى زيارة ''الدولة العثمانية'' فأجاب الدعوة، وسافر إلى ''اسطنبول'' فرحب به السلطان خير ترحيب، وأكرمه رجال الدولة من العلماء والأدباء والأعيان· ولم تمضِ ستة أشهر حتى عينه السلطان عضوًا في مجلس المعارف، لكن أعداءه دسوا بينه وبين السلطان حتى اضطر الى مغادرة البلاد وعاد الى مصر مرة أخرى، وكان ذلك 1871م، أي في زمن الخديو إسماعيل، وفي مصر رأى ظلم الحكام وجورهم، ووجد نظام الحكم استبداديًّا لا تنفذ فيه إلا إرادة الحاكم، كما وجد الخرافات منتشرة في أماكن كثيرة من أرض مصر، فأخذ يدعو الناس إلى الإسلام الصحيح، ويبصرهم بحقوقهم وواجباتهم، مبينًا لهم أن الشعب مصدر القوة، وكان دائما يخطب فيهم: ''هبوا من غفلتكم، اصحوا من سكرتكم، انفضوا عنكم الغباوة وشقوا صدور المستبدين كما تشقون أرضكم بمحاريثكم، عيشوا كباقي الأمم أحرارًا سعداء، وموتوا مأجورين شهداء'' فما كان من الخديو توفيق إلا أن امر بنفيه للهند· في الهند ثلاث سنوات انتقل الى اوروبا واتصل بالعلماء والكتاب ورجال السياسية، إلى أن دعاه الشاه ''ناصر الدين'' إلى إيران فسافر إليها في 16 شعبان عام 1303 هـ ''20 مايو عام 1886م'' واستقبله الشاه في حفاوة بالغة، وجعله مستشاره الخاص في إصلاح شؤون بلاده، والتف حوله الإيرانيون لأنهم وجدوا لديه علمًا غزيرًا وإلمامًا بالسياسة والحياة والعلوم الحديثة، فبلغ مكانة عالية لدرجة ان الشاه نفسه خاف من التفاف الناس حوله، ودفعه لمغادرة ايران فانتقل الافغاني إلى روسيا وأقام بها أربع سنوات، والتقي بالقيصر، وللاسف لم يكن اللقاء مريحا لكليهما فبمجرد دخوله سأله القيصر عن سبب خلافه مع شاه إيران فقال الأفغاني: ''إنها الحكومة الشورية، أدعو إليها ولا يراها الشاه'' فقال القيصر ''الحق مع الشاه، فكيف يرض ملك أن يتحكم فيه فلاحو مملكته؟!'' فرد الافغاني قائلا: ''أعتقد يا جلالة القيصر، أنه خير للملك أن تكون ملايين رعيته أصدقاء له من أن يكونوا أعداء يترقبون له الفرص'' وعلى الفور أمر القيصر حاشيته بإبعاد الافغاني إلى روسيا· وفي عام 1308 هـ/1892 م سافر ''جمال الدين الأفغاني'' إلى لندن مرة أخرى، وفي أثناء وجوده هناك أخذ يهاجم الشاه والاستبداد، وانزعج الشاه ووسط السلطان عبد الحميد ليسكته فأرسل إليه السلطان في الحضور إلى الأستانة، فقبل وسافر إليها حوالي عام 1309 هـ/1893م، فأكرمه السلطان، وأراد السلطان أن يُنعم على الأفغاني برتبة قاضي عسكر، ولكن الأفغاني أبى، وقال لرسول السلطان: ''قل لمولاي السلطان إن جمال الدين يرى أن رتبة العلم أعلى المراتب''، غير ان السلطان لم يفقد الامل في استمالته والحد من ثورته فعرض عليه الزواج ولكنه رفض قائلا: ''يريد السلطان أن أتزوج ! مالي والزواج، إني ما تزوجت هذه الدنيا العظيمة الجميلة، فكيف أتزوج بامرأة''· وتباعدت بينه وبين السلطان وظلت علاقتهما قلقة تقوم على الحذر والشك والريبة حتى توفي الافغاني وهناك خلاف حتى اليوم حول سبب وفاة الافغاني، فبالرغم من أن الشيخ عبدالرشيد إبراهيم -الرحالة الروسي الشهير- يؤكد أن الافغاني كان مريضًا، وأنه توفي متأثرًا بمرضه، وكان قد زاره قبيل ساعتين من وفاته، فإن ابن أخته ''ميرزا لطف الله خان'' يزعم أنه مات مسمومًا، ويتهم حكومة الشاه الايرانية بقتله· وكانت وفاته في ''5 من شوال 1314هـ·1 من مارس 1897م'' وحضر وفاته خادمه، ولم يحضر جنازته سوى شخصين خوفاً من بطش السلطان، وقيل ان نعشه شيع في السر وفي حراسة امنية مشددة، وظل قبره مجهولا في الاستانة الى ان نقلت رفاته الى افغانستان عام ·1944
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©