الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دارفور وثيقة فاضحة

13 سبتمبر 2007 00:20
في لقاء صحفي للأمين العام للأمم المتحدة ''بان كي مون'' في أعقاب زيارته لبعض معسكرات اللاجئين في ''دارفور''، اعترف سيادته بأنه لم يتصور تدني وسوء أحوال اللاجئين لهذه الدرجة المجافية لأبسط متطلبات الحياة الإنسانية· ما أصاب الدبلوماسي الأممي الأول من دهشة مؤلمة، لا بد أنه أصاب الكثيرين من سكان أميركا الشمالية وبخاصة الكنديين الذين شاهدوا على شاشات التلفزيون وسيظلون يشاهدون لسبعة أيام قادمة معرضا للصور الثابتة، نظمه تسعة من المصورين الصحفيين العالميين، وجمعوا فيه حصيلة زيارات قاموا بها إلى معسكرات النازحين في دارفور واللاجئين على الحدود مع تشاد· وفي هذا المعرض -الوثيقة الفاضحة- ليس هناك صور منتقاة لزعماء حركات التحرير الدارفورية ولا لنظرائهم الحكوميين، وليست فيه أحاديث فصيحة عن ''الجذور التاريخية'' لأصول الصراع في دارفور، هناك فقط مئات من الصور التقطتها عين الكاميرا - التي لا تكذب- لجثث مفقوءة الأعين ولرؤوس مهشمة، ولدماء خضبت الأرض، ولأطفال جوعى وعراة، ولأمهات يحتضن أطفالهن والارض، ولشيوخ يبدون كهياكل عظمية، ولأناس مرعوبين وبائسين تعبر نظرات عيونهم للكاميرا عن خوف ورعب قاتلين!! هذا المعرض -الوثيقة الفاضحة- ليس هناك ما هو أشد بلاغة في تأثيره، كان قد بدأ بعرض متواضع في التلفزيون الكندي (سي بي سي -القناة الوطنية الرئيسية) واستقبله المشاهدون بشكل أدهش حتى مصوره الكندي، مما دفعه لإقناع ثمانية من زملائه في أوروبا وأميركا أن يقيموا معرضا جماعيا يخصص فقط لمأساة لاجيء دارفور، وقد كان· واستضافه المتحف الملكي ''بانتاريو'' في مدينة ''تورينتو'' متزامنا افتتاحه مع مهرجان ''تورينتو'' السينمائي العالمي الذي سيستمر حتى يوم الأحد السادس عشر من هذا الشهر· نعم، فليس هناك تعبير بليغ يمكن أن يرد في وصف ما تحكيه الصور الثابتة عن مأساة إنسانية ستظل عالقة في سجل تاريخنا، عن الذين صنعوها والذين مارسوها والذين تفرجوا عليها، ولعلها في بعدها الإنساني والأخلاقي قد كشفت -كما قال لي صديق بعد أن شاهد معرض الصور الوثيقة- إنه لم يكن يتصور أننا في داخلنا نملك هذا القدر من القسوة وشهوة القتل التي مارسناها في دارفور، متجاوزين كل ما ظللنا نفخر به من خصائل سودانية حميدة، فالقتلى والقتلة هم في نهاية الأمر سودانيون! ليس معرض الصور الثابتة وحده الذي وضع دارفور في خريطة مهرجان ''تورينتو'' السينمائي العالمي -تشارك فيه أكثر من أربعين دولة منتجة بعرض أفلام جديدة-، فقد شهد افتتاح المعرض فيلما وثائقيا وندوة مفتوحة للمخرج الاميركي ''تيد براون'' والمنتج ''مارك هاريس، إضافة إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية الارجنتيني ''مارونو اكايو'' -يتولى التحقيق في قضيــة المطلوبين دوليا في قضية الجرائم ضد الإنسانية في دارفور- حضورا واسعا من الإعلاميين· من الممكن طبعا إبداء ملاحظات سلبية أو ايجابية حول الشريط الوثائقي (دارفور·· الآن) وذلك ما حدث في الندوة، لكن ماذا يمكن القول عن صور ثابتة، كل ما طلبه مصوروها من المشاهد أن يعطي قليلا من وقته لتأمل كيف يمكن أن تصل حالة من التدني بالإنسان، ليمارس مثل هذه الوحشية ضد أخيه الإنسان، سواء كان طفلا أو امرأة أو شيخا عجوزا؟ ومع الأسف فإن هذا الإنسان كان -كما سيقول التاريخ- ''سودانيا مسلما''·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©