الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سوريا على هاوية المجهول

9 فبراير 2012
د. شفيق الغبرا كاتب كويتي من الصعب التكهن بطريقة تفكير النخبة التي تقود سوريا، لأنها تتصرف بروح تفتقد الحدَّ الأدنى من الوطنية، فهي تقاتل حتى النهاية في معركة تعرف أنها خاسرة، بينما تورِّط العلويين في شيء ليس معبِّراً عنهم، وترهب الأغلبية السنية في قمع لم تجرؤ عليه جنوب أفريقيا في أسوأ عهود العنصرية، كما أنها تجرّ المسيحيين والدروز من بقية المجتمع للعيش في حالة خوف من كل ما يحيط بالتغيير. والنخبة الحاكمة في سوريا لا تعي أن ما تقوم به ربما يخيف مرحليّاً، ولكن مع مرور الوقت تفقد هذه النخبة الفرصة لخروج آمن ولحل متوازن للأزمة التي تعصف بها، فالخوف لا يشتري الاستقرار، وفشل الحل السياسي يفتح الباب للحلول الجذرية التي تزداد عمقاً في المجتمع السوري. وعلى العموم، فقد ماتت السياسة هناك، وهذه إرهاصات نهاية حقبة. كانت فئة من الناس في بداية الثورة تثق إلى حد كبير في قدرة بشار الأسد على تحقيق الإصلاحات، إذ رأت فيه المخلص ووضعته في موقع مختلف عن عائلته وقادة الأجهزة الأمنية. وقد راهن المجتمع السوري عليه في البداية، بل وفي الشهور الأولى للثورة، ولكن عندما وعد بالإصلاح ومارس على أرض الواقع القمع وسمح باستباحة المدن والقرى السورية، بدأ المجتمع السوري يرى أن رئيسه هو الآخر جزء من منظومة لن يتجاوزها، وجزء من طبقة ينتمي إليها. فهذه بنية نظام أمني ورثه الأسد عن والده واستند إليه في استمراره رئيساً. والقصة معروفة بين الأسد وأردوغان، وهي الأخرى مفيدة لفهم الحالة الراهنة، فتركيا حليف وصديق قديم لسوريا، وقد وجدت أن من الضروري أن تساعدها وتدفعها نحو الإصلاحات لوعيها بأن الإصلاح هو الطريق الوحيد أمام النظام بعد انفجار الثورة. ولذا أرادت تركيا أن تدفع الأسد لإقرار الحياة الحزبية وإيقاف الحل الأمني وحالة الطوارئ والسعي لتعديل الدستور وتنظيم انتخابات شفافة. وعد نظام الأسد بكل ذلك أردوغان، وهذه فحوى زيارة وزير الخارجية التركي الشهيرة لسوريا في أغسطس الماضي ولقائه المطول مع الأسد. وقد اعتقدت تركيا إلى حين، أن بإمكان الأسد من خلال الإصلاحات أن يحمي أجزاء مهمة من نظامه بما فيه إمكانية أن يلعب دوراً في الحياة السياسية السورية، ولكن الحل الأمني الذي التزمت به القيادة السورية عاد وأكد للأتراك أن النظام السوري غير صادق وغير قادر على الاستفادة من تجارب غيره من الدول. إن تصرف النظام السوري القمعي تجاه مطالب الشعب العادلة، يدل على فهم سطحي للقوة واستخداماتها. وهذا الفهم ناتج عن طرق تفكير سادت القرن العشرين في العديد من الأنظمة الديكتاتورية. إن ديكتاتورية فرانكو في إسبانيا وديكتاتورية العسكريين في دول عديدة، هي المدرسة التي تعلم منها النظام السوري، كما أن نظرة النظام للحكم تقوم أساساً على القوة والعنف. فحكام سوريا ينطلقون من أن السياسة تنبع من فوهة البندقية والإخضاع والاستفراد بالسلطة. وهذه الطريقة من الممارسة والتفكير لم تعد منسجمة مع الوضع العربي الجديد، ولم تعد منسجمة مع العصر الذي لا يوفر لها شروط الاستمرار والنجاح. ولهذا، فالعقوبات على المسؤولين السوريين، وملاحقات حقوق الإنسان، واحتمالات تحرك المحكمة الجنائية الدولية… وغيرها من الأبعاد، تؤكد أن النظام السوري سائر نحو كارثة محققة، وأنه كلما زاد النظام الأمني من قمعه كلما زادت الثورة من اشتعالها، ما سيؤدي إلى مزيد من الضغط الدولي والقرارات وصولاً إلى مجلس الأمن. لم يفهم النظام السوري بسبب طبيعة تاريخه التسلطي وعادات الأجهزة الأمنية ومحدودية ثقافته، أن الشعب السوري، على يد جيل جديد، قد نضج مع الوقت، وعلم نفسه بنفسه، واكتشف ذاته وقدراته والعالم المحيط به، وأنه لن يقبل بأقل من أن يكون مصدر كل السلطات في ظل نظام مدني ديمقراطي حر. ولم يعِ النظام السوري أن التسلط والاستعلاء والظلم بلا آلية للتعامل مع المظالم وبلا آلية للتغيير السلمي والتداول على السلطة، هي أساس انفجار الثورة السورية، التي تحولت إلى ثورة كرامة وحرية. لقد أيقظت الثورة عملاقاً كبيراً، وأدى قمع التعبير والتصفية والمنع والإهانة والاختفاء المفاجئ للمعارضين بعد الثورة، إلى تعميق نار الغضب والإصرار على التحرر بين الناس. يقاتل النظام في سوريا حتى النهاية، وهو يرتكب المجزرة وراء الأخرى، ويحاول أن يورط مزيداً من الفئات والطوائف في معركته الخاسرة، وقد يشتري سلوك النظام هذا قليلاً من الوقت، ولكنه حتماً يدفع بالبلاد إلى حافة الهاوية ويزيد من حجم الدمار والخسائر ويجعل عملية إعادة البناء أصعب. والواضح أيضاً أن دموية النظام تجعل النهاية غير سعيدة. وقد شاهدنا ذلك في أكثر من مكان وكان الأسوأ على الإطلاق نهاية النظام الليبي والقذافي. إن القمع والقتل يدفعان بالسوريين إلى القطيعة مع آفاق الحل الوسط، فالثورة السورية تحرر أحياء كاملة في مدن، وتحرر مناطق محيطة بالمدن، وهي تزداد امتداداً، وصولاً إلى مناطق لم تكن جزءاً من الثورة في الأمد القريب. وقد يشعر النظام ببعض الراحة عند استعادة مناطق من «الجيش السوري الحر» حول دمشق، ولكن هذا واقع مخادع، فما يستعيده في النهار لن يبقى معه في الليل، فالمعركة الحقيقية هي أساساً مع إرادة السوريين وأرواحهم، وهذا أمر لا يستطيع النظام كسره بعد سقوط حاجز الخوف. ينشر بترتيب مع مشروع "منبر الحرية"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©