الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صنع في أميركا... حل لن يرضي الباكستانيين

صنع في أميركا... حل لن يرضي الباكستانيين
9 سبتمبر 2007 00:40
بينما يسعى الرئيس الباكستاني ''برويز مشرف'' جاهدا للحفاظ على السلطة، تجد الولايات المتحدة نفسها في ورطة مألوفة، تعكس مرضا يتكرر باستمرار في سياستها الخارجية، فبعد أن ربطت مصيرها بمصير رجل قوي، تجد نفسها اليوم -مرة أخرى- محبطةً من تردي وضعه السياسي· إنها نفس الدينامية التي حكمت علاقتها بـ''أنستازيو سوموزا''، وشاه إيران، و''فرديناند ماركوس''، وإن بشكل مختلف· على الرغم من أن مشرف لن يجبَر على نفي نفسه، على غرار أصدقاء واشنطن هؤلاء، إلا أن أكثر ما يمكن أن يَطمح إليه حاليا هو الصمود في وجه حالة الإرباك والاضطراب الحالية بالسلطات المقلصة جدا التي بقيت لديه· إن مشكلة إدارة بوش في باكستان أن سياستها تفتقر التعاطي مع مصالح وتطلعات المواطنين الباكستانيين، مكتفية بشخص رئيسها· فصحيح أن الباكستانيين رحبوا بمشرف في 1999 عندما أطاح -كقائد أعلى للجيش- بحكومة رئيس الوزراء نواز شريف الفاسدة والمفتقرة إلى الكفاءة، غير أن حماسهم اضمحل وتبخر· كما إن المتطرفين الإسلاميين في باكستان، ومنهم النشطاء المرتبطون بأحداث المسجد الأحمر، يكرهون مشرف· و القاعدة وحركة طالبان ، اللتان تشتركان في هذه المشاعر، تحظيان بقدر مهم من التأييد في أوساط الدوائر الإسلامية المتشددة داخل باكستان· قد تكون الطبقة السياسية منقسمة على نفسها بخصوص مشرف، غير أن المهنيين والنخبة المثقفة عموما لا يطيقونه، وينظرون إليه باعتباره عسكريا وصل إلى السلطة بطريقة غير قانونية واحتفظ بها عبر تخريب العملية الديمقراطية· بل إن هناك اضطرابا وإرباكا حتى في عقر معقل التأييد الرئيسي لمشرف: القوات المسلحة وأجهزة الاستخبارات· فرصيده السياسي الذي ما فتئ يتراجع جعل منه عبئا وثقلا يهدد قوتهم السياسية وإمبراطوريتهم الاقتصادية الواسعة· أما في حال لجأوا إلى جنرال آخر، فإن واشنطن قد تدعم من جديد زعيما يتوفر على السلطة ولكنه يفتقر إلى التأييد الشعبي؛ الأدهى أن الباكستانيين سيُحملون الولايات المتحدة من جديد مسؤولية ترتيب انقلاب آخر· وفي رد فعلها على تزايد ضعف مشرف، مارست الإدارة الأميركية ضغوطا عليه للتوصل إلى اتفاق مع غريمته رئيسة الوزراء السابقة المنفية ''بنازير بوتو''، التي عملت، بدهاء وشفافية في آن واحد، على التحذير من التهديد الذي يطرحه الإرهاب والتطرف الإسلامي، مدركة لحقيقة أن واشنطن تطرب لهذا الكلام· والواقع أنها قد تكسب الكثير في حال وافق مشرف، بفعل الضغوط الأميركية، على شروطها، -في مقدمة هذه الشروط أن يستقيل كقائد أعلى للقوات المسلحة قبل الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، وأن يقدم ضمانات بأنها لن تُعتقل بتهمة الفساد في حال عودتها-، ما سيمكنها من العودة إلى باكستان كبطلة فاتحة· بيد أنه حتى في حال توصل الخصمان الطويلان إلى اتفاق، فإنه لن تكون لهذا الأمر أهمية بالقدر الذي توحي به التقارير الإخبارية في الولايات المتحدة وغيرها، ذلك أن ''بوتو'' -التي عارضت مشرف لسنوات عدة- تواجه خطر تقلص وتراجع وزنها السياسي في حال أقدمت على عقد صفقة معه· وعلاوة على ذلك، فإن نواز شريف، زعيم ''العصبة الإسلامية'' (يشار إلى أن حزبين اثنين يحملان الاسم نفسه، أحدهما يدعم برويز مشرف) عمل على تقديم نفسه باعتباره المدافع عن الديمقراطية، وانتقد ''بوتو'' على خلفية ما وصفه بمناوراتها السرية مع انقلابي مفتقر للمصداقية· ومما يذكر في هذا السياق أن شريف يستعد بدوره للعودة من المنفى· والواقع أن بعض مؤيدي ''بوتو'' مستاؤون؛ إذ يرون أن مشرف يائس يترنح؛ ولا يريدون أن يكون الاتفاق معها وسيلة نجاته· الأهم من ذلك هو أن الأمل الذي تُعلقه إدارة بوش على ''بوتو'' هو في غير محله؛ ويشكل مثالا آخر على السياسة المرتبطة بالأشخاص، إذ لا يوجد ما يوحي بأنها ستبلي بلاء أفضل من مشرف بخصوص طرد أفراد القاعدة وطالبان من تحصيناتهم، وكبح جماح الجهاديين الباكستانيين، وفضلا عن ذلك، فمما لا شك فيه أنها ستحظى بدعم أقل داخل المؤسسة الأمنية الباكستانية· ثم إن الباكستانيين لن ينظروا بعين الرضا إلى تحالفها مع واشنطن في حال انتخبوها رئيسة للوزراء، بل على العكس من ذلك، فكي يُنظر إليها كزعيمة مستقلة وذات شرعية، سيتعين عليها أن تأخذ في عين الاعتبار استياءهم الكبير من سياسة الولايات المتحدة· غير أن البيت الأبيض وعددا كبيرا من أعضاء الكونجرس يبدون غير واعين بأن معظم الباكستانيين، بغض النظر عن لونهم السياسي، يعارضون دور بلادهم في الحرب التي تخوضها إدارة بوش على الإرهاب، ومعظمهم يعتقد أن باكستان لم تكسب من مساعدة الحملة الأميركية سوى القليل، وأن الهند هي التي تنسج معها الولايات المتحدة شراكة استراتيجية· كما يخشون ازدياد العنف وزعزعة الاستقرار في حال استمرت باكستان في لعب دور قاعدة للحملة التي تخوضها واشنطن ضد الإرهاب· إن أفضل شيء يمكن أن تقوم به الإدارة الأميركية بخصوص باكستان هو ألا تقوم بشيء، ولندع الباكستانيين يجدون حلا لأزمتهم؛ فأي حل صُنع في أميركا لن يفشل في تحسين الأمور فحسب، بل سيجعلها أسوأ· وحري بالرئيس بوش-بحكم ميله إلى التبسيط- أن يتذكر قول ''لا تفعل شيئا·· ابق في مكانك فقط''· أستاذ العلاقات الدولية بجامعة ليهاي الأميركية وزميل مؤسسة نيو أميركا فاونديشن ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©